الصفحة اللاحقةالصفحة السابقة

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

 

النتيجة :

فتلاحظ قارئي العزيز : أنّ عدد ما يصحّ اعتباره مكذوباً ممّا يتّصل بأحداث عاشوراء ، وما سبقها وما لحقها ، ممّا يرتبط بهذا الحدث العظيم ... لم يتجاوز الستّة موارد ، بل هو قد لا يصل إليها ، ما دام أنّ بعضها لا يستحيل ثبوته وإثباته ، إذا توفّرت المرونة العلميّة اللاّزمة لذلك .

 

القسم الثاني : ما لا مبرّر لتكذيبه :

وأمّا ما لا نجد مبرّراً مقبولاً للحكم عليه بأنّه مكذوب ومُفْتَعل ، سوى مجرّد الاستبعاد الذي لا يستند إلى دليل ، أو أنّ دليله ضعيف ومردود ، أو انه يحتاج إلى المزيد من التقصِّي والتتبّع والشواهد والدلائل . فهو الموارد التالية :

1ـ ما عن الشهيد المطهّري من أنّه قال : ( ليس صحيحاً بأنّهم لم يذوقوا طعم الماء لثلاثة أيّام متوالية ، كما يدّعي أصحاب الأساطير ) .

وحجّته على ذلك : أنّهم وإن ( كانوا قد مُنِعوا عن الوصول إلى الشريعة ، لكنّهم بفضل العبّاس استطاعوا الوصول إلى الشريعة ، وجلب الماء ، لاسيّما ليلة العاشر من المحرّم ، حيث استطاعوا الاغتسال في تلك الليلة ) (15) .

ونقول :

أوّلاً : لا ندري كيف اغتسلوا في تلك الليلة ، وصرفوا جميع ما عندهم من ماء ، وهم يعلمون أنّهم محاصرون ممنوعون من الماء ؟!

فلماذا لم يحسبوا لهذا الأمر أيَّ حسابٍ ، وهم يعرفون أنّ معهم أطفالاً ونساءً وشيوخاً ؟! .

ثانياً : قد عرفنا : أنّ سبب استشهاد العبّاس (عليه السلام) هو محاولته جلب الماء من الشريعة ، فخرقوا قربته ، وقطعوا يديه . إلى آخر ما هناك ممّا هو معروف ومشهور ، وفي كتب التاريخ مسطور ، وقد ذكره ـ أيضاً ـ نفس مؤلّف كتاب الملحمة في نفس الجزء والصفحة .

وواضح : أنّه لو كان العبّاس (رضوان الله تعالى عليه) قد بذل أيّة محاولة قبل ذلك الوقت ؛ لكان قد تعرّض للممانعة الشديدة من قِبَل أربعة آلاف فارس ، كان ابن سعد قد وكّلهم بالشريعة ، لمنعه عن الاستقاء منها (16) ، ولكانت القربة خُرقت ، والجريمة في حقّه ارتُكبت .

2ـ دعوى قدوم السيّدة زينب ، ووقوعها على جسد أبي عبد الله ، وهو يحتضر ، وقيل : فرمقها بطرفه ، وقال لها أخوها : ( ارجعي إلى الخيمة ، فقد كسرت قلبي ، وزدت كربي ) (17) .

ولا ندري لماذا تُجعل هذه الحادثة من الوقائع الكاذبة والمحرّفة ، إلاّ إذا كان الكاتب ومَن سبقه يعتبر : أنّ كلام الإمام (عليه السلام) ـ الموجّه لها ـ يدلّ على أنّها قد أساءت في مجيئها إليه .

والحقيقة هي أنّه لا يدلّ على أكثر من أنّه (عليه السلام) قد رثى لحالها ، وتألّم لما يجري لها .

كما أنّ نفس مؤلِّف كتاب ( الملحمة الحُسينيّة ) سيقول لنا : إن الإمام (عليه السلام) كان يتعمد صنع مشاهد كربلائيّة دمويّة وغيرها ، من أجل الإعلام للحركة الجهاديّة المباركة التي يخوضها .

