|
|||
(91)
8 ـ وعن أبي بصير ، قال : « سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : إنّ سنن الأنبياء عليهم السّلام بما وقع بهم في الغيبات حادثة في القائم منّا أهل البيت حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة » .
قال أبو بصير ، فقلت : يا ابن رسول الله ! ومن القائم منكم أهل البيت ؟ فقال : « يا أبا بصير هو الخامس من وُلْد ابني موسى ، ذلك ابن سيدة الإماء ، يغيب غيبةً يرتاب فيها المبطلون ، ثم يظهره الله عزّوجلّ ، فيفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها ، وينزل روح الله عيسى بن مريم عليه السّلام فيصلّي خلفه ، وتشرق الأرض بنور ربّها ، ولاتبقى في الأرض بقعهٌ عبد فيها غير الله عزّوجلّ إلاّ عبد الله فيها ، ويكون الدين كله لله ولو كره المشركون » (1). الاسلوب الثاني ـ أسلوب التصريح في بين الهوية : لقد مرّت شذرات متفرقة تشير إلى هذا الأسلوب أيضاًًً ، والمراد به : التصريح يالهوية بحسب ما يقتضيه مقام السائل وعقلية المستمع يومذاك ، وما يحيط بالإمام من ظروف يترك تقديرها للإمام نفسه عليه السّلام ، فضلاًًً عمّا تقتضيه المصلحة التي ينظرها الإمام ، او يتو خّاها من خلال هذا الأُسلوب. ولهذه الاعتبارات المتعدّدة لم يجر التصريح بهوية الإمام المهدي عليه السّلام على نسق واحد ، إذ تارة يكون بتحديد الهوية من طرفها البعيد ، وتارة اُخرى يقرّب التحديد ، وثالثة يشتدّ قربا والتصاقا بالهوية الشخصية للإمام 1 ـ إكمال الدين 2 : 345 ـ 346 / 31 باب 33. (92)
الموعود عليه السّلام.
وبعبارة اُخرى إن هناك جملة وافرة من احاديث الإمام الصادق عليه السّلام الواردة في مقام التصريح بالهوية ، ومع هذا فلم ينفك عن بعضها الاجمال ، بل انحصرت في دائرته ؛ إذ لم تشخّص غائبا بالتحديد وإن صرّحت بشيء من هويته. ومع هذا فإنّ الإجمال المذكور لا يضرّ حتى مع فرض عدم وجود التفصيل ، لأنّه إجمال منحصر بعصور الأئمة قبل اكتمال تسلسلهم التاريخي ، أو بعبارة أخرى : إن الإجمال المذكور قد اختزن في داخله نوعاً من التفصيل ، ولكنّه لم يتّضح إلاّ بعد حين ، حتى عاد الإجمال نفسه في غنى عمّا يوضّحه من خارجه. خصوصاًً إذا ما لوحظ الأسلوب الاول من التشخيص ، وضُمّ إلى هذا الاجمال. فتشبيه ظرف الغائب بظرف يوسف عليه السّلام ، كما مرّ في الأسلوب الأول وإن لم يشخّص لنا من هو الغائب بالتحديد ، إلاّ أنّه بيّن لنا بعد حين مراد الإمام بهذا لتشبيه ؛ إذ كما فعل إخوة يوسف باخيهم ، فعل جعفر الكذّاب بابن اخيه العسكري عليه السّلام ، خصوصاً مع تاكيد الإمام الصادق عليه السّلام على من سنن الانبياء حاصلة في الغائب المنتظر حذو القذّة ، وفيها الكثير ممّا يعيّن لنا الغائب بدقّة. وهكذا الحال في المكوّنات الاُخرى للوحدة الموضوعية للغيبة ، كذكر الغيبتين ونحو ذلك ممّا سياتي في الباب الثاني ، وإذا ما حصل الربط بين اجزاء تلك المكوّنات ، من قبيل كون الغائب هو الثاني عشر ، ومنه التاسع من ولد الحسين عليه السّلام ، تبدّد الإجمال المذكور كليا ؛ لوجود المصداق الواقعي الذي انطبقت عليه جميع تلك الأخبار ، ولم يتخلّف عنها خبر واحد. (93)
