|
|||
(106)
أقول : وجه دلالته على مدحه ، أنّه توقّف عن الكذب ، وأنّ الإمام عليه السلام ائتمنه على الكتاب .. وغيره.
ومنها : ما رواه هو رحمه الله (1) ، عن جبرئيل بن أحمد ، عن محمد بن عيسى ، عن عبد الله بن جبلة الكناني ، عن ذريح المحاربي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن جابر الجعفي وما روى ، فلم يجبني. وأظنّه قال : سألته بجمع فلم يجبني ، فسألته الثالثة فقال لي : « يا ذريح ! دع ذكر جابر ، فإنّ السفلة إذا سمعوا بأحاديثه شنّعوا » ، أو قال : « أذاعوا ». ومنها : ما رواه هو رحمه الله (2) ، عن جبرئيل بن أحمد الفارياني ، عن محمّد ابن عيسي العبيدي ، عن عليّ بن حسّان الهاشمي عن (3) عبد الرحمن بن كثير ، عن جابر بن يزيد ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : « يا جابر ! حديثنا صعب مستصعب أمرَد ، ذكوان (4) ، وَعِر ، أَجرَد (5) ، لا يحتمله والله إلاّ نبيّ مرسل ، أو ملك مقرّب ، أو مؤمن ممتحن ، فإذا ورد عليك ـ يا جابر ـ شيءٌ من أمرنا فَلانَ له قلبك فاحمد الله ، وإن أنكرته فردّه إلينا أهل البيت ، ولا تقل كيف جاء هذا ! وكيف كان ؟ أو كيف هو ؟! فإنّ هذا هو والله الشرك العظيم ». ومنها : ما رواه هو رحمه الله (6) ، عن علي بن محمّد ، عن محمّد بن أحمد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن عمرو بن عثمان ، عن أبي جميلة ، عن جابر ، قال : رُويت 1 ـ رجال الكشي : 193 برقم 340. 2 ـ الكشي في رجاله : 193 ـ 194 برقم 341. 3 ـ في المصدر : قال : حدّثني. 4 ـ خ. ل : ذكوار ، من الذكارة. 5 ـ الأمرد ، والأجرد .. ما لا غش فيه. 6 ـ أي الكشي في رجاله : 194 برقم 342. (107)
خمسين ألف حديث ما سمعه أحدٌ منّي.
ومنها : ما رواه هو رحمه الله (1) ، عن جبرئيل بن أحمد ، عن محمّد بن عيسى ، عن إسماعيل بن مهران ، عن أبي جميلة ، عن المفضّل بن صالح ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، قال : حدّثني أبو جعفر عليه السلام تسعين ألف حديث (2) ، لم أحدّث بها أحداً قطّ ، ولا أحدّث بها أحداً أبداً. قال جابر : فقلت لأبي جعفر عليه السلام : جعلت فداك ، إنّك قد حمّلتني وقراً عظيماً بما حدّثتني به من سرّكم الّذي لا أحدّث به أحداً ، فربّما جاش في صدري حتّى يأخذني شبه الجنون. قال : « يا جابر ! فإذا كان ذلك (*) فاخرج إلى الجبّانة (3) ، فاحفر حفيرة ، ودلّ رأسك فيها ، ثمّ قل : حدّثني محمّد بن عليّ بكذا .. وكذا .. ومنها : ما رواه هو رحمه الله (4) ، عن نصر بن الصبّاح ، عن أبي يعقوب إسحاق بن محمّد البصري ، عن علي بن عبد الله ، قال : خرج جابر ذات يوم وعلى رأسه قوصرة (**) ، راكباً قصبة ، حتّى مرّ على سكك الكوفة ، فجعل الناس يقولون : جنّ جابر .. جنّ جابر .. فلبثنا بعد ذلك أيّاماً ، فإذا كتاب هشام قد جاء بحمله إليه. قال : فسأل عنه الأمير فشهدوا عنده أنّه قد اختلط ، 1 ـ أي الكشي في رجاله : 194 برقم 343. 2 ـ في المصدر : بسبعين ألف حديث. * ـ خ. ل : كذلك. [ منه ( قدّس سرّه ) ]. 3 ـ خ. ل : إلى الجبّان. [ منه ( قدّس سرّه ) ]. 4 ـ أي الكشي في رجاله : 194 ـ 195 برقم 344. ** ـ القوصرة : وعاء للتّمر يتّخذ من خوص النخل. [ منه ( قدّس سرّه ) ]. أقول : قال في الصحاح 2/793 : والقَوْصَرَّة بالتشديد : هذا الذي يكنز فيه التمر من البَوَارِيّ. وقد يخفف. ولاحظ أكثر من ذلك في لسان العرب 5/104. (108)
وكتب بذلك إلى هشام ولم يعرّض له ، ثمّ رجع إلى ما كان من حاله الأولى.
