|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(346)
وفي لسان الميزان 1/436 ـ 437 برقم 1354 وأورده جامع كتاب الحاوي في رجال الشيعة الإمامية لابن أبي طي ، المطبوع في العدد 65 من مجلة تراثنا : 156 برقم 20 ، قال : إسماعيل بن محمّد بن يزيد بن ربيعة السيّد الحميري ، الشاعر المفلّق ، يكنى : أبا هاشم ، كان رافضياً خبيثاً ، قال الدارقطني : كان يسبّ السلف في شعره ، ويمدح عليّاً رضي الله عنه [ سلام الله عليه ] ، قلت : أخباره مشهورة ولا أستحضر له رواية ، وقال أبو الفرج : كان شاعراً مطبوعاً مكثراً ، إنّما مات ذكره وهجر الناس شعره لإفراطه في سبّ بعض الصحابة وإفحاشه في شتمهم والطعن عليهم ، وكان يقول بإمامة محمّد بن الحنفية ، وقد زعم بعض الناس أنّه رجع عن مذهبه وقال بإمامة جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، ولم نجد ذلك في رواية صحيحة ، قلت : وفي رجال الشيعة لابن أبي عليّ بخطه أنّ السيّد ذكر عن أبي خالد الكاملي [ كذا ، والظاهر : الكابلي ] ، أنّه كان يقول بإمامة ابن الحنفية ، فقدم المدينة فرأى محمداً يقول لعلي بن الحسين [ عليه السلام ] : (347)
يا سيّدي ! فسأله عن ذلك فقال : إنّه حاكمني إلى الحجر الأسود وزعم أنّه ينطق فسرت معه إليه ، فسمعت الحجر يقول : يا محمد ! سلّم الأمر لابن أخيك فهو أحقّ ، فصار أبو خالد من يومئذ إماميّاً ، فلمّا بلغ ذلك السيد الحميري رجع عن الكيسانيّة وصار إماميّاً. ثم قال : ونقل المسعودي في مروج الذهب أنّه قال في قصيدة أوّلها :
ثم قال : وفي المنتظم لابن الجوزي : إنّه لمّا احتضر أخذه كرب فجلس فقال : اللهم هذا كان جزائي في حبّ آل محمد ؟ وما تكلّم إلى أن أفاق إفاقة ففتح عينيه فنظر إلى ناحية القبلة فقال : يا أمير المؤمنين ! أتفعل هذا بوليّك ؟! قالها ثلاث مرّات فتجلّى والله في جبينه عرق بياض ، فما زال يتسع ويلبس وجهه حتى صار كلّه كالبرد فمات ، فأخذنا في جهازه. قلت : هذه حكاية مختلقة ، والمتّهم بها هذا الرافضي وحفيده إسحاق لا أعرف حاله .. إلى أن قال : قال الأصمعي : لو لا مذهبه لما قدّمت عليه أحداً من أهل طبقته ، وقيل : لمّا سمع بشّار بن برد شعره قال له : لو لا أنّ الله شغلك بمدح أهل البيت لافتقرنا. وكان أبواه ناصبيّين فهجاهما. أقول : إنّما ذكرت تفصيل كلام لسان الميزان وغيره ليعلم مدى تعصّب هؤلاء الذين يسمّون أنفسهم مسلمين ، وليعلم أنّ تعصّبهم الأعمى بلغ بهم إلى أيّ مرتبة من العداء لأهل البيت وشيعتهم ، وإنّ كل ما ينقض مذهبهم ، أو لا يوافق هواهم أنكروه ونسبوه إلى الإختلاق ، وأنّ الراوي رافضي : « قُلْ هُلْ نُنَبِّئُكُمْ بالأَخْسَرِينَ أَعْمالا الَّذينَ ضَلَّ سَعْيُهُم فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُم يُحْسِنُونَ صُنْعاً » ، [ سورة الكهف ( 8 ) : 103 و 104 ]. وفي المختصر في أخبار البشر ( تاريخ أبي الفداء ) لأبي الفداء 2/14 : وفيها ـ أعني سنة تسع وسبعين ومائة ـ توفّي السيّد الحميري الشاعر .. إلى أن قال : والسيّد لقب غلب عليه ، أكثر من الشعر ، وكان شيعيّاً كثير الوقيعة في الصحابة ، وكان كثير المدح لآل البيت والهجو لعائشة أمّ المؤمنين .. فمن ذلك قوله في مسيرها إلى البصرة لقتال عليّ [ عليه السلام ] من قصيدة طويلة :