ومع هذا فلم يكتف إمامنا الصادق عليه السّلام بحدود هذه الامور ، وانّما ذهب الى أبعد من ذلك بكثير في تشخيص هوية الإمام المهدي الغائب عليه السّلام ، متدرّجاً في بيانه انطلاقاً من كون الغائب المنتظر هو من ولد الحسين عليه السّلام ، مع نفي المهدوية عن نفسه الشريفة ، وعن ولده الكاظم عليهما السّلام ؛ لئلا يدّع مدع بانظباقها على غير المراد ، مرورا بكون من سيغيب هو الثاني عشر من أهل البيت عليهم السّلام وآخرهم ، وأنّه السادس من ولده ، ومن ذريّة الإمام الكاظم عليه السّلام وتحديدا : أنّه الخامس من ولد السابع ، وأنّه خفي الولادة ، مع تسمية أمّه عليه السّلام ، وهكذا إلى أن يصل إلى القمة في البيان ، بذكر اسمه ، واسم أبيه ، وكامل نسبه الشريف ، كما سنرى وعلى النحو الآتي :
1 ـ عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، عن آبائه عليهم السّلام ، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله في حديث قدسي شريف جاء فيه : « ...ومنكم القائم يصلي عيسى بن مريم خلفه إذا أهبطه الله تعالى إلى الأرض ، من ذريّة علي وفاطمة ، من وُلْد لحسين » (1). 2 ـ عن عبيد الله بن العلاء ، عن الإمام الصادق عليه السّلام في حديث طويل عن أمير المؤمنين عليه السّلام جاء فيه قوله للإمام الحسين عليه السّلام : « ثم يقوم القائم المأصول والإمام المجهول ، له الشرف والفضل ، وهو من ولدك يا حسين ... طوبى لمن أدرك زمانه ، ولحق أوانه ، وشهد أيّامه » (2). 1 ـ روضة الكافي 8 : 49 / 10 ، وانظر : أمالي الشيخ الطوسي : 287 ـ 289 / 4 مجلس رقم / 39. 2 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 274 ـ 276 / 55 باب 11. (94)
3 ـ وقال أبو بصير للإمام الصادق عليه السّلام وقد دخل عليه : « ...إنّي أريد أن ألمس صدرك ، فقال : افعل ، قال : فمسست صدره ومناكبه ، فقال : ولم يا أبا محمد ؟ فقلت : جعلت فداك إنّي سمعت أباك وهو يقول : إن القائم واسع الصدر ، مسترسل المنكبين ، عريض ما بينهما. فقال : يا أبا محمد ! إنّ ابي لبس درع رسول الله صلّى الله عليه وآله وكانت تستخب على الأرض ، وإنّي لبستها فكانت وكانت ، وإنّها تكون من القائم كما كانت من رسول الله صلّى الله عليه وآله مشمِّرة ، كمنه ترفع نطاقها ، وليس صاحب هذا الأمر من جاز الأربعين » (1). يعني نفسه الشريفة.
وفي هذا الحديث نفي صريح للمهدوية عن نفسه الشريفة ، حيث تو هّمت شرذمة قليلة بمنه عليه السّلام هو المهدي ، وهو قول يُنسب إلى الناووسية. ويؤيده أيضاًًً ما أورده المتقي الهندي في البرهان ، قائلاً : « وأخرج المحاملي في أمالية ، عن جعفر بن محمد بن على بن حسين [ عليهم السّلام ] قال : « يزعمون أنّي أنا المهدي ! وإنّي إلى أجلي أدنى منّي إلى ما يدّعون » (2). وما رواه خلّاد الصفّار ، قال : سئل أبو عبد الله عليه السّلام : هل ولد القائم عليه السّلام ؟ فقال : « لا ولو أدركته لخدمته أيّام حياتي » (3). 1 ـ بصائر الدرجات / الصفّار : 188 ـ 189 / 56 ، والخرائج والجرائح / القطب الراوندي 2 : 691 باب 14. 2 ـ البرهان في علامات مهدي آخر الزمان / المتقي الهندي : 174 / 12 باب 12. 3 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 245 / 46 باب 13. (95)
وفي هذا الحديث نفي صريح لمهدوية محمد بن الحنفية رضي الله عنه ، ومهدوية عمر بن عبدالعزيز الأموي ، ومهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن الحسني ، ومهدوية محمد بن عبد الله العباسي الملقّب كذباً على الله ورسوله بالمهدي !
