|
|||
(256)
وقال صلى الله عليه وآله وسلّم : « أبو ذر في أمتي شبيه عيسى بن مريم (ع) في زهده وورعه » (1).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام « وعى أبو ذر علماً عجز الناس عنه ، ثمّ أولى (2) عليه ، فلم يخرج [ منه ] شيئاً » (3). مستفيضة إن لم تكن متواترة معنىً ؛ ففي طبقات ابن سعد 4/228 : « ما أظلّت الخضراء ، ولا اقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ». وفي مصادر اُخرى هكذا : « ما أقلّت الغبراء ولا أضلّت الخضراء من رجل أصدق من أبي ذر » ، أو « ما أقلّت الغبراء ولا أظلّت الخضراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر » أو : « ما تقلّ الغبراء ولا تظلّ الخضراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر » .. وهذا الوسام المقدس لأبي ذر رضوان الله تعالى عليه رواه جلّ أعلام الجرح والتعديل والمحدثون والمؤرخون في تآليفهم ، ومنهم في الاستيعاب 1/83 برقم 287 ، واُسد الغابة 1/301 ، والإصابة في 4/65 برقم 384 ، وسنن ابن ماجه 1/55 حديث 156 ، ومسند أحمد بن حنبل 2/163 ، ومجمع الزوائد 9/329 ، ومستدرك الحاكم 3/342 ، وصفوة الصفوة 1/590 ، وكنز العمال 6/189 ، وحلية الاولياء 4/172 ، والترمذي في صحيحه 2/221 .. وغيرها من المصادر الكثيرة التي يطول ذكر استيعابها. 1 ـ روي هذا الحديث بألفاظ متفاوتة ففي الاستيعاب 1/83 برقم 287 ، ومجمع الزوائد 9/330 ، وصحيح الترمذي 2/221 : « من أحبّ أن ينظر إلى المسيح بن مريم إلى برّه وصدقه ، وجدّه ، فلينظر إلى أبي ذر » أو : « ومن سرّه أن ينظر إلى شبيه عيسى بن مريم [ عليه السلام ] خلقاً وخلقاً فلينظر إلى أبي ذر رضي الله عنه » ، وفي كنز العمال 6/169 : « إنّ أبا ذر ليباري عيسى بن مريم في عبادته » ، وجاء في اُسد الغابة 1/301 ، 5/187 ، ومستدرك الحاكم 3/342 ، وطبقات ابن سعد 4/228 .. وغيرهم. 2 ـ في المصدر : أوكأ ، وهو الظاهر. 3 ـ ذكر هذه المنقبة العظيمة في الاستيعاب 1/83 برقم 287 ، وكنز العمال 6/169 ، ومستدرك الحاكم 3/342 ، والإصابة 4/65 برقم 384 ، واُسد الغابة 5/187 ، وشرح الجامع الصغير 5/423 ، وتهذيب التهذيب 12/91 برقم 401 .. وغيرهم ، وفي طبقات ابن سعد 4/232 بسنده : .. قالا : سُئل علي [ عليه السلام ] عن أبي ذر ، فقال : « وعي علماً عجز فيه ، وكان شحيحاً حريصاً ؛ شحيحاً على دينه ، حريصاً على العلم ، وكان يكثر السؤال فيعطى ويمنع ، أما أن قد ملئ له في وعائه حتى امتلائه فلم يدروا ما يريد بقوله [ عليه السلام ] : « وعى (257)
وكان بينه وبين عثمان مشاجرة في مسألة من مسائل الزكاة ، فتحاكما عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، فحكم لأبي ذرّ على عثمان .. إلى أن قال قدّس سرّه : [ وروي ] لمّا اشتدّ إنكار أبي ذر على عثمان في بدعه وأحداثه ، نفاه إلى الشام ، فأخذ في النكير على عثمان ومعاوية في أحداثهما ، وكان يقول : والله إني لأرى حقاً يطفا ، وباطلاً يحيا ، وصادقاً مكذّباً ، وأثرة بغير تقى ، وصالحاً مستأثراً عليه.
