|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي ضمن النصر لمن نصره، وأيّد بسلطان
الحقّ من عرف سبيله فأبصره. وسلب التوفيق عمّن
ألحد فيه وأنكره.
وإليه الرغبة في إدامة النعمة، وبه نعوذ من العذاب
والنقمة.
وصلواته على سيّدنا محمّد وآله الأئمّة المهديّة،
وسلّم كثيراً.
وبعد. فإني قد خلّدت
من الكلام في وجوب الإمامة، واختصاص مستحقّيه(عليهم
السلام بالعصمة، وتمييزهم من رعاياهم بالكمال والفضل
بمحاسن
الأفعال، والأعلام الدالّة على الصدق منهم في الدعوى
إلى ما دعوا إليه من الإعتقادات والأعمال، والنصوص
الثابتة عليهم من الله تعالى بجليّ المقال.
وأوضحت عن فساد مذاهب المخالفين في ذلك والذاهبين
بالجهل والضلال، بما قد ظهر في الخاصّ من الناس
والعامّ، واشتهر بين الجمهور من الأنام.
وبيّنت عن أسباب ظهور دعوة الناطقين منهم إلى الدين،
وصمتِ المتّقين عن ذلك، لضرورتهم إليه بظلم الجبارين،
والإشفاق على مُهجهم
(من) المبيحين لدمائهم، المعتدين بخلافٍ قِتْلَةَ
النبيّين والمرسلين فيما استحلّوه من ذلك. بما ضمّه
الفرقان والقرآن
المبين، فيما ثبت في غيبة خاتم الأئمّة المهديّين
عليهم أفضل السلام والتسليم، واستتاره من دولة
الظالمين، ما دلّ على إيجابه إلى ذلك وضرورته إليه،
مثمر العلم به واليقين.
وتجدّد بعد الذي سطرته في هذه الأبواب، وشرحتُ معانيه
على وجه السؤال فيه والجواب،
وشواهد الحقّ فيه بحجّة العقل والسنّة والكتاب، رغبةٌ
مّمن أُوجب له حقّاً، وأُعظم له محلاً وقدراً، وأعتقد
في قضاء حقّه
ووفاق مشربه
لازماً وفرضاً، في إثبات نكت من فصول خطرت بباله في
مواضع ذكرها، يختصّ القول فيها بإمامة صاحب الزمان
عليه وعلى آبائه أفضل السلام، آثر أن يكون القول فيها
على ترتيب عيّنه وميّزه من جملة ما في بابه وبيّنه.
فاستخرت الله تعالى في رسم ما ذكره من الفصول، والقول
فيها بما تعمّ معرفته ذوي العقول، ولا يحتاج معه إلى
فكرٍ
يمتدّ زمانه ويطول، ويُستغنى به عن الرجوع إلى العُمد
التي أودعتها كتبي السالفة في ذلك ومهذّبه
فيها من الأصول. وبالله أستعين.
* * *
ذكر الفصول
على ترتيبها ونظامها وشرحها ومواضع الشبهات فيها
الفصل الأول:
القول فيما يدّعيه الإمامية من وجود خلفٍ لأبي محمد
الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا وُلد في حياته، مع
خفاء ذلك على أهله، واستتاره عن بني عمّه وأوليائهم
وأعدائهم في وقته إلى هذه الغاية، لم يشرك الإمامية في
دعوى ذلك غيرُهم من الناس.
الفصل الثاني:
إنكار جعفر بن علي بن محمد بن علي
_ أخي الحسن ابن علي _ دعوى الإمامية ولداً له، وحوزه
ميراثه، والتظاهر بتكذيب من ادّعى لأخيه ولداً في
حياته وبعد وفاته، ورفع خبر المدّعين ذلك إلى السلطان،
حتّى بعثه
على حبس جواريه
واستبراء حالهم
في الحمل، فلم يظهر لواحدة منهنّ حملاً، وصار ذلك شبهة
في إبطال دعوى ولد الحسن عليه السلام.
الفصل الثالث:
وصيّة الحسن المشهورة إلى والدته _ المسمّاة بحديث
المكنّاة بأم الحسن _ في وقوفه وصدقاته، وإمضائه(
على شروطها، ولم يذكر فيها ولداً له موجودا(
ولا مُنتظَراً.
الفصل الرابع:
ما الداعي إلى ستر ولادته، والسبب إلى خفاء أمره
وغيبته؟ مع ظهور نسب آبائه وولادتهم ونشئهم
واشتهار وجودهم، وقد كانوا في أزمانٍ التقيّة فيها
أشدّ من زمن الحسن بن علي بن محمد، وخوفهم فيها من
ملوك بني أميّة ومن بعدهم أعظم، ولم يغب أحدٌ منهم،
ولا خفيت ولادته ووجوده عن الناس.
الفصل الخامس:
خروج دعوى الإماميّة في غيبة الإمام عن حُكم العادة في
استتاره عن الخلق
طول المدّة التي يدّعونها لصاحبهم، وانسداد الطرق إلى
الوصول إليه،
وعدم معرفة
مكانٍ له على حالٍ.
الفصل السادس:
انتقاض العادة في دعوى طول عمره وبقائه منذ وُلد على
قول الإماميّة قبل وفاة أبيه بسنين، وكانت وفاته في
سنة ستّين ومائتين إلى وقتنا هذا وهو سنة عشرة
وأربعمائة.