وفيه أيضاًً ما يكشف عن عظمة ومقام الإمام المهدي عليه السّلام ِ ، بحيث تمنّى إمام الخلق في زمانه ، وحجة الله البالغة على عباده أن يقوم بخدمته لو أدركه عليهما السّلام. 4 ـ وعن أبي حمرة الثمالى قال : « دخلت على أبي عبد الله عليه السّلام فقلت له : أنت صاحب هذا الأمر ؟ فقال : لا ، فقلت : فولدك ؟ فقال : لا ، فقلت : فولد ولدك هو ؟ فقال : لا ، قلت : فولد ولد ولدك ؟ قال : لا ، قلت : فَمن هو ؟ قال : الذي يملأها عدلاً كما ملئت ظلماًًً وجوراًًً على فترة من الأئمة ، كما من رسول الله صلّى الله عليه وآله بعث على فترة من الرسل » (1). ولواسترسل أبو حمزة رضى الله عنه في سواله لحدّد الإمام الصادق عليه السّلام من هو المهدي بالضبط ؛ نظراً لما سيأتي في تشخيص الإمام الصادق عليه السّلام لاسم المهدي وحسبه بدّقة. 5 ـ وعن أبي بصير ، عن الصادق عليه السّلام ، قال : « سمعته عليه السّلام يقول : منّا اثنا عشر مهدّياً مضى ستة و بقي ستة ، يصنع الله بالسادس ما أحبّ » (2). 6 ـ وقال السيد الحميري بعد توبته ورجوعه إلى الحقّ إلى الإمام 1 ـ أصول الكافي 1 : 341 / 21 باب في الغيبة ، وكتاب الغيبة / النعماني : 186 ـ 187 / 38 باب 10 ، وعقد الدرر / المقدسي : 210 ـ 211 باب 7. 2 ـ إكمال الدين 2 : 338 / 13 باب 33. (96)
الصادق عليه السّلام : « يا بن رسول الله ! قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السّلام في الغيبة وصية كونها ، فاخبرني بمن تقع ؟
فقال عليه السّلام : إنّ الغيبة ستقع بالسادس من ولدي ، وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام ، وآخرهم القائم بالحقّ بقيّة الله تعالى في الأرض وصاحب الزمان ، والله لو بقي في غيبه ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر ، فيملأ الأرض قسطاًً وعدلاً كما ملئت جوراًً وظلماًً » (1). وهذا الخبر يؤكّد إسهام جميع أهل البيت عليهم السّلام في تنبيه الشيعة إلى غيبة قائمهم المنتظر عليه السّلام ، وفيه تفسير للعدد المذكور في الحديث الخامس المتقدم ، زيادة على ما فيه من تأكيد بقاء الإمام المهدي عليه السّلام حيّاً في غيبته. ويؤيده قول الإمام الصادق عليه السّلام في حديث آخر : « ما تنكرون أن يمدّ الله لصاحب هذا الأمر في العمر كما مدّ لنوحٍ عليه السّلام في العمر » (2). 7 ـ وفي حديث طويل عن الصادق عليه السّلام جاء فيه : « يظهر صاحبنا وهو من صلب هذا وأومأ بيده إلى موسى بن جعفر عليهما السّلام ، فيملأها عدلاً كما ملئت جوراًً وظلماًً ، وتصفو له الدنيا » (3). 8 ـ وعن أبي بصير ، عن الإمام الصادق عليه السّلام قال : « صاحب هذا الأمر 1 ـ إكمال الدين 2 : 342 / 23 باب 33. 2 ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 421 / 400. 3 ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 42 / 23. (97)
تعمى ولادته على الخلق ؛ لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج » (1).
