الصفحة اللاحقةالصفحة السابقة

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

 

فإنّ مجرّد عدم ذكر المؤرِّخين لذلك ـ واكتفاؤهم بعبارة : ( استأذن فأذن له ) ليست صريحة في إجماعهم ، على أنّ شيئاً من ذلك لم يحصل ، فإنّ عدم ذكر الشيء لا يدلّ على عدم حصوله ، وها نحن نرى كيف أنّ المؤرِّخين يختلفون في إيراد الخصوصيّات المختلفة للوقائع التي يسجّلونها ، فيذكر أحدهم خصوصيّة يهملها الآخر وبالعكس . وما ذلك إلاّ لأجل ما ذكرناه .

2ـ هل استطاع الشهيد مطهّري ، أو غيره من العلماء ، أن يسبر كلّ ما كتبه العلماء ، والمحدّثون والمؤرِّخون عن أحداث عاشوراء ؟! .

3ـ لربّما يكون الناقل لهذه الخصوصيّة ، من المشاهدين للأحداث من بعيد ، ولم يتسنّ له أن يسمع الكلمات التي دارت بين الوالد وولده بدقّة ، فنقل ذلك على سبيل الإجمال .

خامساً : التفاوت والاختلاف في النقل :

ونجد أنّ ما نقله (رحمه الله) عن قارئ العزاء في ذكره لتفاصيل هذه القضيّة يختلف عمّا سجّله المؤلِّفون في كتبهم .

ولعلّ العلاّمة الشهيد (رحمه الله تعالى) لم يراجع تلك المؤلَّفات ، ليطّلع على النصّ الدقيق للقضيّة .

أو لعلّه قد ذهل ـ وهو ينقل عن حفظه ـ عن بعض الخصوصيّات ، فقد ذكروا : أنّ الحسين (عليه السلام) كان يراقب جهاد ولده ، وكانت أُمّه ليلى تنظر في وجه الحسين ، فبرز إليه رجلٌ اسمه بكر بن غانم ، فتغيّر وجهه (عليه السلام) ، فرأته ليلى فبادرت إلى سؤاله عن سبب ذلك ، وهل أنّ ولدها أصابه شيء ؟! .

فأجابها : ( لا ، ولكن قد برز إليه من يُخاف عليه منه ، فادعي لولدك علي ، فإنّي قد سمعت من جدّي رسول الله (ص) : أنّ دعاء الأُمّ يستجاب في حقّ ولدها ) ؛ فجرّدت رأسها ، وهي في الفسطاط ، ودعت له إلى الله (عزّ وجلّ) بالنصر عليه .

وقال : وجرى بينهما حرب شديد ، حتّى انخرق درع بكر بن غانم من تحت إبطه ، فعاجله علي بن الحسين بضربةٍ قسمه نصفين (63) .


الفصل السادس

 

لأزرعّن طريق التفت ريحانا


الشعر المُخْتَلَق :

ويقول الشهيد العلاّمة المطهّري (رحمه الله) ، كما ورد في ( الملحمة الحُسينيّة ) وهو يتحدّث عمّا سمعه في مجلس آخر في طهران : إنّ القارئ أضاف إلى مقولة : إنّ ليلى توجّهت إلى الخيمة ، ونثرت شعرها ، بناءً على طلب الحسين : ( أنّها نذرت أيضاً زرع الطريق من كربلاء إلى المدينة بالريحان ، إذا ما استجاب الله تعالى دعاءها ، وأرجع لها ابنها سالماً من المعركة !! أي أنّها ستزرع طريقاً طوله ثلاثمئة فرسخ بالريحان !! قال القارئ ذلك ، ثمّ راح ينشد ويقول :

نذر عليّ لئن عادوا وإن رجعوا      لأزرعـنّ طريق التفت iiريحانا

لقد ذهلت لمّا سمعت ، وزاد تعجّبي من هذا البيت من الشعر العربي ، وصرت أسأل نفسي من أين جاء وسط هذه التعزية ؟! ثمّ ذهبت أبحث في بطون الكتب ، وإذا بي أجد بأنّ ـ التفت ـ هي منطقة غير منطقة كربلاء أوّلاً .

ثمّ إنّ بيت الشعر كلّه لا علاقة له بحادثة عاشوراء ، لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ ، بل إنّه نَظْمٌ على لسان مجنون ليلى العامري ، وهو ينتظر ليلاه التي كانت تقيم في هذه الناحية .