(348)
وكذلك له فيها وفي حفصة أبيات منها :
وفي النجوم الزاهرة 2/68 ـ 69 في حوادث سنة مائة وإحدى وسبعين : وفيها توفّي إسماعيل بن محمّد بن يزيد بن ربيعة ، أبو هاشم ، ويلقّب بالسيّد الحميري ، كان شاعراً مجيداً ، وله ديوان شعر. وفي وفيات الأعيان 6/343 برقم 821 في طيّ ترجمة يزيد بن مفرغ الحميري قال : والسيد الحميري الشاعر المشهور من ولده ، وهو إسماعيل بن محمّد بن بكّار بن يزيد المذكور ، كذا ذكره ابن ماكولا في كتاب الإكمال ، ولقبه : السيّد ، وكنيته أبو هاشم ، وهو من كُبّار الشيعة ، وله في ذلك أخبار وأشعار مشهورة. وفي تاريخ ابن الوردي 1/279 في حوادث سنة ثمان وتسع وسبعين بعد المائة : وفيها توفي السيّد الحميري الشاعر ، إسماعيل بن محمّد بن يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري الشيعي ، والسيد لقبه ، أكثر من الشعر ، ومن الوقيعة في الصحابة ، والهجو لعائشة. وقال في البداية والنهاية 10/173 في حوادث سنة تسع وسبعين ومائة : وفيها توفي إسماعيل بن محمّد بن يزيد بن ربيعة أبو هاشم الحميري الملقّب ب : السيد ، كان من الشعراء المشهورين المبرزين فيه ، ولكنّه كان رافضياً خبيثاً ، وشيعياً غثيثاً ، وكان ممّن يشرب الخمر ، ويقول بالرجعة ـ أي بالدور ـ قال يوماً لرجل : أقرضني ديناراً ولك عندي مائة دينار إذا رجعنا إلى الدنيا ، فقال له الرجل : إنّي أخشى أن تعود كلباً أو خنزيراً فيذهب ديناري .. وكان قبحّه الله يسبّ الصحابة في شعره ـ قال الأصمعي : ولولا ذلك ما قدّمت عليه أحداً في طبقته ـ ولا سيمّا الشيخين وابنتيهما. وقد أورد ابن الجوزي شيئاً من شعره في ذلك ، كرهت أن أذكره لبشاعته وشناعته ، وقد اسودّ وجهه عند الموت ! وأصابه كرب شديد جدّاً ! ولمّا مات لم يدفنوه لسبّه الصحابة ! وفي الأغاني 7/24 بسنده : .. عن أبي الهذيل العلاّف ، عن أبي جعفر المنصور ، قال : (349)
بلغني أنّ السيّد مات بواسط فلم يدفنوه ، والله لئن تحقّق عندي لأحرقنها. وقال بسنده : .. بشير بن عمّار قال : حضرت وفاة السيّد في الرميلة ببغداد ، فوجّه رسولا إلى صفّ الجزّارين الكوفيين يعلمهم بحاله ووفاته ، فغلط الرسول فذهب إلى صفّ السموسين فشتموه ولعنوه ، فعلم أنّه قد غلط فعاد إلى الكوفيين يعلمهم بحاله ووفاته ، فوافاه سبعون كفناً. قال : وحضرناه جميعاً وأنّه ليتحسّر تحسّراً شديداً وإنّ وجهه لأسود كالقار وما يتكلّم إلى أن أفاق إفاقة وفتح عينيه ، فنظر إلى ناحية القبلة ، ثمّ قال : يا أمير المؤمنين ! أتفعل هذا بوليّك ! ـ قالها ثلاث مرّات مرّة بعد اُخرى ـ قال : فتجلّى والله في جبينه عرق بياض ، فمازال يتّسع ويلبس وجهه حتى صار كلّه كالبرد ، وتوفي فأخذنا في جهازه ودفناه في الجنينة ببغداد وذلك في خلافة الرشيد. وفي الأعلام للزركلي 1/320 قال : السيّد الحميري إسماعيل بن محمد .. إلى أن قال : أبو هاشم ، أو أبو عامر : شاعر إمامي متقدّم .. إلى أن قال : وكان أبو عبيدة يقول : أشعر المحدثين السيّد الحميري ، وبشّار ، وقد أخمل ذكرَ الحميري وصرف الناس عن رواية شعره