ومنها : ما رواه هو رحمه الله (1) عن نصر بن الصباح ، عن إسحاق بن محمّد ، عن فضيل بن (2) محمّد بن زيد الحامض (3) ، عن موسى بن عبد الله ، عن عمرو بن شمر ، قال : جاء قوم إلى جابر الجعفي فسألوه أن يعينهم في بناء مسجدهم ؟ قال : ما كنت بالّذي أعين في بناء شيء يقع منه رجل مؤمن فيموت ، فخرجوا من عنده وهم يبخّلونه ويكذّبونه ، فلّما كان من الغد أتمّوا الدراهم ووضعوا أيديهم في البناء ، فلمّا كان عند العصر زلّت قدم البنّاء فوقع فمات. ومنها : ما رواه هو رحمه الله (4) ، عن نصر ، عن إسحاق ، عن عليّ بن عبيد ، ومحمّد بن منصور الكوفي ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن صدقة ، عن عمرو بن شمر ، قال : جاء العلاء بن شريك (5) برجل من جعفى ، قال : خرجت مع جابر لمّا طلبه هشام حتّى انتهى إلى السواد ، قال : فبينا نحن قعود ، وراع قريب منّا ، إذ لعبت * نعجة من شيائه إلى حَمَل ، فضحك جابر. فقلت له : ما يضحكك أبا محمّد ؟! قال : إنّ هذه النعجة دعت حملها فلم يجئ ، فقالت له : تنحّ عن ذلك الموضع ، فإنّ 1 ـ أي الكشي في رجاله : 195 برقم 345. 2 ـ في المصدر : عن. 3 ـ في المصدر : الحافظ ، وفي عدة نسخ خطية ومجمع الرجال كما في المتن. 4 ـ الكشي في رجاله : 195 ـ 196 برقم 346. 5 ـ في النسخة المطبوعة : العلاء بن يزيد ، وفي نسخة مخطوطة من رجال الكشي جاء : العلاء بن رزين. * ـ في نسخة : ثغت ، وهو الصحيح. [ منه ( قدّس سرّه ) ]. أقول: قال في الصحاح 6/2293: الثُغَاء: صوت الشاة والمعز وما شاكلهما، وقد تَثْغُو ثُغَاء أي صاحت. وفي نسخة : لفتت ، أي مالت إلى نعجة. (109)
الذئب عام أوّل أخذ أخاك منه ، فقلت : لاََعْلَمَنّ حقيقة (1) هذا أو كذبه ، فجئت إلى الراعي ، فقلت : يا راعي! تبيعني هذا الحمل ، قال : فقال : لا ، قلت : ولم ؟ قال : لأنّ أمّه أفره شاة في الغنم ، وأغزرها دَرّة ، وكان الذئب أخذ حملا لها منذ عام الأوّل من ذلك الموضع ، فما رجع لبنها حتّى وضعت هذا فدرّت ، فقلت : صدق ، ثمّ أقبلتُ ، فلمّا صرت إلى جسر الكوفة ، نظر إلى رجل معه خاتم ياقوت فقال له : يا فلان! خاتمك هذا البرّاق أرنيه ، قال : فخلعه وأعطاه ، فلمّا صار في يده رمي به في الفرات ، قال : الآخر ما صنعت ؟ قال : تحبّ أن تأخذه ؟ قال : نعم ، قال : فقال بيده إلى الماء ، فأقبل الماء يعلو بعضه على بعض حتّى إذا قرب تناوله وأخذه.