فكتب معاوية إلى عثمان : إنّ أبا ذر قد صرف قلوب أهل الشام وبغضك إليهم. فما يستفتون غيره ، ولا يقضي بينهم إلاّ هو. فكتب إلى معاوية : أن احمل أبا ذر على ناب (1) صعبة وقتب ثمّ ابعث من ينجش به نجشاً عنيفاً ، حتى يقدم به علي .. إلى آخره. علماً عجز فيه » ، أعجز عن كشف ما عنده من العلم ، أم عن طلب ما طلب من العلم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم. هكذا رواه سعد بلفظ سئل مبنياً للمجهول. والظاهر أنّ قوله عليه السلام : « عجز الناس عنه » ، أنّه تعلّم علماً كثيراً ووعى معارف جمّة عجز أن يعيها غيره ممّن هو مثله. وقوله عليه السلام : « ثم أوكأ عليه ولم يخرج شيئاً منه » ، أي أنّ ذلك العلم الذي وعاه كان ممّا لا تطيق حمله عقول الناس ، ولا تتحمل نفوسهم التصديق به ، فلذلك كتمه عنهم وستره عن أسماعهم. ويظهر منه أن ذلك العلم كان من الاخبار بالحوادث المستقبلة والمغيبات والفتن التي سوف تحدث بعد صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله وسلّم ، ولما كان جلّ الناس منحرفين عن أهل البيت عليهم السلام لم يجد مساغاً للإظهار ، أو أنّ عقول الناس كانت عاجزة عن حمل تلك العلوم ، ونفوسهم آبية عن تصديقها .. وإلاّ فهو يعلم بالمناهي الواردة لكاتم العلم ! 1 ـ في الحجرية : باب ، وهو خطأ. (258)
وفي اُسد الغابة (1) : إنّه أوّل من حيّا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بتحيّة الإسلام. وإنّه كان يعبد الله تعالى قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بثلاث سنين ، وبايع النبي صلى الله عليه وآله وسلّم على أن لا تأخذه في الله لومة لائم ، وعلى أن يقول الحقّ وإن كان ـ حقاً ـ عليه .. إلى آخره.
وقد روى الكشي وغيره أخباراً كثيرة في مناقبه. وقد أخّر الميرزا .. وغيره نقلها إلى فصل الكنى ؛ لاشتهاره بالكنية. وكأنّه في الكنى نسي الوعد ولم يذكرها. ونحن حيث بنينا في هذا الكتاب على أن لا نؤخر إلى فصل الكنى إلاّ ترجمة من لم يعرف له اسم ، ننقلها هنا للاستفادة بجملة منها في ترجمة من شاركها في جملة من تلك الاخبار في المناقب. وعدم الحاجة إلى تلك الاخبار ـ لوضوح حال الرجل ـ لا يوجب رفع اليد عن نقلها ، بعد كون نفس نقلها عبادة ، فنقول : إنّ منها : ما رواه الكشي رحمه الله (2) عن أبي الحسن محمّد بن سعيد بن يزيد (3) ، ومحمّد بن أبي عوف البخاري ، قالا : حدّثنا محمّد بن أحمد بن حمّاد أبو علي المحمودي المروزي ، رفعه ، قال : أبو ذر الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : « ما أظلّت الخضراء ، ولا أقلّت الغبراء ، على ذي لهجة أصدق من أبي ذر .. يعيش وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده ، ويدخل الجنّة 1 ـ اُسد الغابة 1/301. 2 ـ الكشي في رجاله : 24 ـ 25 حديث 48. 3 ـ خ. ل : بن مزيد. (259)
وحده » ، وهو الهاتف بفضائل أمير المؤمنين عليه السلام ووصيّ (1) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، واستخلافه إيّاه ، فنفاه القوم عن حرم الله وحرم رسوله ، بعد حملهم إيّاه من الشام ، على قتب بلا وطاء ، وهو يصيح فيهم : قد خاب القطان * (2) يحمل النار ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يقول : « إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً ؛ اتّخذوا دين الله دخلاً ، وعباد الله خولاً ، ومال الله دولاً ». فقتلوه فقراً ، وجوعاً ، وذلاًّ ، وضرّاً ، وصبراً.