إفراطه في النيل من بعض الصحابة وأزواج النبي (ص) وكان يتعصّب لبني هاشم تعصّباً شديداً ، وأكثر شعره في مدحهم وذم غيرهم ممّن هو عنده ضدٌ لهم ، وطرازه في الشعر قلّما يلحق فيه .. إلى أن قال : ومات ببغداد ، وقيل بواسط ، وكان يشار إليه في التصوّف والورع .. وفي معجم المؤلفين 2/294 : إسماعيل الحميري .. ثمّ ذكر نسبه ثمّ قال : أبو هاشم شاعر ولد بعمان ، ونشأ بالبصرة ، وتوفي ببغداد ، من آثاره : ديوان شعر. وفي الوافي بالوفيات 1/49 : تاريخ اليمن للحميري ، تاريخ الرشيد له أيضاً. وفي نور الأبصار للشبلنجي : 160 في ذكر مناقب الإمام الصادق عليه السلام قال : وشاعره السيّد الحميري ، وفي صفحة : 164 في ذكر أحوال الإمام الكاظم عليه السلام قال : شاعره السيّد الحميري. وقال المرزباني في نور القبس : 122 : قال أبو عبيدة : .. وسئل : من أشعر المولّدين ؟ قال : السيد ، وكان السيّد مشتهراً بمدح أهل البيت [ عليهم السلام ] ، وهو الذي يقول ( من البسيط ) :
(350)
وقال من قصيدة ( من البسيط ) :
وفي الأغاني 7/10 بسنده : .. قال : حدثني إبراهيم بن هاشم العبدي البصري ، قال : رأيت النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم في المنام ، وبين يديه السيّد الشاعر وهو ينشد :
وفي أنوار الربيع 2/18 : السيّد الحميري من الشيعة العلويّة لا يختلف في ذلك اثنان ، وقال أبو عمرو الزاهد في كتابه الياقوتة : إنّ بعض الشيعة أنشد أبا مجالد قول السيد : أقسم بالله وآلائه .. وقد ذكرنا الأبيات ، فراجعها. كلمة حول بعض أساطير كتّاب عصرنا
أقول : جاءت رواية عن الإمام الصادق جعفر بن محمّد صلوات الله وسلامه عليه تعرب بجلاء عن واقع شرذمة من الناس وتوضح مدى صحّة أنّ انتسابهم إلى الإسلام
(351)
فقال : « ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت ، لأنّك لا تجد رجلا يقول : أنا أبغض محمداً وآل محمد ، ولكنّ الناصب من نصب لكم ، وهو يعلم أنّكم تتولّونا ، وأنّكم من شيعتنا ». انظر : عقاب الأعمال للصدوق 2/247 حديث 4 ، [ وصفحة : 4 من طبعة اُخرى ] ، والوسائل 6/339 حديث 3 ، وجاء في علل الشرائع : 200 مثله. ومن مصاديق هؤلاء الذين أشار إليهم الإمام عليه السلام في عصرنا أحمد فريد الرفاعي في مؤلّفه عصر المأمون 2/339 برقم 7 فإنّه عنون السيّد الحميري رضوان الله تعالى عليه فأبدى صفحته ، وأظهر خفيّة دينه ، فنسب إلى السيّد كل ما قد ينقصه ، وصوّره من نسج خياله الحاقد على شيعة أهل البيت رجلا ساقطاً مدمناً سخيفاً ، وإليك بعض ما وصفه به فقال : ثمّ نستطيع أن نميّز هذا الشاعر بخصلة لم نرها في شاعر من الذين تحدّثنا عنهم ، وهي أنّه كان سخيفاً ، ضعيف العقل ، شديد الإيمان بالخرافات والأوهام ..!! ثم إنّ من صرف أيام حياته كلّها في مدح آل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، والإعلان عن فضائلهم وما منحهم الله من الصفات المقدسة التي إختصّوا بها ، وذم أعدائهم ، والإعلان عن رذائل أخلاقهم ، وظلمهم وفسوقهم ، لابدّ أن يصفه هذا الكاتب بأنّه سخيف ضعيف العقل ! شديد الإيمان بالخرافات ، ولا يمكن أن ينتظر منه غير ذلك ، فإنّ من كان حاقداً على أئمة أهل