ولا يعرف التاريخ أحداً من أهل البيت عليهم السّلام قد خفيت ولادته على الخلق سوى إمامنا ابن العسكري عليهما السّلام. هذا ، وفي الصحيح عن ابن فضّال ، عن الإمام الرضا عليه السّلام قال : « كأنّي بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي [ أي : الإمام العسكري عليه السّلام ] كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه ، قلت له : ولم ذاك يا ابن رسول الله ؟ قال : لأنّ امامهم يغيب عنهم ، فقلت : ولم ؟ قال : لئلا يكون لأحد في عنقه بيعةإذا قام بالسيف » (2). 9 ـ وعن أبي بصير ، عن الإمام الصادق عليه السّلام في حديث جاء فيه : « ... فقلت : يا ابن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت ؟ فقال : يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسى ، ذلك ابن سيدة الإماء ، يغيب غيبة يرتاب منها المبطلون ، ثم يظهره الله عزّوجلّ ، فيفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها ، وينزل روح الله عيسى بن مريم عليه السّلام فيصلي خلفه ، وتشرق الأرض بنور ربها ، ولا يبقى في الأرض بقعة عبد فيها غير 1 ـ إكمال الدين 2 : 479 ـ 480 / 1 باب 44 ، وأخرجه الصدوق من طريق آخر عن أبي بصير ، عن الإمام الصادق عليه السّلام في إكمال الدين 2 : 480 / 5 باب 44 ، وقد ورد نحوه من طرق أخرى عن الإمام الصادق عليه السّلام ، كرواية هشام بن سالم في اصول الكافي 1 : 342 / 27 باب في الغيبة ، ورواية إبراهيم بن عمر اليماني في كتاب الغيبة للنعماني : 191 / 45 باب 10 ، ورواية جميل بن صالح في إكمال الدين 2 : 479 ـ 480 / 2 باب 44. 2 ـ إكمال الدين 2 : 480 / 4 باب 44. (98)
الله عزوجلّ إلاّ عبد الله فيها ، ويكون الدين كله لله ولو كره المشركون » (1).
10 ـ وعن المفضّل بن عمر ، عن الإمام الصادق عليه السّلام في حديث جاء فيه : « .. والأئمة من ولد الحسن آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته ، فيقتل الدجّال ، ويطهّر الأرض من كل جور وظلم » (2). 11 ـ وعن هارون بن موسى بن جعفر ، عن أبيه عليه السّلام قال : « قال سيدي جعفر بن محمد عليه السّلام : الخلف الصالح من ولدي ، وهو المهدي ، اسمه محمد ، وكنيته أبو القاسم/ يخرج في آخر الزمان ، يقال لأمّه صقيل » (3). أقول : « صقيل ، ونرجس ، وسوسن كلها أسماء لمسمّى واحد وهو أُمّ الإمام المهدي عليه السّلام وقد ورد الأثر الصحيح في ذلك ، وهذا الحديث نقله الإربلي من كتاب ابن الخشّاب المسمّى تاريخ مواليد ووفيّات أهل البيت عليه السّلام وابن الخشّاب من معاصري الإمام العسكري عليه السّلام ويروي الكليني عنه بالواسطة ، وهو من ّمشايخ علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي المتوفّى في الغيبة الصغرى. 12 ـ وعن صفوان بن مهران ، وعبد الله بن أبي يعفور ؛ عن الإمام الصادق عليه السّلام قال : « أنّ أقرّ بجميع الأنبياء وجحد المهدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء وحجد محمد صلّى الله عليه وآله نبوّته ، فقيل له : يا ابن رسول الله : فمن 1 ـ إكمال الدين 2 : 345 ـ 346 / 31 باب 31. 2 ـ إكمال الدين 2 : 335 ـ 336 / 7 باب 33. 3 ـ كشف الغمّة / الاربلي 3 : 379 في ذكر الإمام الحجة عليه السّلام. (99)
المهدي من ولدك ؟ قال : الخامس من ولد السابع ، يغيب عنكم شخصه ، ولايحلّ لكم تسمية » (1).