وإذا بقرّاء التعزية صاروا يقرأونه على لسان ليلى أُمّ علي الأكبر ، وحُرّفت التفت إلى طفّ كربلاء وواقعة عاشوراء .

تصوّروا لو أنّ مسيحيّاً أو يهوديّاً أو ملحداً كان حاضراً في مثل هذا المجلس ، ألا تنتظرون منه أن يقول : ما هذه الترّهات التي تشوب تاريخ هؤلاء القوم ؟!

إنّه لن يقول بأنّ قرّاء التعزية قد اختلقوا مثل هذه القصص من عنديّاتهم ، بل إنّه سيقول والعياذ بالله : ما أحمق نساءهم اللواتي ينذرن زرع الريحان من كربلاء إلى المدينة ، فما هو معنى هذا الكلام (64) .

ويقول أيضاً وهو يتحدّث عن ليلى في كربلاء :

( والشعر المختلق على لسانها :

نذر علَيّ لئن عادوا وإن رجعوا لأزرعنّ طريق الطفّ ريحاناً (65) )

ونقول :

إنّ لنا مع هذا الكلام وقفات نوردها ضمن النقاط التالية :

أوّلاً : الشعر والمبالغة :

إنّ من الواضح : أنّ من أهمّ مظاهر الشعر وميزاته ، هو استخدام أُسلوب المبالغة فيه ، وإطلاق عنان الخيال للتجوال في الآفاق الرحبة ، وليقتنص من هنا وهناك صوراً جماليّة فاتنة رائعة .

ولنأخذ مثالاً توضيحياً على ما نقول : موضوع التشبيه ، وهو أبسط ما ينحو إليه الشاعر والناثر على حدٍّ سواء ، فإذا وجدنا الشاعر يشبِّه رجلاً بالأسد في قوّته وشجاعته وإقدامه ، أو يشبّهه بالجبل الأشمّ ، في ثباته وشموخه وعظمته ، فإنّه يفعل ذلك دون أن يخطر له على بال ما للأسد من أنياب ولبد ، وهيئات ، وحالات ، أو ما في الجبل ، من شجر وحجر ، وتراب ، ومسارب ، وشعاب .

وهذا يوضّح أنّ القصد من ذكر زراعة طريق الطفّ بالريحان ، ليس هو إنشاء نذر شرعي بالقيام بزراعة حقيقيةً لهذا الطريق ، وإنّما المراد تصوير مدى الحرص على رجوع ذلك الولد الحبيب والغالي إلى أحضان والدته ، ومدى تلهّفها لرؤيته ، وحقيقة الأسى الذي تعاني منه جرّاء فراقه .

وهو أمر تستحق لأجله الاحترام والإكبار بلا شك .

وإنّ من مظاهر كمال المرأة أن تملك هذه العاطفة النبيلة والجيّاشة ، ولن يستطيع أحدٌ أن يصفها بالحمق ، ولا بغيره من أوصاف السوء ، مهما كان انتماؤه الديني ، وأيّاً كانت نظرته الإيمانيّة والعقائديّة …

ثانياً : التفت اسم مكان :

ويا ليت صاحب كتاب ( الملحمة الحُسينيّة ) قد ذكر لنا المصدر الذي اعتمد عليه حين قال : إنّ ( التفت ) هو اسم المكان الذي كان يُقيم فيه بنو عامر بن صعصعة … فإنّ كلمة ( التفت ) لم نجدها فيما بأيدينا من كتب الجغرافيا ، والبدان ، واللّغة ، والتاريخ ، والأدب التي تحدّثت عن بني عامر ، ومساكنهم ومنازلهم .

ولا ندّعي أنّنا قد استقرأناها جميعاً ، بل إنّنا نقول إنّ اطّلاعنا على المصدر ؛ يعطينا الفرصة لمحاكمة هذه المقولة ، وللبحث في مدى صحّة الاعتماد عليها .

وبدون ذلك ، فإنّها تكون دعوى تبقى عهدتها على مدّعيها ، وهي حجّة عليه ، ولا تلزم الآخرين بشيء … خصوصاً مع احتمال أن يكون (رحمه الله) قد استفاد ذلك بطريقة اجتهاديّة ، ممّا يذكره المؤرِّخون حول مساكن بني عامر بن صعصعة ، وهم قوم قيس بن الملوّح .