البيت عليهم السلام وموالياً لأعدائهم ، لابدّ من أن يرى مادحهم سخيف العقل. ثم قال في صفحة : 340 ـ 341 : إنّه كان يستبيح ضروباً من اللهو والمنكر ، ويسرف في شرب الخمر ، وغير ذلك من ألوان العبث ، لا لأنّه كان يجحد الدين أو يزدريه ، بل لأنّه كان يدلّ على صاحب الدين ، كان يحبّ النبي صلّى الله عليه وسلّم وآله ، ويمنحهم مودّته ونصره ، ويعتقد أنّهم سيعرفون له ذلك ، وسيشفعون له في ذنوبه وآثامه ، لما قدّم بين يديه من مدح العلويين ، ونصرهم على خصومهم ، وكان بنو هاشم وبنو عليّ [ عليه السلام ] خاصّة يطمعونه في ذلك ، ويعترفون له به ، فإذا ذكر لهم أنّه يلهو ويشرب الخمر ، قالوا : وأي ذنب يعظم على الله أن يغفره لرجل من أنصار أهل البيت ! ، بل قال أحدهم : إنّ من أحبّ آل عليّ لم تزل له قدمٌ إلاّ ثبتت له اُخرى ، وعلى هذا كان السيّد الحميري يلهو آمناً في دينه ودنياه ، يعتمد في دينه على العلويين ، ويعتمد في دنياه على العباسيين .. إلى أن قال : قال أبو جعفر الأعرج : كان السيّد أسمر تامّ القامة ، أشنب ذا (352)
وفرة ، حسن الألفاظ ، جميل الخطاب ، إذا تحدّث في مجلس قوم أعطى كلّ رجل في المجلس نصيبه من حديثه. وقال الفرزدق : إنّ هيهنا لرجلين لو أخذا في معنى الناس لما كنّا معهما في شيء : السيّد الحميري ، وعمران بن حطّان السدوسي ، ولكنّ الله عزّ وجلّ قد شغل كلّ واحد منهما بالقول في مذهبه .. فمن تأمّل فيما كتبه الاُستاذ الرفاعي وجده يسعى جاهداً في أن يصوّر من شاعر أهل البيت رجلا متفسّخ الأخلاق ، متجاهراً بالفسق ، سخيف العقل ، مدمناً للخمر ، ولم يكتف بذلك بل قرن ساداتنا الأطهار أئمّة المسلمين الأخيار ببني العباس ، الذين ملئت الطوامير والسجلات انحرافهم عن تعاليم الشريعة السماوية ، ومخالفاتهم للتشريعات الإسلامية ، قرن هؤلاء بمن طهرهم الكتاب العزيز من كل رجس ، ونزههم عن كل ما يشينهم وسجلّ حياتهم المقدّسة من يوم أن بعث جدّهم الرسول الكريم صلّى الله عليه وآله وسلم إلى اليوم لا يحيد عن تعاليم القرآن قيد أنملة ، بل عدل القرآن وقرينه ، فهم الكتاب الناطق ، وكلام الله الكتاب الصامت ، ولو لم يكن كذلك لما قال النبي الأمين صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إنّي مخلف فيكم كتاب الله وعترتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبداً فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ». فحاول الرفاعي أن يجعل من هم عدل القرآن وقرينه ، في مستوى أئمة الضلال والمتجاهرين بالفسق والفجور ، ولم يكتف بذلك فهمز ولمز بكلام الإمام الصادق عليه أفضل الصلاة والسلام ، وجعله ممّن يؤمّن السيّد الحميري على فسقه وإدمانه الخمر في إزاء ما يمدحهم في نظمه ، وهذا غاية ما يتوّخاه في اسطورته ، ولكن سيرة أئمتنا الهداة المهديّين وشيعتهم الطيبين واضحة لكلّ نزيه من النصب ، معتقد باليوم الآخر ، وقد أوقفنا القارئ الكريم على شخصية السيّد الحميري رضوان الله تعالى عليه ، واعتراف المنصفين من مخالفيه في المذهب بأنّه كان يشار إليه بالتصوّف والورع ، وكفى في نزاهته من المدح لنيل حطام الدنيا إنّه عندما احتضر جعل غلامه يبكي فقال السيّد له : ممّ بكاؤك ، قال : أبكي لأنّك تموت ولا كفن لك أكفنّك به ، ولو كان يتوخّى المال في نظمه لكان الأمراء العباسيون يغدقون عليه الأموال ، كما كان شعراء زمانه كمروان أبي حفصة ، وأبو دلامة ونظرائهم الذين كانوا يتسكعون على مجالس العباسيين ، وعلى موائد خمرهم وطربهم ، ولخلّف السيّد الحميري ـ النزيه من المال وحطام الدنيا ـ كما خلّفوا آلافاً من (353)