ومنها : ما رواه هو رحمه الله (2) ، عن سفيان الثوري ، أنّه قال : جابر الجعفي صدوق في الحديث ، إلاّ أنّه كان يتشيع. وحكى أنّه قال : ما رأيت أورع بالحديث من جابر. ومنها : ما رواه هو رحمه الله (3) ، عن نصر بن الصباح ، عن إسحاق بن محمّد 1 ـ في حقّية هذا ـ خ. ل ـ. أقول : نظائر هذا الخبر أوجب تضعيف جابر عند بعض الغفلة ؛ لأنّهم غفلوا أنّ طاعة الله جلّ شأنه والانقياد له تعالى تسبغ على الانسان منزلة أعظم ممّا نالها جابر ، فإنّ الحديث القدسيّ يصرّح بقوله عزّ من قائل : « عبدي أطعني أجعلك مثلي ، أو مثَلي .. ». وقوله عليه السلام : « من خاف الله خاف منه كل شيء ». وهذا ممّا لا شك فيه عند العارفين السالكين ، اللّهم اجعلنا منهم ، وأسبغ علينا معرفتك ، ووفقّنا إلى طاعتك ، وأذقنا حلاوة مناجاتك ، واتّباع أوامرك ، والابتعاد عن نواهيك بالنبيّ وآله المعصومين صلواتك عليهم أجمعين. 2 ـ في رجال الكشي : 195 برقم 346 في ذيله. 3 ـ في رجال الكشي : 197 برقم 347 ، ويحتمل وقوع سقط في السند ، وأن يكون (110)
البصري ، عن محمّد بن منصور ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن عمرو بن شمر ، قال : قال : أتى رجل جابر بن يزيد فقال له جابر : أتريد أن ترى أبا جعفر عليه السلام ؟ قال : نعم ، قال : فمسح على عيني فمررت و أنا أسبق الريح حتّى صرت إلى المدينة ، قال : فبينا أنا متعجّب إذ فكرت ، فقلت : ما أحوجني إلى وتد أوتّده ، فإذا حججت عاماً قابلا نظرت ها هنا هو أم لا ؟ فلم أعلم إلاّ وجابر بين يديّ يعطيني وتداً ، قال : ففزعت ، قال : فقال : هذا عمل العبد بإذن الله ، فكيف لو رأيت السيد الأكبر ؟ قال : ثم لم أره ، قال : فمضيت حتّى صرت إلى باب أبي جعفر عليه السلام ، فإذا هو يصيح بي : « أدخل لا بأس عليك » ، فدخلت فإذا جابر عنده قال : فقال لجابر : « يا نوح ! غرّقتهم أوّلا بالماء (1) ، وغرّقتهم آخراً بالعلم ، فإذا كسرت فاجبره » ، قال : ثمّ قال : « من أطاع الله أطيع .. أيّ البلاد أحبّ إليك ؟ » قال : قلت الكوفة. قال : « ما لكوفة فسكن » *. قال : سمعت أخا النون بالكوفة ، وقال : فبقيت متعجّباً من قول جابر فجئت فإذا به في موضعه الّذي كان فيه قاعداً ، قال : فسألت القوم هل قام أو تنحّى ؟ قال : فقالوا : لا ، ولكن (**) سبب توحيدي أن سمعت قوله بالإلهيّة [ و ] في الأئمّة عليهم السلام.
الصحيح : عن محمد بن إسماعيل ، عن صدقة ، عن عمرو بن شمر .. والرواية ضعيفة جداً. 1 ـ الظاهر إنّ عبارة رجال الكشي قد وقع فيها تحريف ، والصحيح : فقال لجابر : يا جابر إنّ نوحاً غرقهم أوّلا بالماء .. وبهذا تنتظم العبارة. * ـ خ. ل : فكن. [ منه ( قدّس سرّه ) ]. أقول : كذا في المصدر المطبوع. ** ـ خ. ل : وكان. [ منه ( قدّس سرّه ) ]. (111)
قال الكشّي ـ بعد نقله ـ : هذا حديث موضوع لا شكّ في كذبه ، ورواته كلّهم متّهمون بالغلوّ والتفويض.