ومنها : ما رواه هو رحمه الله (3) ، عن أبي علي أحمد بن علي السلولي شقران ** القمي ، قال : حدّثني الحسن بن حمّاد ، عن أبي عبد الله البرقي ، عن عبد الرحمن ابن محمّد بن أبي حكيم ، عن أبي خديجة الجمّال ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : دخل أبو ذر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ومعه جبرئيل ، فقال جبرئيل : من هذا يا رسول الله (ص) ؟ قال : « أبو ذر » *** ، أما إنّه في السماء أعرف منه في الأرض ، سله عن كلمات يقولهنّ إذا أصبح. قال : فقال صلى الله عليه وآله وسلّم : « يا أبا ذر ! كلمات تقولهنّ إذا أصبحت ، فما هنّ ؟ قال : أقول يا رسول الله (ص) ! : اللهم إني أسألك الإيمان بك ، والتصديق بنبيك (4) ، والعافية 1 ـ في المصدر زيادة : به. * ـ الظاهر أنّها : قد جاء القطار يحمل النار. [ منه ( قدّس سرّه ) ]. 2 ـ ـ القطار ـ خ.ل : والقطان ـ بالكسر ـ : عود الهودج. 3 ـ أي الكشي في رجاله : 25 حديث 49 ، وروى الزمخشري في ربيع الأبرار في الباب الثالث والعشرين 1/834 ولكن قطع الدعاء وأضاف : .. قال : بم نال هذه المنزلة ؟ قال : زهده في هذا الحطيم الفاني. ** ـ خ. ل : سعدان. [ منه ( قدّس سرّه ) ]. *** ـ قال أبو ذر .. أي قال جبرئيل. [ منه ( قدّس سرّه ) ]. 4 ـ لم ترد في الكشي : والتصديق بنبيّك ، وهي موجودة في الكافي. (260)
من جميع البلاء * ، والشكر على العافية ، والغنى عن شرار الناس.
وروى نحو هذا الخبر في الكافي (1) ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن محمّد بن يحيى الخثعمي ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : « إنّ أباذر أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ومعه جبرئيل ، في صورة دحية الكلبي ، وقد استخلاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، فلمّا رآهما ، انصرف عنهما ، ولم يقطع كلامهما. فقال جبرئيل : أما لو سلّم لرددنا عليه. يا محمّد (ص) ! إنّ له دعاء يدعو به معروفاً عند أهل السماء ، فسله عنه إذا عرجت إلى السماء. فلمّا ارتفع ، جاء أبو ذر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فقال له : « مامنعك يا أبا ذر أن تكون سلّمت علينا حين مررت بنا ؟ » ، فقال : ظننت ـ يا رسول الله (ص) ! ـ أنّ الذي معك دحية ، فقال : « ذلك جبرئيل (ع) ، وقال : اما لو سلّم علينا ، لرددنا عليه ». فلمّا علم أبو ذر أنّه كان جبرئيل ، دخله من الندامة ـ حيث لم يسلّم عليه ـ ما شاء الله. فقال صلى الله عليه وآله وسلّم : « ما هذا الدعاء الذي تدعو به ؟ فقد أخبرني جبرئيل (ع) أن لك دعاءً معروفاً في السماء ». فقال : يا رسول الله ! أقول : اللّهم .. إلى آخر الدعاء المذكور. ومنها : ما رواه هو (2) ، عن حمدويه وإبراهيم ابني نصير ، قالا : حدّثنا أيوب ابن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن عاصم بن حميد الحناط ، عن أبي بصير ، عن * ـ خ.ل : البلايا. [ منه ( قدّس سرّه ) ]. كذا جاء في المصدر المطبوع. 1 ـ الكافي 2/587 حديث 25. 2 ـ أي الكشي في رجاله : 25 ـ 26 حديث 50. (261)
عمرو بن سعيد ، قال : حدّثنا عبد الملك بن أبي ذر الغفاري ، قال : بعثني أمير المؤمنين عليه السلام ، يوم مزّق عثمان المصاحف. فقال لي : « ادع أباك ! » ، فجاء أبي إليه مسرعاً ، فقال : « يا أباذر ! أتى اليوم في الإسلام أمر عظيم ، مزّق كتاب الله ، ووضع فيه الحديد. وحقّ على الله أن يسلّط الحديد على من مزّق كتابه بالحديد ».