الدنانير والدراهم ، ولما مات ولا يملك كفناً له. وعلى مثل نبرات هذا الاُستاذ المعاصر غرف الدكتور طه حسين في « ذكرى أبي العلاء » : 358 بقوله : التناسخ معروف عند العرب منذ أواخر القرن الأوّل ، والشيعة تدين به وببعض المذاهب الّتي تقرب منه ، كالحلول والرجعه ، وليس بين أهل الأدب من يجهل ما كان من سخافات الحميري وكثير في ذلك. هذه ما نمّقته أنامل هذا الدكتور ، الذي طبّلت وزمّرت أبواق الاستعمار اليهودي ، وبذلت أياديها الأثيمة من وراء الكواليس في تكوين شخصية مثالية منه في الأدب العربي ، فهذه الشخصية الأدبية لا تتورّع من الافتراء والكذب ، ولا تستحي من اختلاق عقائد لطائفة كبيرة من المسلمين ، والصاقها بهم بغية الحطّ من كرامتهم الإسلامية ، أفلا مسائل يسأل من هذا الدكتور إرشادنا إلى مصدر أو قصاصة ورق تنسب إلى الشيعة وأنّها تقول بالتناسخ ، بلى قد ملئت كتبهم ومؤلفاتهم بتكفير من يعتقد التناسخ والحلول ، والتصريح بأنّ معتقد هذا المذهب خارج من ربقة الإسلام ، وإمّا الرجعة فالكتاب والسنة تصرّح بذلك ، وقد بحثوا الرجعة بإسهاب ، واثبتوها بما لا مزيد عليه ، ومن وقف على تاريخ حياة السيّد الحميري عرف براءته من كل ما نبذه به من سخافة ، إلاّ أن يكون الدكتور يرى أنّ التهالك في ولاء أهل البيت عليهم السلام ومودّتهم والبراءة من أعدائهم سخافة : « كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِن أفْواهِهِمْ ». أقول : بعد ما ذكرنا تعرف حقيقة مقالة الإمام الصادق عليه السلام في الحديث الذي روينا. وفي الأغاني 7/18 ـ 19 قال : وقال الحسن بن عليّ بن المغيرة ، حدثني أبي قال : كنت مع السيّد على باب عقبة بن سالم ومعنا ابن لسليمان بن عليّ ننتظره ، وقد أسرج له ليركب إذ قال ابن سليمان بن عليّ يعرّض بالسيّد : أشعر الناس والله الذي يقول :
(354)
شرفك وتثلب من سلفك ، وتسعى بالعداوة على أهلك ، وتفضّل من ليس أصلك من أصله ، على من فضلك من فضله وسأخبر أمير المؤمنين عنك بذا حتى يضعك ، فوثب الفتى خجلا ، ولم ينتظر عقبة بن سالم [ خ. ل : سلم ] ، وكتب إليه صاحب خبره بما جرى عند الركوبة ، حتى خرجت الجائزة للسيد. وفي صفحة : 12 بسنده : .. عن حمّاد بن إسحاق ، عن أبيه ، أنّ السيّد كان بالأهواز ، فمرّت به إمرأة من آل الزبير تزفّ إلى إسماعيل بن عبد الله بن العباس ، وسمع الجلبة فسأل عنها ، فاخبر بها ، فقال :
وقال : بسنده : .. عن محمّد بن عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن جعفر قال : أخبرني أبي قال : خرج أهل البصرة يستسقون ، وخرج فيهم السيّد وعليه ثياب خزّ وجبّة ومطرف وعمامة ، فجعل يجرّ مطرفه ويقول :
(355)