فقد قال عمر رضا كحالة : ( كانوا كلّهم بنجد ، ثمّ نزلوا ناحيةً من الطائف ، مجاورين لعدوان أصهارهم ، فنزلوا حولهم … ) إلى أن قال : ( فكانت بنو عامر يتصيّفون الطائف لطيبها وثمارها ، ويتشتّون بلادهم من أرض نجد لسعتها ، وكثرة مراعيها ، وإمراء كلئها ، ويختارونها على الطائف ) (66) .

وفي نصوص أُخرى : أنّهم كانوا بذي سلم ، وهو وادٍ منحدر على الذنائب ، والذنائب في أرض بني البكاء على طريق البصرة إلى مكّة (67) ؛ وذلك لقول مجنون بني عامر :

أيا  حَرَجات الحيّ حيث تحمّلوا      iiبـذي سَـلَـمٍ لا جادكنّ ربيعُ

وخيماتك اللاّتي بمنعرج اللوىii      iiبَلين بلىً لم تبلُهنّ ربوعُ (68)

وقيل : إنّ ليلى تـزوّجت في ثقيف (69) .

وقيل بل تزوّجها ورد العقيلي (70) .

وذكروا ـ أيضاً ـ أنّ ليلى كانت تنزل بجبلي نعمان ، وهما جبلان قرب مكّة ، وقد قال قيس بن الملوّح في ذلك :

أيــا  جَـبَـلي نـعـمان بالله خـليَّا      سبيل الصَبا يخلص إليَّ نسيمها (71) .

ونحتمل أن يكون صاحب كتاب ( الملحمة الحُسينيّة ) قد أخذ كلمة ( التفت ) من كلمة ( التوباد ) على أن يكون قد قسّم هذه الكلمة إلى قسمين : أحدهما كلمة ( التو ) والفارسي يلفظ الواو كالفاء ، فتصير ( التف ) ، والأُخرى كلمة ( باد ) التي تعني بالفارسيّة ( الهواء ) ، وكلمة ( تو ) بمعنى داخل .

لكنّ إضافة التاء الثانية تبعد هذا الاحتمال ، وتقرب احتمالاً آخر ، وهو أن يكون الأصل : ( تفت باد ) فكلمة : ( تفت ) تعني بالفارسية الحرارة ، فلعلّه (رحمه الله) قد اعتبر أنّ المراد من الكلمتين هو ( الهواء الحار ) في إشارة إلى حرارة تلك المنطقة ، التي سُمّيت بهذا الاسم ، وأنّ تركيب الكلمتين ( تفت باد ) مع بعضهما البعض ، وإعطائهما طابع اللُّغة العربية قد اقتضى إسقاط التاء الثانية ، فصارت الكلمة هكذا : ( التوباد ) .

نقول ذلك على أساس أنّ بني عامر كانوا يسكنون قرب جبل التوباد في نجد ، وقد قال مجنون بني عامر قيس بن الملوّح :

وأجـهشت  للتوباد حين رأيته      وكـبّـر  للرحمان حين رآني

وأذريـت دمع العين لمّا رأيتهii      iiونـادى بأعلى صوته فدعاني

فـقلت له قد كان حولك جيرةii      وعهدي بذاك الصرم منذ زمان

    ِفقال مضوا إلخ (72) ! .

ثالثاً : التمثّل بالشعر :

ولنفترض : أنّ هذا الشعر قد جاء للتعبير عن حالة مجنون بني عامر مع ليلاه ، فما المانع من أن يكون قد استعاره من ليلى أُمّ علي الأكبر على سبيل التمثّل به ، لمطابقته لحاله وانسجامه مع تطلّعاته ، وتعبيره عن آلامه وآماله .

ولعلّه لأجل هذا الغرض بالذات تصرّف في كلمة من الشعر فأبدلها بأُخرى ـ لو صحّ ما ذكروه : من إبدال كلمة : ( الطف ) بكلمة ( التفت ) .

فكما يمكن أن يكون قرّاء العزاء هم الذين أبدلوا هذه الكلمة ، كذلك يمكن أن يكون الذي أبدلها هو مجنون بني عامر نفسه .