قال : فقال (1) أبو ذر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يقول : « إنّ أهل الحبرية (2) من بعد موسى (ع) قاتلوا أهل النبوة ، فظهروا عليهم [ فقتلوهم ] زماناً طويلاً ؛ ثمّ إنّ الله بعث فتية فهاجروا إلى غير (3) آبائهم. فقاتلهم فقتلوهم. وأنت بمنزلتهم يا علي ». فقال علي عليه السلام : « قتلتني يا أبا ذر ». فقال أبو ذر : أما والله لقد علمت أنّه سيبدأ بك. ومنها : ما رواه (4) عن حمدويه وإبراهيم ابني نصير ، قالا : حدّثنا أيوب ابن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن عاصم بن حميد الحنفي ، عن فضيل الرسّان ، قال : حدّثني أبو عبد الله ، عن أبي سخيلة ، قال : حججت أنا وسلمان بن ربيعة ، فمررنا بالربذة. قال : فأتينا أبا ذر ، فسلّمنا عليه ، قال : فقال لنا : إن كانت (5) 1 ـ في المصدر : فقال له. 2 ـ إشارة إلى حبرون من بلاد اليهود ، اسم القرية التي بها قبر إبراهيم الخليل عليه السلام قرب بيت المقدس ، وغلب عليها اسم ( الخليل ). راجع : مراصد الاطلاع 1/376. 3 ـ خ.ل : فئة فهاجروا إلى غبر ابائهم ، والغبّر ـ بالضم فالتشديد ـ : الباقون وهو جمع الغابر. 4 ـ أي الكشي في رجاله : 26 برقم 51. 5 ـ في المصدر بزيادة: بعدي. (262)
فتنة ـ وهي كائنة ـ ، فعليكم بكتاب الله ، والشيخ علي بن أبي طالب عليه السلام ، فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وهو يقول : « علي أوّل من آمن بي وصدّقني ، وهو أوّل من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصدّيق الاكبر ، وهو الفاروق بعدي ، يفرق بين الحق والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظلّمة ».
ومنها : ما رواه هو رحمه الله (1) بالإسناد السابق عن الفضيل الرسّان ، قال : حدّثني أبو عمرو ، عن حذيفة بن أسيد ، قال : سمعت أبا ذر يقول ـ وهو متعلّق بحلقة باب الكعبة ـ : أنا جندب بن جنادة لمن عرفني. وأبو ذر لمن لم يعرفني. إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يقول : « من قاتلني في الاولى وفي الثانية فهو في الثالثة من شيعة الدجّال ، إنّما مثل أهل بيتي في هذه الامّة مثل سفينة نوح في لجّة البحر ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ألا هل بلغت .. ؟! ». ومنها : ما رواه هو رحمه الله (2) ، عن جعفر بن معروف ، قال : حدّثني الحسن بن علي بن النعمان ، قال : حدّثني أبي ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « أرسل عثمان إلى أبي ذر موليين له ، ومعهما مائتا دينار ، فقال لهما : انطلقا بهما (3) إلى أبي ذر ، فقولا له : عثمان يقرئك السلام ، و [ هو ] يقول لك : هذه مائتا دينار ، تستعين (4) بها على 1 ـ أي الكشي في رجاله : 26 ـ 27 حديث 52 ، ورواه ابن قتيبة في المعارف : 252. 2 ـ أي الكشي في رجاله : 27 ـ 28 حديث 53. 3 ـ في المصدر : بها ، وهو الظاهر. 4 ـ في المصدر : فاستعن. (263)