3 ـ قصّة زيارة الأربعين ، حيث عرّج الأسرى على كربلاء في العشرين من صفر ، أي بعد أربعين يوماً من الوقعة . فإنّ هذا الأمر لم يذكره إلا السيّد ابن طاووس في ( اللّهوف ) ، ونقله من بعده ابن نما في كتابه ( مثير الأحزان ) ، وقد تمّ تأليفه بعد وفاة ابن طاووس بأربعة وعشرين عاماً (18) .

بالإضافة إلى أنّه ليس هناك أيّ دليلٍ عقليٍّ على حصولها ، وأنّ الطريق إلى المدينة لا يمرّ عبر كربلاء ، بل يفترق عنه من الشام نفسها (19) .

ونقول :

أوّلاً : إنّ اعتبار هذا الأمر من جملة المكذوب والمحرّف ؛ لمجرّد عدم وجدانه في كتب مَن عدا ابن طاووس ، لا يدلّ على عدم الوجود ، فلعلّ السيّد ابن طاووس قـد نقل ذلك عن كتبٍ لم تصل إلينا .

ثانياً : إنّ شأن السيّد ابن طاووس أجلّ من أن يُتّهم باختراع الأكاذيب .

ثالثاً : هل الحدث التاريخي يحتاج إلى دليلٍ عقليٍّ يدلّ على حصوله ؟

رابعاً : هل الطريق إلى كربلاء الذي يفترق عن طريق المدينة من الشام ، هو نفسه الذي كان يسلكه أهل ذلك الزمان ؟!

وهل كان هو الطريق الوحيد الذي يسلكه المسافرون إلى هذين البلدين ؟! .

خامساً : لقد روى الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى) بسنده ، عن فاطمة بنت علي (صلوات الله وسلامه عليه) ، نصّاً يقول : ( ثمّ إنّ يزيد ـ لعنه الله ـ أمر بنساء الحسين (عليه السلام) فحبسن ، مع علي بن الحسين ، في محبس لا يكنّهم من حرٍّ ولا قرّ ، حتى تقشّرت وجوههم . إلى أن تقول : إلى أن خرج علي بن الحسين (عليه السلام) بالنسوة ، وردّ رأس الحسين إلى كربلاء )(20) .

وصرّح البيروني ـ المتوفّى سنة 420 هـ ـ أنّ الرأس رُدّ في العشرين من صفر (21) .

وكذا قال غيره كابن حجر (22) ، والقزويني المتوفّى سنة 682 هـ ، فالقزويني معاصر لابن طاووس تقريباً ، والبيروني متقدّم عليه بحوالي250 سنة .

ومن الواضح أنّ الأسرى لم يبقوا في الشام إلى السنة الثانية ، بل عادوا في نفس السنة ، بل عن مصباح المتهجّد أنّهم وصلوا إلى المدينة في يوم العشرين من صفر (23) .

فكيف صحّ قولهم : إنّ أوّل مَن تحدّث عن ذلك هو ابن طاووس .

4 ـ حكاية حامل الرسالة إلى الإمام الحسين (عليه السلام) بالمدينة ، حيث إنّه حين مجيئه إليه صادف أن رأى خروجه إلى مكّة ، وحوله بنو هاشم ، وحولهم الرجال ، والحرّاس ، والأحصنة المزيّنة ، المحمّلة بالأمتعة ، وأنواع الديباج والحرير (24) .

ونقول :

إن كان (رحمه الله) قد حكم على هذه الرواية بالوضع والتحريف ، لجهة أنّ الإمام ( عليه السلام ) لم يخرج معلناً ، كما يفهم من هذه الرواية ، وإنّما خرج خائفاً يترقّب .