فدفعه السيّد فغرقه ، فصاح الملاحون : غرق والله الرجل ، فقال السيد : دعوه فإنّه باهلي. وفي صفحة : 17 ـ 18 : وبلغ السيّد أنّ سواراً قد اعدّ جماعة يشهدون عليه بسرقة ليقطعه ، فشكاه إلى أبي جعفر فدعا بسوّار ، وقال له : قد عزلتك عن الحكم للسيد أو عليه ، فما تعرّض له بسوء حتى مات. وروى عبد الله بن أبي بكر العتكي أنّ أبا الخلال العتكي دخل على عقبة بن سالم ، ـ والسيد عنده وقد أمر له بجائزة ـ وكان أبو الخلال شيخ العشيرة وكبيرها ، فقال له : أيّها الأمير أتعطي هذه العطايا رجلا ما يفتر عن سبّ أبي بكر وعمر ، فقال له عقبة : ما علمت ذاك ، ولا أعطيته إلاّ على العشرة والمودّة القديمة ، وما يوجبه حقّه وجواره ، مع ما هو عليه من موالاة قوم يلزمنا حقّهم ورعايتهم ، فقال له أبو خلال : فمره إن كان صادقاً أن يمدح أبابكر وعمر حتى نعرف براءته ممّا ينسب إليه من الرفض ، فقال : قد سمعك فإن شاء فعل ، فقال السيّد :
وفي 7/21 بسنده : .. عن سليمان بن أرقم قال : كنت مع السيّد ، فمرّ بقاصّ على باب أبي سفيان بن العلاء وهو يقول : يوزن رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم يوم القيامة في كفّة باُمّته أجمع فيرجح بهم ، ثمّ يؤتى بفلان فيوزن بهم فيرجح ، ثمّ يؤتى بفلان فيوزن بهم فيرجح ، فأقبل على أبي سفيان ، فقال : لعمري إنّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ليرجح على اُمّته في الفضل ، والحديث حقّ ، وإنّما رجح الآخر أنّ الناس في سيئاتهم ، لأنّ من سنّ سُنّة سيئة ، فعمل بها بعده كان عليه وزرها ووزر من عمل (356)
بها ، قال : فما أجابه أحد .. فمضى فلم يبق أحد من القوم إلاّ سبّه. وفي الأغاني 7/6 : أخبرني عمّي ، قال : حدثني الكراني ، عن ابن عائشة قال : وقف السيّد على بشّار وهو ينشد الشعر فأقبل عليه وقال :
وقال الجاحظ في كتاب الحيوان 1/119 : وشبّه السيّد بن محمّد الحميري عائشة .. في نصبها الحرب يوم الجمل ، لقتال بنيها ، بالهرّة حين تأكل أولادها فقال :
(357)
وذكر المبرّد في الكامل 2/175 في بحث الخوارج : وفيهم يقول عمران بن الخَرِب :
ثم ذكر بيتاً من قصيدته التي مطلعها :
وجاء في الوافي بالوفيات 9/196 برقم 4103 : .. إلى أن قال : وقال السيد : جاء بي أبي وأنا صبيّ إلى محمّد بن سيرين قبل أن يموت بمدّة ، فقال : يا بني أقصص رؤياك ! فقلت : رأيت كأنّي في أرض سبخة وإلى جانبها أرض حسنة ، وفيها النبي (358)
صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم واقفاً وليس فيها نبت وفي الأرض السبخة نخل وشوك ، فقال لي : يا إسماعيل ! أتدري لمن هذا النخل ؟ قلت : لا ، قال هذا للمعروف ب : امرئ القيس بن حجر الكندي فانقله إلى هذه الأرض الطيّبة التي أنا فيها ! فجعلت أنقله إلى أنّ نقلت جميع النخل ، وحوّلت شيئاً من الشوك. فقال ابن سيرين لأبي : أمّا ابنك هذا فسيقول الشعر في مدح طَهَرَة أبرار ! فما مضت إلاّ مُدَيْدة حتى قلت الشعر. وقال ابن سلام : وكانوا يرون أنّ النخل مدحه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، وفاطمة ، وأولادها [ عليهم أفضل الصلاة والسلام ] ، وأنّ الشوك حوله وما أمر بتحويله هو ما خلط به شعره من ثلب السلف. أقول : الشوك هو مدحه لال العباس