مانابك ، فقال أبو ذر : هل أعطى أحداً من المسلمين مثل ما أعطاني ؟! قالا : لا ، قال : فإنّما أنا رجل من المسلمين ، يسعني ما يسع المسلمين ، قالا [ له ] : إنّه يقول : هذا من صلب مالي ، وبالله الذي لا إله إلاّ هو ما خالطها حرام. ولا بعثت بها إليك إلاّ من حلال ، فقال : لا حاجة لي فيها ، وقد أصبحت يومي هذا ، وأنا من أغنى الناس. فقالا له : عافاك الله ، وأصلحك الله ، ما نرى في بيتك قليلاً ولاكثيراً ممّا يستمتع به ؟ فقال : بلى ، تحت هذا الإكاف * الذي ترون رغيفا شعير ، قد أتى عليهما أيّام ، فما أصنع بهذه الدنانير. لا والله ، حتى يعلم الله إني لا أقدر على قليل ولا كثير ، وقد أصبحت غنياً بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام وعترته الهادين المهديين الراضين المرضيين ، الذين يهدون بالحقّ وبه يعدلون ، و ** كذلك سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يقول : « إنّه لقبيح بالشيخ أن يكون كذاباً .. » فردّاها عليه ، وأعْلِماه أنّه لا حاجة لي فيها ، ولا فيما عنده حتى ألقى الله ربّي ، فيكون هو الحاكم فيما بيني وبينه.
ومنها : ما رواه هو رحمه الله (1) ، عن علي بن محمّد القتيبي ، قال : حدّثني الفضل بن شاذان ، قال : حدّثني أبي ، عن علي بن الحكم ، عن موسى بن بكر ، قال : قال أبو الحسن عليه السلام : « قال أبو ذر : من جزى الله عنه الدنيا خيراً فجزاها الله عنّي مذمّة ؛ بعد رغيفي شعير أتغدّى بأحدهما وأتعشّى بالآخر ، وبعد * ـ الإكاف ، بكسر الهمزة ، برذعة الحمار. [ منه ( قدّس سرّه ) ]. انظر : القاموس المحيط 3/118. ** ـ الظاهر أنّ الواو زائدة ، وأن قوله : إنّه لقبيح ، كلام لأبي ذر ، وإنّ قوله : فرداها .. إلى آخره. أمر منه لهما بذلك. [ منه ( قدّس سرّه ) ] 1 ـ أي الكشي في رجاله : 28 حديث 54. (264)
شملتي صوف ؛ أتّزر بإحديهما وأرتدي بالاخرى.
قال : وقال : إن أبا ذر بكى من خشية الله حتى اشتكى عينيه ، فخافوا عليهما ، فقيل له : يا أبا ذر ! لو دعوت الله في عينيك ؟ فقال : إنّي عنهما لمشغول ، وما عناني أكبر. فقيل له : وما شغلك عنهما ؟ قال : العظيمتان : الجنّة والنار. قال : وقيل له ـ عند الموت ـ : يا أبا ذر ! ما مالك ؟ قال : عملي. قالوا : إنّما نسألك عن الذهب والفضة ؟ قال : ما أصبح فلا أمسى ، وما أمسى فلا أصبح. لنا كندوج * نضع فيه خير (1) متاعنا. سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يقول : « كندوج المؤمن (2) قبره ». ومنها : ما رواه هو رحمه الله (3) ، عن محمّد بن مسعود ، ومحمد بن الحسن البراثي ، قالا : حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن فارس ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسين ابن أبي الخطاب ، عن محمّد بن سنان ، عن الحسين بن المختار ، عن زيد الشحّام ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « طلب أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، فقيل : إنّه في حائط كذا وكذا .. فتوجه في طلبه ، فوجده نائماً. فأعظمه أن ينبّهه ، فأراد أن يستبري نومه من يقظته ، فتناول عسيباً يابساً فكسّره ليسمعه صوته ليستبري به نومه. فسمعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فرفع رأسه ، فقال : « يا أبا ذر ! تخدعني ؟! أما علمت أني أرى أعمالكم * ـ الكندوج : شبه المخزن ، معرب كندو ، قاله في القاموس. [ منه ( قدّس سرّه ) ]. القاموس المحيط 1/205. 1 ـ في المصدر : ندع فيه حرّ. 2 ـ في المصدر : المرء. 3 ـ أي الكشي في رجاله : 29 حديث 55. (265)
في منامي كما أراكم في يقظتي ؟! أنّ عينيّ تنامان ولا ينام قلبي ».