ومنها : ما رواه هو رحمه الله (1) ، عن محمّد بن مسعود ، عن محمّد بن نصير ، عن محمّد بن عيسى ، وحمدويه بن نصير ، عن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن عروة بن موسى ، قال : كنت جالساً مع أبي مريم الحنّاط ، وجابر عنده جالس ، فقام (2) أبو مريم فجاء بدورق (3) من ماء بئر مبارك (4) بن عكرمة فقال [ له جابر ] : ويحك يا أبا مريم ! كأنّي بك قد استغنيت عن هذه البئر ، واغترفت من ها هنا من ماء الفرات ! فقال له أبو مريم : ما ألوم الناس أن يسمّونا كذّابين ، وكان مولى لجعفر عليه السلام ، فقال (*) : كيف يجيء ماء الفرات إلى ها هنا ؟ قال : ويحك ! أنّه يحفر ها هنا نهر أوّله عذاب على الناس ، وآخره رحمة ، يجري فيه ماء الفرات ، فتخرج المرأة الضعيفة والصبيّ فيغترف منه ، ويجعل له أبواب في بني رواس وفي بني موهبة (5) ، وعند بئر بني كندة ، وفي بني فزارة (**) ، حتى يتغامس فيه الصبيان. 1 ـ رجال الكشي : 198 برقم 348. أقول : الرواية أما مهملة لاهمال علماء الرجال لذكر حال عروة بن موسى ، أو مجهولة ، ولذلك ليست بحجة. 2 ـ في الأصل : فقال ، وهو خطأ. 3 ـ الدورق والجمع دوارق ، الإبريق الكبير له عروتان ولا بلبلة له ، فارسية الأصل. 4 ـ وفي نسخة من رجال الكشي طبعة إيران : منازل بن عكرمة. وفي نسخة مخطوطة ـ بشر بن عكرمة ـ. * ـ وإنّ الذي حدث علي وعروة لعلي أنّه .. إلى آخره ظاهراً. [ منه ( قدّس سرّه ) ]. 5 ـ خ. ل : موهية. ** ـ خ. ل : زرارة. [ منه ( قدّس سرّه ) ]. (112)
قال عليّ : إنّه قد كان ذلك ، وإنّ الّذي حدث (1) عليّ وعمر * لعلي أنّه سمع بهذا الحديث قبل أن يكون.
ومنها : ما رواه هو رحمه الله (2) في ترجمة ذريح المحاربي ، عن تحديث محمّد بن شاذان بن نعيم في كتابه ، أنّه سمع أبا محمّد القاضي (3) الحسن بن علويّة الثقة ، يقول : سمعت الفضل بن شاذان ، يقول : حجّ يونس بن عبد الرحمن أربعاً وخمسين حجّة ، واعتمر أربعاً وخمسين عمرة ، وألّف ألف جلد ردّاً على المخالفين. ويقال : انتهى علم الأئمة عليهم السلام إلى أربعة نفر أوّلهم : سلمان الفارسي ، والثاني : جابر ، والثالث : السيد ، والرابع : يونس بن عبد الرحمن. ومنها : ما عن روضة الكافي (4) ، عن عدّة من أصحابنا ، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن إسماعيل بن مهران ، عمّن حدّثه ، عن جابر بن يزيد ، قال : حدّثني محمّد بن علي عليهما السلام (5) سبعين حديثاً لم أحدّث بها أحداً قطّ ، ولا أحدّث بها [ أحداً ] أبداً ، فلّما مضى محمّد بن علي عليهما السلام ، ثقلت على عنقي ، وضاق بها صدري [ فأتيت أبا عبد الله عليه السلام فقلت : جعلت فداك إنّ أباك حدّثني سبعين حديثاً لم يخرج منّي شيءٌ منها ، ولا يخرج شيء منها إلى أحد ، 1 ـ حدث عليّ ، أي عليّ بن الحكم ـ وحدّث عروة لعلي ـ فتفطن. * ـ خ. ل : وعهد. [ منه ( قدّس سرّه ) ]. 2 ـ رجال الكشي : 485 برقم 917 في ترجمة يونس بن عبد الرحمن. 3 ـ في نسخة ـ القماص ـ. 4 ـ الكافي 8/157 برقم 149 ، باختلاف يسير وسقط أدرجناه بين معقوفتين. أقول : الرواية مقطوعة السند. 5 ـ في المتن : جابر بن يزيد ، عن الصادق عليه السلام ، قال : قلت له : حدّثني محمد بن علي عليهما السلام. (113)
وأمرني بسترها ، وقد ثقلت على عنقي وضاق بها صدري ] فما تأمرني. فقال : « يا جابر ! إذا ضاق بك من ذلك شيء ، فاخرج إلى الجبّانة ، واحفر حفيرة ، ثمّ دلّ رأسك فيها ، وقل : حدّثني محمّد بن عليّ عليهما السلام .. بكذا .. وكذا ثمّ طمّه ، فإنّ الأرض تستر عليك ». قال جابر : ففعلت ذلك فخفّت * عنّي ما كنت أجده.