المتجاهرين بالفسق والفجور ، وقتل النفوس المحترمة ، واسوداد وجهه عند مرضه وعند وفاته ليس إلاّ لمدحه من لا يستحق المدح ، ولولا توبته ممّا يسخط الله تعالى ، وشفاعة الأئمة الأطهار عليهم السلام لما ابيضّ وجهه ، ولا غفر له ، فتفطّن. وقال الصولي : حدثنا أبو العيناء ، قال : السيّد مذبذب يقول بالرجعة ، وقد قال له رجل من ثقيف : بلغني يا أبا هاشم أنّك تقول بالرجعة ، قال : هو ما بلغك ، قال : فاعطني ديناراً بمائة دينار إلى الرجعة ! فقال له السيّد : على أن توثق لي بمن يضمن إنّك ترجع إنساناً ، أخاف أن ترجع قرداً أو كلباً فيذهب مالي. إلى أن قال في صفحة : 200 وقيل : إنّ اثنين تلاحيا في أي الخلق أفضل بعد رسول الله [ صلى الله عليه وآله وسلم ] فقال أحدهما : أبوبكر ، وقال الآخر : عليّ ، فتراضيا بالحكم إلى أوّل من يطلع عليهما ، فطلع عليهما السيّد الحميري ، فقال القائل بفضل عليّ [ عليه السلام ] : قد تنافرت أنا وهذا إليك في أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلّم فقلت أنا : عليّ [ عليه السلام ] ، فقال السيّد : وما قال هذا ابن الزانية ؟ فقال ذاك : لم أقل شيئاً. إلى أن قال في صفحة : 202 : قال أبو ريحانة : وكان يشار إليه في التصوّف والورع. قال : حدثني رجل كان أبوه من جوار السيّد ، قال : لمّا حضرته الوفاة جاءنا وليّه فقال : هذا وإن كان مخلطاً فهو من أهل التوحيد وهو جاركم ، فادخلوا إليه فلقّنوه الشهادة ! قال : فدخلنا إليه وهو يجود بنفسه قال : فقلنا له : قل « لا إله إلاّ الله » قال : فاسودّ وجهه وفتح عينيه ، قال : ثمّ قال لنا : « وَحيَل بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ » قال : (359)
ولي في ذلك ، وفي كون السيّد في بدو أمره خارجياً (1) أو سنّياً تأمّل (2) ؛
وخرجنا فمات من ساعته. أقول : انظر إلى العصبيّة الرعناء فإنّه يروي عن رجل مجهول ، عن أبيه المجهول ، بأنّه جاء وليّه ، وطلب من هذا الجار المجهول أن يلقّن السيّد كلمة التوحيد ، أَلَمْ يستطع هذا الوليّ أن يلقّنه كلمة التوحيد ؟ أَلَمْ يكن من أهل التوحيد ؟! وعلى كلّ حال فالآية الكريمة قوله تعالى شأنه : ( تَالله لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفَتَرُونَ » [ سورة النحل ( 16 ) : 56 ] ، تكفينا مؤونة الإجابة عن هذه الفرية. وفي فرق الشيعة للنوبختي : 26 : ومن الكيسانية السيّد إسماعيل بن محمّد بن يزيد ابن ربيعة بن مفرّغ الحميري الشاعر ، وهو الّذي يقول .. ثمّ ذكر أبياتاً من شعره في محمد بن الحنفية رضوان الله تعالى عليه ثمّ قال في صفحة : 27 : وقد روى قوم أنّ السيّد ابن محمّد رجع من قوله هذا ، وقال : بإمامة جعفر بن محمّد [ عليه السلام ] ، وقال في توبته ورجوعه في قصيدة أوّلها : ( تجعفرت باسم الله والله أكبر ) وكان السيّد يكنّى : أبا هاشم .. إلى آخره. 1 ـ أقول : رمي المترجم بأنّه كان خارجياً لم يصدر عن أحد من الخاصّة والعامّة سوى من ابن شهر آشوب ، وهو اشتباه قطعاً ، إن كان المراد من ( الخارجي ) هو المعادي لأمير المؤمنين عليه السلام ، ومن زمرة الخوارج الزمرة الملعونة المعادية له عليه السلام ، وإن كان الخارجي