ومنها : ما رواه هو رحمه الله (1) عن أبي الحسن ، وأبي إسحاق حمدويه وإبراهيم ابني نصير ، قالا : حدّثنا محمّد بن عثمان ، عن حنّان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : « كان الناس أهل ردّة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إلاّ ثلاثة » فقلت : ومن الثلاثة ؟ فقال : « المقداد ابن الأسود ، وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، ثمّ عرف الناس بعد يسير ». وقال : « هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى ، وأبوا أن يبايعوا حتى جاؤوا بأمير المؤمنين عليه السلام مكرهاً فبايع. وذلك قول الله عزّ وجلّ : ( وَمَا مُحمّدٌ إلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإن ماتَ أوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) .. الآية ». ومنها : ما رواه هو رحمه الله (2) عن جبرئيل بن أحمد الفاريابي [ البرناني ] ، قال : حدثني الحسن بن خرّزاذ ، قال : حدثني ابن فضّال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام عن أبيه ، عن جدّه ، عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : « ضاقت الأرض بسبعة ، بهم ترزقون ، وبهم تنصرون ، وبهم تمطرون ، منهم : سلمان الفارسي ، والمقداد ، وأبو ذر ، وعمّار ، وحذيفة رحمة الله عليهم ». ـ وكان عليّ عليه السلام يقول : « وأنا إمامهم » ـ وهم الذين صلّوا على فاطمة عليها السلام ». 1 ـ أي الكشي في رجاله : 6 حديث 12 في ترجمة سلمان الفارسي المحمدي ، وفي الكافي 8/245 حديث 341 ، وجاء في الاختصاص : 6 أيضاً. 2 ـ أي الكشي في رجاله : 6 ـ 7 حديث 13. أقول : قد سقط ذكر السادس من هذه الرواية ، فتفطن. (266)
ومنها : ما رواه هو رحمه الله (1) ، عن علي بن محمّد القتيبي النيسابوري ، قال : حدّثني أبو عبد الله جعفر بن محمّد الرازي الخوازي * ـ من قرية استرآباد ـ ، قال : حدّثني أبو الخير ، عن عمرو بن عثمان الخزاز ، عن رجل ، عن أبي حمزة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : « لمّا مرّوا بأمير المؤمنين عليه السلام في رقبته حبل إلى زريق ، ضرب أبو ذر بيده على الاخرى ، ثم قال : ليت السيوف قد عادت بأيدينا ثانية.
وقال المقداد : لو شاء لدعا عليه ربّه عزّ وجلّ. وقال سلمان : مولاي (2) أعلم بما هو فيه ». ومنها : ما رواه هو رحمه الله (3) ، عن محمّد بن إسماعيل ، قال : حدّثني الفضل ابن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبدالحميد ، عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ارتدّ الناس إلاّ ثلاثة : أبو ذر ، وسلمان ، والمقداد ؟. قال : فقال أبو عبد الله عليه السلام : « فأين أبو ساسان ، وأبو عمرة الانصاري ». ومنها : ما رواه هو رحمه الله (4) ، عن محمّد بن إسماعيل ، قال : حدّثني الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن وهب (5) بن حفص ، عن أبي بصير ، 1 ـ أي الكشي في رجاله 7 ـ 8 حديث 16. * ـ خ.ل : الخواري. [ منه ( قدّس سرّه ) ]. 2 ـ في المصدر : مولانا. 3 ـ أي الكشي في رجاله : 8 حديث 17. 4 ـ أي الكشي في رجاله : 8 ـ 9 حديث 18. 5 ـ في المصدر : وهيب. (267)
عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : « جاء المهاجرون والأنصار .. وغيرهم بعد ذلك إلى علي عليه السلام فقالوا : والله أنت أمير المؤمنين ، وأنت والله أحقّ الناس وأولاهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلّم. هلّم يدك نبايعك ، فوالله لنموتنّ قدامك ، فحلفوا ، فقال علي عليه السلام : « إن كنتم صادقين فاغدوا عليّ غداً محلّقين » ، فحلق علي عليه السلام ، وحلق سلمان ، وحلق المقداد ، وحلق أبو ذر ، ولم يحلق غيرهم. ثم انصرفوا فجاؤوا مرة اُخرى بعد ذلك فقالوا له : أنت والله أمير المؤمنين ، وأنت أحقّ الناس وأولاهم بالنّبي صلّى الله عليه وآله وسلم ، هلمّ يدك نبايعك .. فحلفوا فقال : « إن كنتم صادقين ، فاغدوا عليّ غداً محلّقين ». فما حلق إلاّ هؤلاء الثلاثة.