فإنّ حديث هذا الرسول لا ينافي سرّية الخروج ؛ لأنّ اجتماع بني هاشم حول الإمام حين خروجه بعياله لا يمنع من كون الاجتماع سرّياً بالنسبة للهيئة الحاكمة .

وإن كان حكمه عليها بذلك بسبب ذكر الديباج والحرير . فذلك لا يعني أن الإمام (عليه السلام) قد لبس ذلك الحرير ، وارتكب بذلك محرّماً ، بل هو لا يعني أنّ ذلك الديباج والحرير كان ملكاً له (عليه السلام) ، فلعلّه لبعض مَن معه ، من الرجال أو النساء .

5 ـ دعوى أنّ الحوراء زينب قد خرجت ليلة العاشر ، فاطّلعت على اجتماعين : أحدهما لبني هاشم ، والآخر للأصحاب ، يُظهرون فيهما استعدادهم للحرب ؛ فأخبرت أخاها الحسين بذلك (25) .

ولا ندري لماذا يحكون على هذه القضيّة بأنّها مكذوبة أو محرّفة ؟! .

6 ـ مجيء زينب إلى أخيها الحسين وهو صريع يجود بنفسه ، فرمت بنفسها عليه ، وهي تقول : أنت أخي ، أنت رجاؤنا ، أنت كهفنا ، أنت حمانا (26) .

ولا نعلم سبب عدّهم هذه القضيّة ـ أيضاً ـ من الأكاذيب ، فإنّ الإمام الحسين كان يهتمّ برسم المشاهد العاطفيّة ، انسجاماً مع رسالته الإعلاميّة ، حسبما ذُكر عن الشهيد المطهّري ، في الكتاب المسمّى بـ ( الملحمة الحُسينيّة ) .

7 ـ دعوى أنّ الإمام (عليه السلام) قد دخل على ولده السجّاد ، بعد استشهاد أهل بيته وأصحابه ، وصار الإمام السجّاد (عليه السلام) يسأله عمّا جرى ، وعن الأصحاب ، فرداً فرداً ، وجواب الإمام (عليه السلام) له بأنّ الحرب قد وقعت ، وأنّه لم يبق من الرجال غيرهما .

ممّا يوحي بأنّ الإمام السجّاد (عليه السلام) لم يكن واعياً لما كان يجري (27) .

وما المانع من حدوث هذه الأسئلة بهدف إظهار حجم المأساة ، وتقرير وقائعها ، و لغير ذلك من أهداف ؟

فإنّ ذلك لا يستدعي الحكم على الإمام (عليه السلام) أنّه كان فاقداً لوعيه .

8 ـ دعوى عدم وجود أحدٍ من أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) ليقدّم له جواده ، فقامت السيّدة زينب بذلك .

وكذلك الحوار الذي جرى له معها (عليهما السلام) (28) .

والحديث عن هذه القضيّة ـ أيضاً ـ يُعلم ممّا قدّمناه في سابقاتها .

9 ـ إنّ زينب أثناء وداعها لأخيها تذكرت وصيّة أُمّها بأن تقبّله (عليه السلام) في هذا الموقف في عنقه ، فقبّلته في هذا الموضع نيابةً عنها . مع أنّ عُمْر العقيلة لدى وفاة أُمّها الزهراء لم يكن يتجاوز الخمس سنوات (29) .

ونقول :

إنّنا لا نرى مانعاً من أن تعي العقيلة وصيّة أُمّها ، وهي في هذا السنّ المبكّر ، وهي التي شهد لها الإمام السجّاد (عليه السلام) بتميّزها العظيم حين قال لها : ( أنتِ ـ بحمد الله ـ عالمة غير معلَّمة ، فهمة غير مفهَّمة ) (30) .

والطفل يتذكّر أشياءً كثيرةً ، خصوصاً ما له جهة عاطفيّة ، فكيف إذا كان هذا الطفل هو السيّدة زينب (عليها السلام) .

10 ـ حكاية عدم انطلاق الفرس مع الإمام الحسين (عليه السلام) إلاّ بعد وصول أحد أطفال أهل البيت ، ولقائه بالحسين عليه السلام) (31) .