والنهي عن التسمية معلل بالخوف من الطلب ، فيكون مقيّدا بزمان مخصوص كما يعلم من أخبار أُخر. وفي هذا الحديث وغيره مّما مرّ ويأتي إبطال لقول الواقفية بمهدوية الإمام الكاظم عليه السّلام ، وقوله عليه السّلام : « الخامس من ولد السابع ، يغيب عنكم شخصه ... » تعريض بقول الواقفية بأن المهدي صاحب الغيبة هو الإمام السابع أي : الكاظم عليه السّلام ! في حين منه الخامس من ولد السابع عليهم السّلام. 13 ـ وسمع الحسين بن علوان الكلبي ـ وهو من رواة العامة ـ حديثاً من طرقهم في خصوص علم النبي موسى عليه السّلام بأوصياء النبي صلّى الله عليه وآله الاثني عشر من بعده ، قال : فذكرت ذلك لجعفر بن محمد عليه السّلام ، فقال : « حق ذلك ، هم اثنا عشر من آل محمد صلّى الله عليه وآله : علي ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، ومن شاء الله. قلت : جعلت فداك ، إنّما أسألك لتفتيني بالحق. فقال عليه السّلام : أنا ، وابني هذا ـ وأشار إلى ابنه موسى عليه السّلام ـ والخامس من ولده يغيب شخصه ، ولا يحلّ ذكره باسمه » (2). 14 ـ وعن المفضل بن عمر قال : « دخلت على سيدي جعفر بن 1 ـ إكمال الدين 2 : 333 / 1 باب 33 وأخرجه من طريق آخر عن عبد الله بن أبي يعفور 2 : 338 / 12 من الباب السابق. 2 ـ مقتضب الأثر : 41. (100)
محمد عليها السّلام فقلت : يا سيدي لو عهدت إلينا في الخلف من بعدك ؟ فقال لي : يا مفضّل ! الإمام من بعدي ابني موسى ، والخلف المأمول المنتظر محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن على بن موسى » (1).
15 ـ وفي الصحيح عن مسعدة بن صدقة قال : « كنت عند الصادق عليه السّلام ، إذ أتاه شيخ كبير قد انحنى متكئاً على عصاه ، فسلّم ، فردّ أبو عبد الله عليه السّلام الجواب ، ثم قال : يا ابن رسول الله ناولني يدك أقبلها ، فأعطاه يده فقبّلها ثم بكى ، فقال أبو عبد الله عليه السّلام : ما يبكيك يا شيخ ؟ قال : جعلت فداك أقمت على قائمكم منذ مائة سنة أقول هذا الشهر وهذه السنة ، وقد كبرت سني ودقّ عظمي واقترب أجلي ولا أرى ما أحب ، أراكم مقتّلين مشرّدين ، وأرى عدوّكم يطيرون بالأجنحة ، فكيف لا أبكي ! فدمعت عينا أبي عبد الله عليه السّلام ، ثم قال : يا شيخ إن أبقاك الله حتى ترى قائمنا كنت معنا في السنام الأعلى ، وإن حلّت بك المنّية ، جئت يوم القيامة مع ثقل محمد صلّى الله عليه وآله ، ونحن ثقله ، فقال عليه السّلام : اني مخلّف فيكم الثقلين فتمسّكوا بهما لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي. فقال الشيخ : لا أبالى بعد ما سمعت هذا الخبر. قال : يا شيخ ! إنّ قائمنا يخرج من صلب الحسن ، والحسن يخرج من صلب عليّ ، وعليّ يخرج من صلب محمد ، ومحمد يخرج من صلب عليّ ، وعليّ يخرج من صلب ابني هذا ـ وأشار إلى موسى عليه السّلام ـ وهذا خرج من صلبي ، نحن اثنا عشر كلنا معصومون مطهرون ... يا شيخ والله لو لم يبق 1 ـ إكمال الدين 2 : 334 / 4 باب 33. (101)
من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل ألله ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا أهل البيت ، ألا وأن شيعتنا يقعون في فتنة وحيرة في غيبته ، هناك يثبّت الله على هداه المخلصين ، اللهمّّ أعنهم على ذلك » (1).