قلت : فما كان فيهم عمّار ؟! فقال : « لا » قلت : فعمار من أهل الردّة ؟! فقال : « إنّ عمّاراً قد قاتل مع عليّ عليه السلام بعد ». ومنها : ما رواه هو رحمه الله (1) عن جعفر غلام عبد الله بن بكير ، عن عبد الله ابن محمّد * بن نهيك ، عن النصيبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : « يا سلمان ! اذهب إلى فاطمة عليها السلام ، فقل لها : تتحفك بتحفة من تحف الجنة. فذهب إليها سلمان ، فإذا بين يديها ثلاث سلال. فقال لها : يا بنت رسول الله (ص) ! اتحفيني. فقالت : « هذه ثلاث سلال جاءني بها ثلاث وصايف ، فسألتهنّ عن أسمائهن. فقالت واحدة : أنا سلمى لسلمان. وقالت الاخرى : أنا ذرّة لأبي ذر. وقالت الاخرى : أنا مقدودة للمقداد. ثمّ قبضت فناولتني ، فما مررت بملأ إلاّ ملئوا طيباً لريحها ». 1 ـ أي الكشي في رجاله : 9 حديث 19. * استظهر المصنّف هنا : عبد الله بن أحمد ، وكذا في المصدر [ منه ( قدّس سرّه ) ]. (268)
ومنها : ما رواه هو رحمه الله (1) ، عن جبرئيل بن أحمد ، قال : حدّثني محمّد ابن عيسى ، عن ابن عيسى (2) ، عن ابن أبي نجران ، عن صفوان بن يحيى بن مهران الجمّال ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : « إنّ الله أمرني بحبّ أربعة ». قالوا : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : « علي بن أبي طالب (ع) » ، ثم سكت ، ثم قال : « إنّ الله أمرني بحبّ أربعة » قالوا : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : « علي بن أبي طالب (ع) ، والمقداد بن الأسود ، وأبو ذرّ الغفاري ، وسلمان الفارسي ».
ومنها : ما مرّ (3) نقله في ترجمة أويس القرني ، عنه (4) من الرواية التي رواها هو ، مسنداً عن أسباط بن سالم ، عن الكاظم عليه السلام المتضمّنة لعدّ أبي ذرّ من حواري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم. .. إلى غير ذلك من الاخبار التي لا حاجة إلى نقلها في ترجمة الرجل بعد وضوح حاله ؛ إلاّ أنّا أثبتناها تبعاً للكشيّ رحمه الله. ويأتي ذكره في الاخبار الواردة في أحوال سلمان ، وسليم بن قيس ، ومالك الاشتر ، والمقداد ، إن شاء الله تعالى (*). 1 ـ أي الكشي في رجاله : 10 حديث 21 ، والاختصاص : 9. 2 ـ لا يوجد في المصدر المطبوع : عن ابن عيسى. 3 ـ في صفحة : 307 ـ 308 من المجلّد الحادي عشر. 4 ـ أي الكشي في رجاله : 9 حديث 20. (*) حصيلة البحث
إنّ استيعاب فضائل هذا الصحابي العظيم رضوان الله تعالى عليه لا يسعه المقام ، ويحتاج إلى سفر كبير جداً يتضمن البحث عن حياته الكريمة ، وخصاله الحميدة ، وسجاياه الجميلة ، وعسى أن يوفقني الله لذلك ، فإنّ ذلك على الله سبحانه سهل يسير ، وهو حسبنا ونعم الوكيل. وسيدنا المترجم بمنزلة من الجلالة والشهرة بحيث يعدّ أرفع وأجل من التوثيق ، حشرنا الله تعالى في زمرته.