ومنها : ما عن الكافي (1) ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر عيله السلام ، قال : سألت (**) عن القائم عليه السلام ، فضرب بيده على أبي عبد الله عليه السلام ، فقال : هذا والله قائم آل محمد صلوات الله عليهم ، قال : فلمّا قبض أبو جعفر عليه السلام دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرته * ـ الظاهر أنّه : فخفّ. [ منه ( قدّس سرّه ) ]. أقول : من تأمل في هذا الحديث وضمّ إليه الحديث الوارد في الاختصاص : 216 ، للشيخ المفيد أعلى الله تعالى مقامه ، وهو قول الصادق عليه السلام للمفضّل بن عمر ، لمّا سأله عن منزلة بعض خواص الشيعة ، فقال : فما منزلة جابر بن يزيد منكم ؟ قال : « منزلة سلمان من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ». اتّضح له من هذه المقارنة وضمّها إلى رواية الكشي بأنّ : علم الأئمة عليهم السلام انتهى إلى أربعة : سلمان ، وجابر ، والسيد الحميري ، ويونس بن عبد الرحمن ـ إنّ منزلة جابر هي عظيمة جداً ، وأنّه كان ممن وقف على أسرار الخلقة وخفايا الأمور ، واطّلع على كثير ممّا لم يطّلع عليه غيره ، ومن غريب ما تشير إليه هذه المقارنة أنّه ورد في سلمان أنّه لو اطّلع أبو ذر على ما في قلب سلمان لكفّره ، أو لقتله ، وإنّ جابراً أيضاً لو اطّلعوا على ما اطّلع عليه لقتلوه أو كفروه ، كما وقد رموه بالجنون والضعف ، فتفطن. 1 ـ الكافي 1/307 باب الإشارة والنص على أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام حديث 7. ** ـ الظاهر أن الصحيح : سألته. [ منه ( قدّس سرّه ) ]. (114)
بذلك ، فقال : « صدق جابر » ، قال : « لعلّكم ترون أن ليس كلّ إمام هو القائم بعد الإمام الّذي كان قبله ؟! ».
ومنها : ما رواه في أصول الكافي (1) في باب أنّ الجنّ يأتون الأئمّة عليهم السلام ويسألونهم عن معالم دينهم ، ويتوجّهون في أمورهم. عن عليّ بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن محمّد بن أورمة ، عن أحمد بن النضر ، عن النعمان بن بشير (2) ، قال : كنت مزاملا لجابر بن يزيد الجعفي (3) ، فلمّا أن كنّا بالمدينة دخل على أبي جعفر عليه السلام فودّعه ، وخرج من عنده وهو مسرور ، حتّى وردنا الأخيرجة أوّل منزل تعدل من فيد (*) إلى المدينة يوم جمعة ، فصلّينا الزوال ، فلمّا نهض بنا البعير إذا أنا برجل طوّال آدم ، معه كتاب ، فناوله جابر ، فتناوله فقبّله ووضعه على عينيه ، وإذا هو : من محمّد بن علي إلى جابر بن يزيد ، وعليه طين أسود رطب ، فقال له : متى عهدك بسيّدي ؟ فقال : الساعة ، فقال له : قبل الصلاة أو بعد الصلاة ؟ فقال : بعد الصلاة ، قال : ففّك الخاتم. وأقبل 1 ـ الكافي 1/396 حديث 7 ( وفي طبعة : 326 ) ، أقول : الرواية مهملة لمكان النعمان بن بشير. 2 ـ لا ريب في أنّ نعمان بن بشير الّذي زامل جابر بن يزيد غير نعمان بن بشير الّذي كان في زمن أمير المؤمنين عليه السلام ومن أذناب معاوية وولاته ، وقتل في سنة خمس وستين بحمص ، والّذي وقع في سند هذه الرواية أهمل ذكره علماء الرجال. 3 ـ من تأمّل في هذه الرواية اتّضح له الجوّ الخانق والضغط الشديد الّذي كان يسود على المجتمع الإسلامي انذاك بحيث يتلقّى جابر من الإمام عليه السلام أمراً بالتجنّن حفظاً على مهجته من طواغيت زمانه ! * ـ اسم مكان. [ منه ( قدّس سرّه ) ]. أقول : جاء في مراصد الاطلاع 3/1049 : فيد ـ بالفتح ثم السكون ودال مهملة ـ بليدة في نصف طريق مكّة من الكوفة. (115)
يقرأه ويقبض وجهه حتّى أتى على آخره. ثّم أمسك الكتاب ، فما رأيته ضاحكاً ولا مسروراً حتّى وافينا الكوفة ليلا ، فبّت ليلتي فلمّا أصبحت أتيته إعظاماً له ، فوجدته قد خرج عليّ وفي عنقه كعاب قد علّقها ، وقد ركب قصبته ، وهو يقول : أجد منصور بن جمهور أميراً غير مأمور .. ! وأبياتاً من نحو هذا. فنظر في وجهي ونظرت في وجهه ، فلم يقل لي شيئاً ولم أقل له. واُقبلت أبكي لمّا رأيته ، واجتمع عليَّ وعليه الصبيان والناس حتّى دخل الرحبة ، وأقبل يدور مع الصبيان ، والناس يقولون : جنّ جابر بن يزيد .. !