الفصل السابع:
أنّ غيبته متى صحّت على الوجه الذي تدّعيه الإمامية
بطلت الحاجة إليه، إذ كان وجود منعها كعدمه
من العالم، ولا تظهر له دعوة، ولا تقوم له حجّة، ولا
يقيم حدّاً، ولا ينفّذ حكماً، ولا يرشد مسترشِداً، ولا
يأمر بمعروف، ولا ينهى عن المنكر، ولا يهدي ضالاًّ،
ولا يجاهد في الإسلام.
الفصل الثامن:
بطلان دعوى الإماميّة في الغيبة بما به اعتصموا في
إنكار قول الممطورة:
إنّ موسى بن جعفر عليهما السلام حيّ موجود غائب منتظر،
وبما به شنّعوا(
على الكيسانية
والناووسية)
والإسماعيلية)
في دعواهم حياة أئمّتهم محمّد بن الحنفية،
وجعفر بن محمد، وإسماعيل بن جعفر،
وتناقض
مقالهم في ذلك.
الفصل التاسع:
اعتراف الإماميّة بأنّ الله تعالى أباح للإمام
الإستتار عن الخلق، وسوّغ له الغيبة عنهم بحيث لا
يلقاه أحدٌ منهم فيعرفه بالمشاهدة لطفاً له في ذلك
ولهم، وإقرارهم بأنّ الله سبحانه لا يُبيح إلاّ ما هو
صلاح، ولا يسوّغ إلاّ ما هو في التدبير صواب، ولا يفعل
بعباده إلاّ ما بهم حاجة إليه ما دامت المحنة
والتكليف باقياً، وهذا ينقض قولهم في مشاهدته وأخذ
معالم الدين فيه
مصلحة تامّة وأنّ بظهوره تمام المصالح والنظام
والتدبير.
الفصل العاشر:
اضطرار الإماميّة عند قولهم بالغيبة في إثبات الأعلام
بالمعجزات لإمامهم عند ظهوره، إذ كان لا يعرفه متى ظهر
أحدٌ بشخصه، وإنّما يصل إلى معرفته الدالّ على صدقه
بصحّة
نسبه وثبوت إمامته ووجوب طاعته، وهذا إخراج الآيات
عن دلائلها، وإيجاب لظهورها على غير من اختصّت به
من الأنبياء والرسل عليهم السلام ، وفي ذلك إفساد
أدلّة النبوّة وأعلام الرسالة، وذلك باطل باتّفاق أهل
الملل كلّها.
* * *
الفصل الأول
(استتار الولادة)
وأقول: إنّ استتار ولادة المهدي بن الحسن بن عليّ
عليهم السلام عن جمهور أهله وغيرهم، وخفاء ذلك عليهم،
واستمرار استتاره عنهم ليس بخارج عن العرف، ولا
مخالفاً لحكم العادات، بل العلم محيطٌ بتمام مثله في
أولاد الملوك والسّوقة،
لأسباب تقتضيه لا شبهة فيها على العقلاء.
فمنها: أن يكون للإنسان
ولد من جارية قد أستر
تملّكها من زوجته وأهله، فتحمل منه فيخفي ذلك عن كلّ
من يُشفق
منه أن يذكره ويستره عمّن لا يأمن إذاعة الخبر به،
لئلاّ يفسد الأمر عليه مع زوجته بأهلها وأنصارها،
ويتمّ الفساد به ضرر
عليه يضعف عن دفاعه عنه، وينشأ الولد وليس أحدٌ من أهل
الرجل وبني عمّه وإخوانه وأصدقائه يعرفه، ويمرّ
على ذلك إلى أن يزول خوفه من الإخبار عنه، فيعرّف به
إذ ذاك، وربّما تمّ ذلك إلى أن تحضره وفاته، فيعرّف به
عند حضورها، تحرّجاً من تضييع
نسبه، وإيثاراً لوصوله إلى مستحقّه من ميراثه.
وقد يولد للملك ولدٌ (فلا) يؤذن به حتّى ينشأ ويترعرع،
فإن رآه على الصورة التي تعجبه...
وقد ذكر الناس ذلك عن جماعة من ملوك الفرس والروم
والهند
في الدولتين معاً،
فسطرو(
أخبارهم في ذلك، وأثبتوا قصّة كيخسرو بن سياوخش بن
كيقاوس ملك الفرس،
الّذي جمع ملك بابل
والمشرق، وما كان من ستر أمّه حملها وإخفاء ولادتها
لكيخسرو،
وأمّه
هذه المسمّاة بوسفا فريد
بنت فراسياب
ملك الترك، فخفي أمره مع الجِدّ
كان من كيقاوس _ جدّه الملك الأعظم
_ في البحث عن أمره والطلب له، فلم يظفر بذلك حيناً
طويلاً.
والخبر بأمره مشهور، وسبب ستره وإخفاء شخصه معروف، قد
ذكره علماء الفرس،
وأثبته محمّد بن جرير الطبري
في كتابه التاريخ.
وهو نظير لما أنكره الخصوم في خفاء أمر ولد الحسن بن
عليّ عليهما السلام ، واستتار
شخصه، ووجوده وولادته، بل ذلك أعجب.
|