خصوصاً إذا علمنا : أنّ قيس بن الملوّح كان معاصراً لليلى أُمّ علي الأكبر ؛ حيث كان يعيش في زمن يزيد (لعنه الله) ، وابن الزبير (73) .

وعند ابن الجوزي : أنّه توفّي سنة سبعين للهجرة (74) ، وعند ابن تغري بردى أنّه توفّي في حدود سنة 65 ، وقيل في سنة 68 هـ (75) .

رابعاً : الاستعانة أو الإيداع :

وقد يكون قيس بن الملوّح ، أو غيره ، قد أورد هذا البيت في قصيدته على سبيل التضمين ، سواء قصد به الإيداع أو الاستعانة .

والإيداع هو أن يودع الناظم شعره بيتاً من شعر غيره ، أو نصف بيت ، وبعد أن يوطّئ له توطئةً تناسبه ؛ بحيث يظنّ السامع أنّه جزء من شعره .

فلعلّ قيس بن الملوّح قد أدخله في شعره على سبيل الاستعانة أو الإيداع ، فإنّ ذلك شائع في شعر العرب (76) .

خامساً : لسان الحال طريقة تعبير مألوفة :

بل ما الذي يمنع من أن يكون قرّاء العزاء الحسيني ، قد أوردوا هذا الشعر على طريقة ( لسان حال ليلى ) ، لكنّ بعض مَن سمعه ، قد ظنّ أنّه ينسبه إليها على سبيل الحقيقة ، وأنّها هي التي قالته أو نظمته .

سادساً : الشكّ في المجنون وفي شعره :

واللاّفت للنظر هنا أمران ، كلّ واحدٍ منهما يجعلنا نرجّح أنّ هذا الشعر قد نُسب إلى مجنون ليلى ، أو مجنون بني عامر على سبيل الادّعاء والتزوير ، وهذان الأمران هما :

الأوّل : إنّ أصل وجود المجنون موضع شك .

الثاني : إنّ شعره المنسوب إليه كلّه مولّد عليه ، أو أكثره ، وللتدليل على ذلك نُشير إلى روايات عديدة دلّت على ذلك :

ونقتصر على ما ورد في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ، ومَن أراد المزيد من المصادر ؛ فعليه بمراجعة كتب الأدب والتراجم وغيرها .

والنصوص التي اخترناها هي التالية :

1ـ أيّوب بن عبابة ، يقول : سألت بني عامر بطناً بطناً عن مجنون بني عامر ، فما وجدت أحداً يعرفه (77) .

2ـ وعن ابن دأب ، أنّه سأل أحد بني عامر عن وجود المجنون فأنكر وجوده ، وقال : هيهات بنو عامر أغلظ أكباداً من ذاك . إنّما يكون هذا في اليمانية الضعاف قلوبها ... إلخ (78) .

3ـ وعن الأصمعي : ( رجلان ما عُرفا في الدنيا قطّ إلاّ بالاسم : مجنون بني عامر ، وابن القرية ، وإنّما وضعهما الرواة ) (79) .

4ـ وهناك اختلاف كثير في اسم المجنون ونسبته ، فراجع (80) .

5ـ وعن عوانة أنّه قال : المجنون اسمٌ مستعارٌ لا حقيقة له ، وليس له في بني عامر أصل ولا نسب ، فسئُل مَن قال هذه الأشعار ، قال : فتى من بني أُميّة (81) .

6ـ عن ابن الأعرابي : أنّه ذكر عن جماعة من بني عامر أنّهم سُئلوا عن المجنون فلم يعرفوه ، وذكروا أنّ هذا الشعر كلّه مولّد عليه (82) .

7ـ عن ابن الكلبي ، قال : حدثت أن حديث المجنون وشعره وضعه فتى من بني أمية كان يهوى إبنة عم له، وكان يكره أن يظهر ما بينه وبينها فوضع حديث المجنون وقال الأشعار التي يرويها الناس للمجنون ونسبها إليه (83) .

8ـ وعن أيّوب بن عباية : أنّ فتى من بني مراون كان يهوى امرأةً منهم ، فيقول فيها الشعر وينسبه إلى المجنون ، وأنّه عمل له أخباراً ، وأضاف إليها ذلك الشعر ، فحمله الناس وزادوا فيه (84) .