فوالله ما مضت الأيّام حتّى ورد كتاب هشام بن عبد الملك إلى واليه : أن انظر رجلا يقال له : جابر بن يزيد الجعفي فاضرب عنقه وابعث إليَّ برأسه ، فالتفت إلى جلسائه فقال لهم : من جابر بن يزيد الجعفي ؟ قالوا : أصلحك الله كان رجلا له فضل وعلم وحديث ، وحجّ فجنّ ، وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم ، قال : فأشرف عليه ، فإذا هو مع الصبيان يلعب على القصب ، فقال : الحمد لله الّذي عافاني من قتله. قال : ولم تمض الأيّام حتّى دخل منصور بن جمهور الكوفة ، وصنع ما كان يقول جابر. ومنها : ما رواه هو رحمه الله (1) في ترجمة ذريح المحاربي ، عن محمّد بن سنان ، 1 ـ في رجال الكشي : 373 برقم 699. أقول : رواة هذه الرواية ثقات على المختار ، وتعدّ موثقة لعبدالله بن جبلة ، ومن الغريب ما حسبه عبد الله بن جبلة من أنّ ذريحاً من السفلة ؛ مع أنّ الصادق عليه السلام يخاطب ذريحاً بأنّ : أحاديث جابر لا تتحمله السفلة .. « أُلُه عنها ولا تروها للسفلة فإنك إن رويتها لهم أنكرها عليك السفلة .. ! » وأين هذا من كون ذريحاً من السفلة ؟! وهذا واضح أشدّ الوضوح من العبارة ، فتفطن. (116)
عن عبد الله بن جبلة الكناني ، عن ذريح المحاربي ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام بالمدينة : ما تقول في أحاديث جابر ؟ قال : « تلقاني بمكّة » ، فلقيته بمكّة ، قال : « تلقاني بمنى » ، قال : فلقيته بمنى ، فقال لي : « ما تصنع بأحاديث جابر ؟! أُلْهُ عن أحاديث جابر ، فإنّها إذا وقعت إلى السفلة أذاعوها ».
قال عبد الله بن جبلة : فأحسب ذريحاً سفلة .. .. إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في مدح الرجل. وأمّا ما سمعته من العلاّمة رحمه الله في الخلاصة (1) من نسبته إلى الكشّي ، رواية بعض الذم فيه .. فإن أراد به الرواية الأخيرة فلا يخفى على ذوي الحجى أنّها مادحة غير ذامّة ؛ لدلالتها على أنّ في حديثه ما له واقعية ولكن لا تتحمّله عقول السفلة ، فلذا أمر عليه السلام بتركها خوفاً من ضياعها فهي نظير الخبر الثاني الناطق بترك محادثته السفلة خوفاً من إذاعتهم إيّاه. وإن أراد ما رواه الكشّي رحمه الله (2) عن حمدويه ، وإبراهيم ابني نصير ، عن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أحاديث جابر ؟ فقال : « ما رأيته عند أبي قطّ إلاّ 1 ـ الخلاصة : 35 برقم 2. أقول : وغاية ما تدلّ هذه الرواية أنّ روايات جابر تتضمّن أموراً لا تتحملّها عقول المجتمع ، وتكشف عن علو مقامه وجلالة قدره ، وتؤيّدها معنى الرواية المتقدمة. 2 ـ الكشي في رجاله : 191 برقم 335. هذه الرواية لابدّ من حملها على التقية لحفظ مهجة جابر ؛ لأنّ من المقطوع به ، أنّ جابراً كان ممّن يدخل على محمد بن علي الباقر عليهما السلام ، وبناءً ـ على نقل ابن شهر آشوب في مناقبه كان بواباً له عليه السلام ، وروايات جابر عنه في أبواب الفقه وغيرها كثيرة ، فعليه لا محيص من حمل هذه الرواية على التقية وعدم إرادة ظاهرها ، أو أنها موضوعة أو لفترة زمنية خاصة ، فتفطّن. (117)
مرّة واحدة ، وما دخل عليَّ قط .. » فلا يخفى على كل ذي إدراك أنّه ورد على خلاف ظاهره قطعاً حفظاً لجابر بقرينة الأخبار المزبورة ، وكيف لم يره وله معه قضايا ، وله عنه أخبار كثيرة ؟! وكيف لم يدخل على أبيه عليه السلام إلاّ مرّة واحدة ، وهو من تلاميذه وأهل سرّه ؟!.