16 ـ وعن أبي الهيثم بن أبي حبّة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : « إذا اجتمعت ثلاثة أسماء متوالية : محمد وعلي ، والحسن ، فالرابع القائم » (2). وقوله عليه السّلام : « إذا اجتمعت ثلاثة أسماء ... » ، أي : من الائمة بعده ، الذين هم من وُلْدِه عليهم السّلام. ومن الواضح أن هذه الأسماء الثلاثة الشريفة قد اجتمعت متوالية حقاً ، وشكّلت الحلقة الأخيرة من أسماء الأئمة الاثني عشر عليهم السّلام قبل القائم المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف كالآتي : 1 ـ ( محمد ) : وهو اسم الإمام التاسع المعروف بالجواد عليه السّلام. 2 ـ ( عليّ ) : وهو اسم الإمام العاشر المعروف بالهادي عليه السّلام. 1 ـ كفاية الأثر / الخزاز : 260 ، واخرجه عمّاد الدين الطبري في بشارة المصطفى : 275 ، عن معاوية بن وهب ، قال : كنت جالساً عند جعفر بن محمد عليه السّلام إذ جاء شيخ قد انحنى من الكبر ، فقال : السّلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فقال له أبو عبد الله : وعليك السّلام ورحمة الله ياشيخ ، ادْنُ مني ، فدنا منه وقبل يده وبكى ... الحديث. 2 ـ إكمال الدين 1 : 333 / 2 باب 33 ، وكتاب الغيبة / النعماني : 179 ـ 180 / 26 باب 10 ، وإثبات الوصية / المسعودي : 227 ، وكفاية الأثر / الخزاز القمي : 280 ـ 281. (102)
3 ـ ( الحسن ) : وهو اسم الإمام الحادي عشر المعروف بالعسكري عليه السّلام ابن الإمام علي الهادي ابن الإمام محمد الجواد ، وهو والد الإمام القائم عليهم السّلام.
ثانياًً ـ بيان الإمام الصادق عليه السّلام لكيفية الانتفاع بالحجة الغائب عليه السّلام : نطقت أحاديث أهل البيت عليه السّلام وبصورة متواترة بأن الله تعالى لا يخلي أرضه من حجة على عباده منذ أن خلق الله آدم وإلى قيام الساعة ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الحجة ظاهراً مشهوراَ ، أو خائفاَ مستوراً كما مرّ في القاعدة الرابعة من قواعد الفصل السابق. والتسليم بهذه القاعدة يعني الاعتقاد بوجود الإمام المهدي عليه السّلام في أرض الله عزّوجلّ وإن لم يره أحد ، وهو بحد ذاته كاف لنمو الفضيلة ، وخلق جوّ من التآلف والمودّة بين المؤمنين الذين يعيشون في حالة انتظار دائم وترقّب شديد لظهوره عليه السّلام ، الأمر الذي يؤدي إلى حفظ المجتمع المسلم من التشتّت والضياع ، ومنعه ن الانحدار وراء الشهوات ، وصونه من كل انحراف. كما من نفس وجود الإمام عليه السّلام فيه منافع كثيرة ترتبط بحياة الناس جميعاًً ، من نزول بركات السماء ، وعدم المؤاخذة بالعقاب العاجل ونحوها ، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة مبيناً أهميتة الحجة وهي في زمن نزوله منحصرة برسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال تعالى : ( وما كان الله ليعذّبهم أنت فيهم وما كان الله معذّبهم وهم يستغفرون ) (1) ، وأما بعده صلّى الله عليه وآله فلا شكّ في منها بآله الكرام عليهم السّلام. 1 ـ سورة الانفال : 8 / 33. (103)
لقد حاول الإمام الصادق عليه السّلام تقريب صورة الانتفاع بالإمام الحجة الغائب عليه السّلام بمثال مادي محسوس ، ليكون ذلك أدعى إلى الإذعان والتصديق.