9ـ وقال الجاحظ : ( ما ترك الناس شعراً مجهول القائل في ليلى إلا نسبوه إلى المجنون ) (85) .

10ـ عن عوانة قال : ثلاثة لم يكونوا قطّ ولا عُرفوا : ابن أبي العقب صاحب قصيدة الملاحم ، وابن القرية ، ومجنون بني عامر (86) .

11ـ الأصمعي : الذي ألقى على المجنون من الشعر وأُضيف إليه ، أكثر من ما قاله هو (87) .

ويقول أبو الفرج : إنّ أكثر الأشعار المذكورة في أخباره نسبها بعض الرواة إلى غيره ، وينسبها من حُكيت عنه إليه ، وإذا قدّمت هذه الشريطة برئت من عيب طاعن ومتتبّع للعيوب (88) .

وكلّ ذلك يرجّح : أن تكون نسبة هذا الشعر إلى المجنون ، قد جاءت على سبيل التزوير والافتعال ، كما هو الحال في كثير ممّا نُسب إليه .

وإنّ الأرجح هو سرقة هذا البيت من صاحبه الأصلي ، وهو أُمّ علي الأكبر (رحمها الله) ، ثمّ التصرّف فيه ، ثمّ نسبته إلى أخر هو المجنون ، أو شخصٍ آخر رأوه أولى به ، لما يتضمّن من حكايته لحاله أو لحالهم ، إن كان المجنون شخصيّة وهميّة ، صنعها رجلٌ من بني أُميّة للتستّر وراءها .


الفصل السابع

 

شواهد تُضاف إلى ما سبق


ليلى واقفة بباب الفسطاط :

وأخيراً : فإنّنا نجد في النصوص الواردة في الكتب المعتبرة ، ما يفيد حضور ليلى في كربلاء ؛ فيقول البعض : ( ورد في بعض الكتب المعتبرة : فقاتل علي بن الحسين حتى قُتل : وكانت أُمّه واقفة بباب الفسطاط تنظر إليه ) (89) .

ويقول ابن شهرآشوب (رحمه الله) :

( ثمّ تقدّم علي بن الحسين الأكبر ، وهو ابن ثماني عشرة سنة ، ويُقال : ابن خمس وعشرين ، وكان يُشبّه برسول الله (ص) خَلْقاً ، وخُلقاً ، ونطقاً ، وهو يرتجز ويقول :

أنـا  عليّ بن الحسين بن علي      مـن  عـصبةٍ جدّ أبيهم النبي

نـحن وبيت الله أولى بالوصي      والله  لا يـحكم فينا ابن الدعي

أضربكم بالسيف أحمي عن أبي      أطـعنكم  بـالرمح حتّى ينثني

طـعـن غـلامٍ هـاشميٍّ عَـلَـويّ

فقتل سبعين مبارزاً ، ثمّ رجع إلى أبيه ، وقد أصابته جراحات ، فقال : يا أبه ، العطش ، فقال الحسين : ( يسقيك جدّك ) . فكرّ عليهم ـ أيضاً ـ وهو يقول :

الحرب قد بانت لها iiحقائق      وظهرت من بعدها مصادقُ

والله ربّ العرش لا iiنفارق      جـمعكم  أو تُغمد iiالبوارقُ

فطعنه مرّة بن منقذ العبدي على ظهره غدراً ، فضربوه بالسيف . فقال الحسين : ( على الدنيا بعدك العفا ) .

وضمّه إلى صدره ، وأتى به إلى باب الفسطاط ، فصارت أُمّه شهربانويه ولهى تنظر إليه ولا تتكلّم .

فبقي الحسين وحيداً ، وفي حجره علي الأصغر ، فرُمي إليه بسهم ، فأصاب حلقه إلخ (90) .

 

مناقشة وردها :

لكنّ الملاحظ هو أنّ هذا النصّ يذكر أنّ أُمّ علي الأكبر ـ الشهيد في كربلاء ـ ليست هي ليلى بنت أبي مرّة ، وإنّما هي أُمّ ولد أسمها شهربانويه .

وهذا يتوافق مع ما رواه أبو الفرج ، حيث قال : وقال يحيى بن الحسن العلوي : وأصحابنا الطالبيّون يذكرون : أنّ المقتول لأُمّ ولد ، وأنّ الذي أُمّه ليلى هو جدّهم . حدّثني بذلك أحمد بن سعيد عنه (91) .