وتنقيح المقال : إنّ الّذي يستفاد من مجموع ما مرّ من الأخبار ، أنّ الرجل في غاية الجلالة ، ونهاية النبالة ، وله المنزلة العظيمة عند الصادقين عليهما السلام ، بل هو من أهل أسرارهما وبطانتهما ، ومورد ألطافهما الخاصّة وعنايتهما المخصوصة ، وأمينهما على ما لا يؤتمن عليه إلاّ أوحديّ العدول من الأسرار ، ومناقب أهل البيت عليهم السلام. وقد نقل في ترجمة مولانا الباقر عليه السلام عن المناقب (1) أنّ بابه : جابر ابن يزيد الجعفي ، ولا يعقل تمكين الإمام عليه السلام المعصوم من صيرورة غير العدل باباً له ، وواسطة بينه عليه السلام وبين شيعته الضعفاء الأخيار. وقد سمعت من ابن الغضائري ـ المصرّ على تضعيف الرواة ـ توثيقه. ولا يقدح تضعيفه أكثر الراوين عنه ؛ ضرورة أنّ ضعف الراوين عنه ليس راجعاً إلى فعله حتّى يؤاخذ عليه ويغمز به فيه. ووثّقه الفاضل المجلسي أيضاً في الوجيزة (2). وفي البلغة (3) : إنّه ثقة على الأظهر. 1 ـ المناقب لابن شهر آشوب 4/211 قال : .. وبابه جابر بن يزيد الجعفي. ومثله في مصباح الكفعمي : 522 ، وبه قال ابن الصباغ في الفصول المهمة : 211. 2 ـ الوجيزة : 147 [ رجال المجلسي : 173 برقم ( 326 ) ]. 3 ـ بلغة المحدثين : 338 برقم 1. 4 ـ تعليقة الشهيد الثاني على الخلاصة المخطوطة عندنا : 20. (118)
وفي تعليقة الشهيد الثاني رحمه الله على الخلاصة (1) : إنّه ذكره صاحب الإكمال القرشي ، ووثّقه وأثنى عليه كثيراً ، وقال : ومات سنة ثمان وعشرين ومائة. انتهى ما في التعليقة.
وأمّا الشيخ المفيد الّذي روى عنه النجاشي في عبارته المزبورة انشاد أشعار كثيرة دالّة على اختلاط الرجل ، قد ذكر في حقّه في رسالته الّتي صنّفها في الردّ على أصحاب العدد في شهر رمضان (2) ، ما يزيد على الوثاقة ، حيث قال : وأمّا رواة الحديث بأنّ شهر رمضان يكون تسعة وعشرين يوماً ويكون ثلاثين ، فهم فقهاء أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله (3) عليهما السلام والأعلام الرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام ، الّذين لا مطعن عليهم ، ولا طريق إلى ذمّ واحد منهم ، وهم أصحاب الأصول المدونة والمصنّفات المشهورة .. إلى أن شرع في ذكرهم ، وذكر رواياتهم ، ومن جملة تلك الروايات رواية جابر بن يزيد الجعفي. فلو كان له في جابر هذا غمز لم يدرجه في الثناء المذكور ، والتجليل المزبور الّذي لا يعارضه نقل الأشعار المشار إليها التي لم يعلم قائلها ولا مضمونها. ولقد أجاد الحائري حيث قال : إنّ الاستناد إلى الأشعار عجيب من مثل النجاشي كانت منه أو فيه. انتهى. 1 ـ الرسالة العددية المطبوعة ضمن مجموعة مصنفات الشيخ المفيد رحمه الله 9/25 ـ 26. 2 ـ في المصدر المطبوع هكذا : أبي جعفر محمد بن علي ، وأبي عبد الله جعفر بن محمد ، وأبي الحسن موسى بن جعفر ، وأبي الحسن علي بن موسى ، وأبي جعفر محمد بن علي ، وأبي الحسن علي بن محمد ، وأبي محمد الحسن بن علي بن محمد صلوات الله عليهم .. (119)
وأمّا قول النجاشي إ نّه : قلّ ما يورد عنه شيء في الحلال والحرام .. فغريب.