(269)
[ الترجمة : ]
عدّه الشيخ رحمه الله في رجاله (1) من أصحاب الصادق عليه السلام. وظاهره كونه إماميّاً ، إلاّ أنّ حاله مجهول (*). [ الضبط : ] [ حُجَيْر ] : بالحاء المهملة ، والجيم ، والياء المثناة من تحت ، والراء المهملة ، وزان زبير (2). [ الترجمة : ] عدّه الشيخ رحمه الله في رجاله (3) من أصحاب الحسين عليه السلام. وأقول : هو جندب بن حجير الكندي الخولاني الكوفي. 1 ـ رجال الشيخ : 164 رقم 46 ، وذكره في نقد الرجال : 77 برقم 4 [ الطبعة المحققة 1/374 برقم ( 1062 ) ] ، ومجمع الرجال 2/63 ، وجامع الرواة 1/169 ، والجميع اكتفوا بنقل عبارة رجال الشيخ من دون زيادة. (*) حصيلة البحث
لم يذكر المعنونون له ما يعرب عن حاله ، فهو ممّن لم يبيّن حاله.
2 ـ لاحظ ضبط حُجَير في القاموس المحيط 2/5 ، وتاج العروس 3/127. 3 ـ رجال الشيخ : 72 برقم 6. (270)
ذكر أهل السير (1) أنّ له صحبة ، وأنّه من أهل الكوفة ، ومن وجوه الشيعة ، ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، شهد معه حرب صفين ، وكان أميراً على كندة والازد ، ولحق بالحسين عليه السلام قبل اتصال الحرّ به ، وجاء معه إلى كربلاء ، وتقدّم يوم الطفّ للجهاد ، واستشهد بين يديه عليه السلام في أوائل القتال رضوان الله عليه.
وزاده شرفاً على شرف الشهادة تخصيصه بالسلام عليه في زيارة الناحية المقدسة (2). وقد مرّ ضبط (3) الكندي في : إبراهيم بن مرثد. وضبط الخولاني في : إدريس بن الفضل (4) (*). 1 ـ قال السماوي رحمه الله في إبصار العين : 104 : جندب بن حجير الكندي الخولاني ، كان جندب من وجوه الشيعة ، وكان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، خرج إلى الحسين عليه السلام فوافقه في الطريق قبل اتصال الحرّ به ، فجاء معه إلى كربلاء. قال أهل السير : إنّه قاتل فقتل في أول القتال. وقال صاحب الحدائق الوردية إنه : قتل هو وولده حجير بن جندب في أول القتال ، ولم يصحّ لي أن ولده قتل معه ، كما أنّه ليس في القائميات ذكر لولده ، فلهذا لم أترجمه معه. 2 ـ المروية في بحار الأنوار 45/72 قال عليه السلام : « السلام على جندب بن حجر الخولاني » ، وفي زيارة الشهداء المروية في بحار الأنوار 101/273 قال : « السلام على جندب بن حجر الخولاني » ، وفي صفحة : 341 في زيارة أول رجب والنصف من شعبان قال : « السلام على جندب بن حجير ». 3 ـ في صفحة : 381 من المجلد الرابع. 4 ـ في صفحة : 348 من المجلد الثامن. (*) حصيلة البحث
إنّ من بذل نفسه النفيسة بين يدي ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم دفاعاً عن الدين ، وذبّاً عن حريمه ، وحمايةً عن إمام زمانه ، لجدير بأن يعدّ من أوثق الثقات وأجلّ الاجلاء.
|
|||
|