والمراد بجدّ الطالبيّين هو الإمام السجّاد (عليه السلام) كما هو واضح .

وفي نصٍّ آخر : أُمّه آمنة ، أو ليلى بنت أبي مرّة (92) .

وفي نصٍّ آخر : أسمها : برة بنت عروة بن مسعود (93) .

وهذا الاختلاف لا يضرّ في المقصود ، من أنّها (رحمها الله) كانت حاضرةً في كربلاء .

وفقاً لهذا النصّ الذي أوردناه ، أو أنّ ذلك هو الظاهر منه على أقلّ تقدير . مع أنّنا نحتمل قويّاً : أن تكون ليلى هي أُمّ علي الأكبر ، وأنّ شهربانويه لقب لها ... فعبّر أحدهم عنها باسمها ، والآخر عبّر بلقبها . واشتبه الأمر على فريقٍ ثالثٍ حين لم يفرّق بين الاسم واللّقب ؛ فتوهّم التنافي والتضاد . فما ذكر في كتاب ( الملحمة الحُسينيّة ) .

فما يُنسب إلى الشهيد مطهّري : من نفي حضورها في كربلاء بشدّة وبحدّة ، يصبح في غير محلّه ، ولا يساعد عليه الدليل ، ولا يعضده البرهان .

ـــــــــــــــــــ

(63) إكسير العبادات في أسرار الشهادات ج 2 ص 641 .

(64) الملحمة الحُسينيّة ج 1 ص 19 و 20 .

(65) الملحة الحُسينيّة ج 3 ص 239 .

(66) معجم قبائل العرب ج 2 ص 708 و 709 .

(67) معجم البلدان ج 3 ص 8 وفيه أيضاً أنّها ثلاث هضبات بنجد ، وهي عن يسار فلجة مصعداً إلى مكة .

(68) الأغاني ج 2 ص 27 ، وسِيَر أعلام النبلاء ج 4 ص 6 و 7 ، والمنتظم لابن الجوزي ج 6 ص 104 ، وتاريخ الإسلام حوادث سنة 61 ـ 80 ص 217 .

(69) الأغاني ج 2 ص 44 و 51 و 57 .

(70) الأغاني ج 2 ص 15 .

(71) راجع الأغاني ج 2 ص 26 .

(72) الأغاني ج 2 ص 49 وراجع ص 48 ، ومعجم البلدان ج 2 ص 64 .

(73) سِيَر أعلام النبلاء ج 4 ص 7 ، وراجع : تاريخ الإسلام للذهبي ( حوادث 61 ـ 80 ) ص 219 ، وراجع ص 218 فقد ذكر أنّهم شكوا قيس بن الملوّح إلى مروان ، وكذا في نشوار المحاضرات ج 5 ص 108 ، وذمّ الهوى ص 388 ، والمنتظم ج 6 ص 106 ، وشذرات الذهب ج 1 ص 277 .

(74) المنتظم ج 6 ص 101 .

(75) النجوم الزاهرة ج 1 ص 170 و 171 .

(76) راجع : خزانة الأدب لابن حجّة الحموي ص 377 فما بعدها .

(77) الأغاني ج 2 ص 4 و 10 .

(78) الأغاني ج 2 ص 4 و 10 .

(79) الأغاني ج 2 ص 4 .

(80) الأغاني ج 2 ص 5 و 6 و 7 و 8 و 9 .

(81) الأغاني ج 2 ص 10 .

(82) الأغاني ج 2 ص 10 .

(83) الأغاني ج 2 ص 5 .

(84) الأغاني ح 2 ص 9 .

(85) الأغاني ج 2 ص10 .

(86) الأغاني ج 2 ص 10 .

(87) الأغاني ج 2 ص 11 .

(88) الأغاني ج 2 ص 11 .

(89) وسيلة الدارين في أنصار الحسين 294 .

(90) مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 118 .

(91) مقاتل الطالبين ص 81 ، وجلاء العيون بشر ج 2 ص 201 ، والبحار ج 45 ص 45 ، والعوالم ج 17 ص 288 .

(92) نسب قريش ص 57 .

(93) مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 231 ، والبحار ج 45 ص 33 ، والعوالم ج 17 ص 637 .

 

الصفحة اللاحقةالصفحة السابقة