وما المانع من ذلك ، إذا كان الله يريد إظهار هذا الجانب العاطفي بواسطة هذه الكرامة في هذه اللحظات الحرجة .

11ـ قدوم أبي حمزة الثمالي إلى بيت الإمام السجّاد ، ففتحت له الجارية التي فرحت بقدومه ؛ لأنّه سيسلّي الإمام المضطرب ، والغائب عن الوعي ، فدخل على الإمام وصار يواسيه ؛ فأخبره الإمام بحال الأسرى : من النساء والأهل والأطفال (32) .

ونقول :

ما المانع من صحّة هذه الرواية ، وما هو السبب في اعتبارها خرافة ؟!

اللّهمّ إلاّ عبارة ( المضطرب والغائب عن الوعي ) التي نحتمل احتمالاً قويّاً أن يكون ذلك سوء تعبيرٍ من الراوي .

كما أنّه قد يكون تعبيراً منها عن شدّة الأسى الذي كان يظهر على الإمام إلى درجة أنّه كان لا يهتمّ بما تهتمّ به تلك الجارية ، ولا يدير له بالاً ...

12ـ حكاية حضور هشام بن الحكم لمجلس عزاء ، ثمّ أخبر الإمام الصادق (عليه السلام) بالأمر ، فأعلمه (عليه السلام) : أنّه كان حاضراً في ذلك المجلس ، دون أن يراه أحد ، وذكر له الإمام كشاهد على ذلك : أنّ رداءه قد وقع عن كتفه عند الباب ، في حال خروجهم من ذلك المجلس ؛ فعرف هشام صحّة ذلك (33) .

ولا ندري ـ أيضاً ـ سبب الحكم على هذه الرواية بأنّها مكذوبة ... وما المانع من صحّتها ، فإنّ للأئمّة كرامات أعظم من ذلك .

13ـ ( اختلاق بنات من الذريّة الطاهرة ، لاسيّما لأبي عبد الله (عليه السلام) ، ومنهنّ مَن قالوا : إنّها بقيت في المدينة ، وأُخرى زوّجوها في كربلاء ، وثالثة أماتوها من العطش تصديقاً لكلام جبرائيل ( صغيرهم يميته العطش ) وأُخرى قُتلت في ساحة الوغى ، مثل عبد الله بن الحسن ) (34) .

ونقول :

إنّ مراجعة التواريخ التي هي في أعلى درجات الاعتبار عند هؤلاء ، تظهر لكلّ أحدٍ إلى أيّ حدٍّ بلغت الاختلافات والأقوال المتهافتة وغير المتهافتة في مثل هذه الأُمور ، التي يقع الرواة في الوهم والخطأ ، والخلط فيها ، وفيما بينها لأكثر من سبب .

كما أنّ الوهم والخلط قد يقع في أزمنة متأخّرة عن عصر الرواة ، بسبب خطأ النسّاخ ، وما يقع من سقط وتصحيف وذهول اثناء نسخهم الكتب ، وما إلى ذلك .

ولو كان هذا سبباً للحكم على المؤلّفين بالكذب ، لم يبق لنا كتاب نعتمد عليه .

14ـ ( قصّة الطفل الذي كان لأبي عبد الله الحسين في الشام . وكيف أنّه أراد رؤية أبيه ، فجاؤوه برأس الحسين ، ومات هناك ) (35) . كما عن نفس المهموم .

ونقول :

لعلّ سبب حكمهم على هذه القضيّة بالكذب : أنّهم يعتقدون أنّه لم يبق للإمام الحسين (عليه السلام) ولد بعد واقعة عاشوراء ، إلا الإمام السجّاد (عليه السلام) .