أمّا أوّلا : فللمنع صغرى ؛ فإنّه قد ورد عنه في الفروع أخبار كثيرة ، مثل : روايته المزبورة (1) في « أنّ شهر رمضان يكون ثلاثين وتسعة وعشرين » ، وروايته في ثواب زيارة الإخوان (2) ، وروايته في ثواب المشي مع الجنازة (3) ، وثواب حملها (4) ، وروايته في تلقين المحتضر (5) ، وروايته في أنّه يمثّل للميّت ما له وولده (6) ، وروايته في أعمال ليلة الجمعة ويومها (7) ، وروايته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (8) ، وروايته في وجوب طاعة الزوج على الزوجة (9) ، وحقوق الزوج على الزوجة (10) ، ووجوب غيرة الرجل على زوجته (11) ، وروايته في الحبّ في الله والبغض في الله (12) ، وروايته في ابتياع الحيوان (13) ، وروايته في فضل الصلاة 1 ـ التهذيب 4/162 حديث 456 ، وسائل الشيعة 10/267 حديث 13386. 2 ـ الكافي 2/141 حديث 3. 3 ـ الكافي 3/169 حديث 3 ، التهذيب 1/311 حديث 903 في ثواب المشي خلف الجنازة وانظر : وسائل الشيعة 3/148 حديث 3251. 4 ـ التهذيب 1/453 حديث 1476 وصفحة : 454 حديث 1479 ، الكافي 3/168 حديث 2 وصفحة : 174 حديث 1 ، وسائل الشيعة 3/153 حديث 3265 و3266. 5 ـ تهذيب الأحكام 1/459 حديث 1496. 6 ـ الكافي 3/231 حديث 1 و2 و3. 7 ـ تهذيب الاحكام 3/3 حديث 5. 8 ـ وسائل الشيعة 16/131 حديث 31162. 9 ـ الكافي 5/514 حديث 3. 10 ـ من لا يحضره الفقيه 3/277 حديث 4. 11 ـ من لا يحضره الفقيه 3/282 حديث 4. 12 ـ الكافي 2/103 حديث 11. 13 ـ الكافي 5/222 حديث 12. (120)
جماعة (1) ، وروايته في دية القتل (2) ، وروايته في عتق الرجل أمته وتزويجها وجعل عتقها صداقها (3) ، وروايته في اليمين الكاذبة (4) ، وروايته في أخوّة المؤمنين بعضهم لبعض (5) ، وروايته في شدّة إبتلاء المؤمن (6) ، وروايته في عدم إرث الموالي مع ذي الرحم (7) .. إلى غير ذلك من أخباره في الفروع.
وأمّا ثانياً : فلمنع كون قلّة الرواية في الفروع من القوادح في الرجل ، مع كثرة روايته في الإيمان وكيفيّته ، وفي الأئمة عليهم السلام والنصّ عليهم ، وكيفيّة أرواحهم. وانحصار الممدوح في القرآن بالعلم فيهم وحقائقهم وكراماتهم ومقاماتهم ، ولعلّ الرجل رأي أهمّية الأصول من الفروع ، سيّما الإمامة الّتي كان نوع الناس في ذلك الزمان بصدد إنكارها وإضاعتها ، وسلب رتبة الإمامة عن أهلها ، والمستحقّين لها من الله سبحانه ، فصرف عمدة همّه وجلّ عمره في رواية ما يرجع إلى حفظها المتفرّع عليها اتّباع أقوالهم عليهم السلام في الفروع ، فما ذكره النجاشي في هذه الفقرة إن لم يكن مدحاً لم يكن قدحاً. وأمّا ما رواه النجاشي رحمه الله به من الاختلاط .. فلا أصل له أصلا ، وإنّما ذلك ناش من روايته لأمور في الأئمة عليهم السلام صارت اليوم من (8) 1 ـ الكافي 3/372 حديث 7. 2 ـ الكافي 7/271 حديث 2. 3 ـ الاستبصار 3/209 حديث 3. 4 ـ وسائل الشيعة 23/204 حديث 29372. 5 ـ الكافي 2/133 حديث 2. 6 ـ الكافي 2/197 حديث 9. 7 ـ تهذيب الأحكام 9/332 حديث 1193 ، الاستبصار 4/174 حديث 655. 8 ـ تقدم منّا توضيح هذه الجملة مكرراً ، فراجع. |
|||
|