المقصود به أنّه كان خارجاً عن القول بإمامة الأئمّة الاثني عشر أي لم يكن إماميّاً ، جاز ذلك ، لأنّ شطراً من حياته الكريمة كان كيسانياً ، ثمّ اهتدى ، ومن الغريب القول بأنّه كان خارجيّاً أو سنّياً ، ومتى كان ذلك ، هل كان قبل بلوغه مبلغ الرجال ، مع أنّه يحدثنا هو بأنّه كان صبيّاً يسمع سبّ أبويه لأمير المؤمنين عليه السلام ، فيخرج من الدار ، ويبقى جائعاً ، ويبيت في المساجد ، حتى إذا كضّه الجوع رجع إلى الدار ، أم كان ذلك بعد بلوغه ، وهو يحدثنا أيضاً بأنّه طلب من أبيه وأمّه أن يمتنعا من سبّ سيّد الموحّدين أمامه ، ولا يسمعاه ذلك ، فتوعداه بالقتل ، فلجأ إلى أمير البصرة فأجاره منهم ، فتوهم كون المترجم رضوان الله تعالى عليه يوماً من أيام حياته الكريمة معادياً أو مخالفاً لأمير المؤمنين عليه السلام ، توهّم باطل ، يفنّده تاريخه المجيد. 2 ـ هذه الرواية رواها شيخنا الكليني قدّس الله سرّه في الكافي 1/463 برقم 6 باب مولد الحسن بن عليّ عليهما السلام وليس فيها : وروي أنّ ذلك المولود كان السيّد الحميري. فهذه الزيادة باطلة قطعاً من الناحية الروائية لضعف سندها ومن الناحية التاريخية فإنّ (360)
لكشف ما رواه في مدينة المعاجز (1) في آخر السابع والعشرين من معجزات سيّدنا المجتبى عليه السلام عن كون أبيه محبّاً لأهل البيت ، وأنّ السيّد ولد محبّاً وشيعةً لهم ، وذلك ما رواه مسنداً عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : خرج الحسن بن علي عليه السلام إلى مكة سنة ماشياً ، فورمت قدماه ، فقال له بعض مواليه : لو ركبت ، أمسك عنه هذه الورمة * ، فقال : كلاّ إذا أتينا هذا المنزل فإنّه يستقبلك أسود ومعه دهن ، فاشتر منه ولا تماكسه ، فقال له مولاه : بأبي أنت وأمي ما قدّامنا منزل فيه أحد يبيع هذا الدهن ، فقال : بلى ، إنّه أمامك دون المنزل ، فسار ميلا فإذا هو بالأسود فقال الحسن عليه السلام لمولاه : دونك الرجل فخذ منه الدهن وأعطه الثمن ، فقال الأسود : يا غلام ! لمن رمت (2) هذا الدهن ؟ فقال : للحسن بن عليّ عليهما السلام ، فقال : انطلق بي إليه .. فانطلق به إليه ، فأدخله إليه : فقال له : بأبي أنت وأمي لم أعلم أنّك تحتاج إلى هذا ، أو ترى ذلك ، ولست آخذ له ثمناً ، إنّما أنا مولاك ، ولكن ادع الله أن يرزقني ذكراً سويّاً يحبّكم أهل البيت ، فإنّي خلّفت أهلي وهي تمخض ، فقال : انطلق إلى منزلك فقد وهب الله لك ذكراً سوّياً ، وهو من شيعتنا.
وقد روى الرواية في مدينة المعاجز (3) بطرق عديدة وفي أخيرتها التي رواها الإمام الحسن السبط صلوات الله وسلامه عليه توفّي سنة 49 ، والسيد الحميري ولد سنة 105 أي ولد بعد شهادة الإمام السبط بواحد وخمسين سنة ، فتدبّر. ثمّ إنّ السيّد حميريّ عربي من عشيرة عربية أصيلة ، وصاحب الدهن عبد أسود ، ومن هنا ينبغي الجزم بأنّ ليس أبو إسماعيل المترجم ، فتدبّر. 1 ـ مدينة المعاجز 3/244 ـ 245 حديث 869 باب 27. * ـ ( عنك بعض هذا الورم الذي برجليك ) بدله في خبر. [ منه ( قدّس سرّه ) ]. 2 ـ في مدينة المعاجز : أردت. 3 ـ مدينة المعاجز 3/248 ذيل حديث 870. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|