وجوابنا : أنّ ذلك لا يوجب ردّ هذه الرواية ، والحكم عليها بالاختلاق ، لاحتمال وجود تحريفٍ أو إسقاطٍ فيها ، بحيث يكون الطفل المذكور ليس من أولاده (عليه السلام) ، بل يكون أحد أبناء الشهداء من أهل بيته (صلوات الله وسلامه عليه) . وما أكثر ما يحصل من هذا القبيل .

15ـ الطفل الأسير الذي سحله ( أي سحبه ) أحد الفرسان بواسطة الخيل حتّى خُنق ومات (36) .

ولا ندري ما هو المانع من أن تكون هذه القصّة صحيحة أيضاً ، فإنّ الحديث فيها لا يبعد عن الحديث في سابقاتها .

16ـ قصّة الفتاة اليهوديّة المشلولة ، التي شفيت بتزريق الطير نقطة من دم الحسين (عليه السلام) في بدنها (37) .

17ـ قصّة بقاء فاطمة الصغرى في المدينة ، وإبلاغ الطير الأخبار لها (38) .

فإنّ هاتين الحادثتين ربّما يكون لهما نصيب من الصحّة ، حتّى لو أمكنت المناقشة في بعض الخصوصيّات المذكورة فيهما ...

18ـ بعض القراءات أو العبارات التي ترد في المآتم ، التي تُظهر أهل البيت ، أو أصحاب الحسين ، يلتمسون شربة الماء بكلّ ذلٍّ من الأعداء (39) .

وقد تقدّم : أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) كان يهتمّ بإظهار الحالة المأساويّة ، ومستوى الإجرام لدى أُولئك المجرمين الحاقدين .

وكذلك بإظهار مقامات الصبر ، والتحدّي ، والتحمّل ، واليقين ، والمعرفة بالله لدى أصحابه ...

وهذه هي الحقيقة التي أكّدها الكتاب الذي جُمع بعد وفاة اٍلشهيد المطهّري نفسه ؛ حيث قال : ( التكتيك الخامس كان في خُلُقه ، وإيجاده لمشاهد أكثر مساعدة لإيصال رسالته التبليغيّة ؛ وذلك من خلال صبغ المشاهد الحسّاسة للمعركة بلون الدم القاني ، كرمي دم الرضيع نحو السماء ، وقوله (عليه السلام) : عند الله احتسبه ، ومن ثمّ تخضيب وجهه ورأسه بذلك الدم ، وقوله : إنّه يريد لقاء الله بتلك الحالة . والى جانب ذلك يمكن ذكر مشاهد عناق الإمام للقاسم ، ولحبيب بن مظاهر ) (40) .

وقد تكرّر هذا المعنى أكثر من مرّة في هذا الكتاب ، فراجع (41) .

بل يقول : ( إنّ واقعة الإمام الحسين يبدو أنّها جاءت لتعبّر عن عرض مسرحي حماسي ، ونهضوي ، ومأساوي ، وعظي ، وتبلورٍ للعشق الإلهي ، والمساواة الإسلاميّة ، والعواطف الإنسانيّة . وكلّ ذلك في أعلى أوجٍ ممكن ... إلخ . (42) .

19ـ حديث وجود ليلى في كربلاء ... وسيأتي الحديث عن ذلك بشيءٍ من التفصيل إن شاء الله تعالى .

 

خلاصة وبيان :

ونعود إلى التذكير هنا بعدّة أُمور :

أوّلها : إنّ من الواضح : أنّه إن كان ثَمّة من مكذوبٍ في حديث كربلاء ، فهو الشاذّ النادر جدّاً ، والقليل الذي لم يستطيعوا رغم كلّ ما بذلوه من جهدٍ وعناءٍ أن يبلّغوا به إلى عدد أصابع اليدين ، بل هو ربّما لا يصل إلى ستّة موارد في قضيّة تزيد أحداثها ، وما سبقها ، ولحقها ممّا يتّصل بها على العشرات والمئات ، خصوصاً فيما يرتبط بالجزئيّات والتفاصيل .

وقد جاء هذا المكذوب مفضوحاً مقبوحاً ، شواهد الكذب ظاهرة عليه ، ظهور الشمس في رابعة النهار ، ولا يكاد يخفى ذلك على ذي مسكة .

كما أنّه لم يدخل في ثقافة الناس ، ولن يتسنّى له الدخول ، ولن يكون جزءاً من تاريخ عاشوراء في أيّ وقت .

فلا يستحقّ كلّ هذا الصخب ، والضجيج ، والعجيج ، والتهويل ، والتطويل ، والتهديد ، والوعيد ، والتحذير ، والهتك ، والفضيحة ، والتشكيك ، وما إلى ذلك .

الثاني : إنّ هنا طائفة من الأحداث قد توهّموا أنّها مكذوبة ومختلقة ، وليس ثمّة ما يشير أو ما يصلح للإشارة أو للدلالة على ذلك . ومجرّد الدعوى ، لا تصلح دليلاً على نفسها .

وما اعتقدوه شاهداً لذلك ، لا يصلح شاهداً عليه ، وبإمكان أيّ إنسانٍ عاقلٍ أن يلتفت إلى وجه الخلل في الاستدلال به .

هذا على الرغم من أنّنا لا نمانع من أن تكون بعض التشويهات أو التصحيفات أو السقطات ، أو الأخطاء قد لحقت ببعض النصوص ، لأسباب مختلفة ، قد تكون لدى الراوي ، بسبب نسيانه ، أو اختلاط الأُمور عليه ، أو بسبب تكرّر نسخ المؤلّفات وتداولها ، وما إلى ذلك .

ولكنّ ذلك لا يُسقط هذا النصوص عن أن تكون ذات قيمة علميّة ، فإنّ هذا الأمر حاصل في مختلف المصنّفات والمؤلّفات ، حتّى في تلك التي هي في أعلى درجات الاعتبار .

الثالث : إنّ وجود نصٍّ يعلم بأنّه مكذوب أو غير صحيحٍ في كتابٍ ما ، لا يسقط ذلك الكتاب ولا مؤلِّفه عن الاعتبار ، وإلاّ لكان اللاّزم إسقاط أوثق الكتب , وأعظم المؤلِّفين عن درجة الاعتبار ، إذ ربّما لا يخلو كتاب من أمثال هذه الأُمور ، باستثناء كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا مـن خلفه .

الرابع : إنّ الحديث الذي يعلم أنّه مكذوب ، إذا وُجد في كتاب فإنّ ذلك لا يعني أنّ مؤلِّف ذلك الكتاب هو الذي اختلقه ووضعه ... ما دام أنّ من الممكن أن يكون قد نقله عن غيره ممّن يثق بنقله ، أو أنّه وضعه في كتابه وهو يشكّ فيه ؛ لأنّ هدفه الاستقصاء لكلّ شيء ، ثمّ ترك الحكم بالصحّة والفساد للعلماء والباحثين ، أو لأيّ سببٍ آخر .

ولأجل ذلك ، فنحن لا نوافق على ما ورد في كتاب ( الملحمة الحُسينيّة ) من تجريح في علماء عُرفوا بالاستقامة ، وبالدين ، والتقوى ، والورع ... من أمثال الدربندي ، والطريحي ، وغيرهما .


الفصل الثالث

 

الملحمة الحُسينيّة والشهيد المطهّري

 


الملحمة الحُسينيّة لمَن ؟!

 

إنّ الكثيرين يعتقدون : أن كتاب ( الملحمة الحُسينيّة ) هو من تأليف الشهيد السعيد العلاّمة الشيخ مرتضى المطهّري (رحمه الله تعالى) ؛ ولأجل ذلك فهم يطمئنّون إليه ، ويثقون به، ويعتمدون عليه .

ولكنّ الحقيقة هي أن هذا الكتاب المكوّن من ثلاثة أجزاء ، لم يكتبه هذا الشهيد السعيد . وإن كان ـ ربّما يعكس أفكاره ، التي يتبنّاها ، ويلتزم بها .

وإنّما هو من تأليف رجلٍ آخر ، وقد صرّح مؤلِّفه في مقدّماته لأجزاء الكتاب المطبوعة باللغة الفارسية ، بأنه قد جمعه ، وطبعه بعد استشهاد الشهيد المطهري بزمان ، فإنّ تاريخ استشهاده (رحمه الله) هو سنة 1358 هجري شمسي .

أمّا تاريخ الطبعة الأُولى للكتاب فهو سنة 1361 هجري شمسي ، ونحن الآن في أواخر سنة 1378 من هذا التاريخ .

والتاريخ الشمسي الهجري هو الذي يتداوله الإيرانيّون ، ويؤرّخون به ، والمُلفت للنظر ، أنّ الطبعة العربية قد حذفت هذه المقدّمات من أجزائها ، ولا ندري لماذا ! .

ومهما يكن من أمر : فإنّ هذا الكتاب لا يصحّ نسبته إلى هذا الشهيد السعيد ، وهو لا يرضى ـ أيضاً ـ بنسبته إليه .

وحتّى مع اطمئناننا إلى أنّ المؤلِّف قد أخذ مطالب الكتاب من هذا الشهيد السعيد ، فإنّنا لا نستطيع الجزم بأنّ المكتوب في هذا الكتاب يمثِّل رأيه النهائي بكلّ دقائقه وتفاصيله .

ـــــــــــــ

(15) الملحمة الحُسينيّة ج1 ص48.

(16) راجع الملحمة الحُسينيّة ج1 ص48.

(17) الملحمة الحُسينيّة ج3 ص246 عن كتاب اللؤلؤ والمرجان للنوري ص92.

(18) الملحمة الحُسينيّة ج3 ص246 عن اللؤلؤ والمرجان ص142.

(19) الملحمة الحُسينيّة ج1 ص22 وراجع ج3 ص239 .

(20) أمالي الشيخ الصدوق ص 142 ، وروضة الواعظين ص54 .

(21) الآثار الباقية ج1 ص331 ، وعجائب المخلوقات للقزويني ج1ص115 .

(22) روي ذلك عن ابن حجر . راجع زيارة الأربعين لكمال زهر ص 42 .

(23) إقبال الأعمال ص 589 .

(24) الملحمة الحُسينيّة ج3 ص249 عن اللؤلؤ والمرجان ص175 .

(25) الملحمة الحُسينيّة ج3 ص250 عن اللؤلؤ والمرجان ص177 .

(26) الملحمة الحُسينيّة ج3 ص251 عن اللؤلؤ والمرجان ص179 .

(27) الملحمة الحُسينيّة ج1 ص46 وج3 ص250 و251 عن اللؤلؤ والمرجان ص178 .

(28) المصدر السابق عنه .

(29) المصدر السابق عنه .

(30) الاحتجاج ج1 ص114 ، ومقتل الحسين للمقرّم ص388 ، والبحار ج45 ص164 .

(31) الملحمة الحُسينيّة ج3 ص250 و251 عن اللؤلؤ والمرجان ص178 .

(32) الملحمة الحُسينيّة ج3 ص251 عن اللؤلؤ والمرجان ص179 .

(33) المصدر السابق ج3 ص251 و252 عنه .

(34) المصدر السابق ج3 ص256 عن اللؤلؤ والمرجان ص202 .

(35) الملحمة الحُسينيّة ج3 ص239 .

(36) المصدر السابق ج3 ص240 .

(37) الملحمة الحُسينيّة ج3 ص239 .

(38) المصدر السابق .

(39) الملحمة الحُسينيّة ج3 ص240 .

(40) الملحمة الحُسينيّة ج3 ص314 .

(41) الملحمة الحُسينيّة ج3 ص315 و316 .

(42) الملحمة الحُسينيّة ج3 ص317 .

 

الصفحة اللاحقةالصفحة السابقة