فعن سليمان بن مهران الأعمش ، عن الإمام الصادق ، عن أبيه الإمام الباقر ، عن أبيه الإمام على بن الحسين عليهم السّلام ، قال : « نحن أئمة المسلمين ، وحجج الله على العالمين ... ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة الله ولا تخلوا إلى أن تقوم الساعة من حجة الله فيها ، ولولا ذلك لم يعبد الله. قال سليمان : فقلت للصادق عليه السّلام : فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور ؟ قال عليه السّلام : كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب » (1). وكما من السحاب لا يمنع من فوائد الشّمس الكثيرة ، ولولاها لا نعدمت الحياة ، فكذلك لا تمنع الغيبة من الفوائد العظيمة المترتّبة على وجود الإمام عليه السّلام ، وهذا ما يفسّر لنا معنى قول الإمام الصادق عليه السّلام : « لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت » (2). جدير بالذكر من حديث الإمام الصادق عليه السّلام المتقدم برواية الأعمش هو جزء من حديث عظيم لرسول الله صلّى الله عليه وآله ، برواية جابر بن عبد الله الانصاري ، قال رضي الله عنه : « لمّا منزل الله عزّوجلّ على نبيّه محمد صلّى الله عليه وآله ( يا أيّها الذين آمنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر 1 ـ إكمال الدين 1 : 207 / 22 باب 21 ، وأمالي الصدوق : 156 ـ 157 / 15 مجلس / 34 ، وفرائد المسطين / الجويني الشافعي 1 : 45 ـ 46 / 11. 2 ـ أصول الكافي 1 : 179 / 10 ، باب من الأرض لا تخلوا من حجة ، وكتاب الغيبة / النعماني : 138 / 8 باب 8. (104)
منكم ) (1) قلت : يا رسول الله عرفنا الله ورسوله ، فمن اولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك ؟ فقال عليه السّلام : « هم خلفائي يا جابر ، وأئمة المسلمين ( من ) بعدي أولهم عليّ بن أبي طالب ، ثم الحسن والحسين ، ثم عليّ بن الحسين ، ثم محمد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر ، وستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فأقرئه منّي السّلام ، ثم الصادق جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم عليٍّ بن موسى ، ثم محمد بن عليّ ، ثم عليّ بن محمد ، ثم الحسن بن عليّ ، ثم سميّي وكنيي حجة الله في أرضه ، وبقيّته في عباده ابن الحسن بن على ، ذاك يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان » ، قال جابر : فقلت له : يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقال صلّى الله عليه وآله : « اي والذي بعثني بالنبوَّة إنّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّلها سحاب ، يا جابر هذا من مكنون سرالله ، ومخزون علمه ، فاكتمه إلاّ عن أهله » (2).
وتشبيه فائدة الإمام المهدي عليه السّلام في غيبته بفوائد الشمس المجللة بالسحاب يوحي إلى أمور ، قد تعرض لها العلامة المجلسي في ذيل هذا الخبر ، ولا بأس بنقلها كما هي لفائدتها. قال رحمة الله : « بيان ـ التشبيه بالشمس المجللة بالسحاب يوحي إلى أمور : 1 ـ سورة النساء : 4 / 59. 2 ـ إكمال الدين : 1 : 253 / 3 باب 23. (105)
الأول : إن نور الوجود والعلم والهداية ، يصل إلى الخلق بتوسّطه عليه السّلام ؛ إذ ثبت بالأخبار المستفيضة منهم العلل الغائية لايجاد الخلق ، فلولا هم لم يصل نور الوجود إلى غيرهم ، وببركتهم والاستشفاع بهم ، والتوسل إليهم يظهر العلوم والمعارف على الخلق ، ويكشف البلايا عنهم ، فلولاهم لا ستحقّ الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب ، كما قال تعالى : ( وما كان الله ليعذّبهم ومنت فيهم ) (1) ولقد جرّبنا مراراً لا نحصيها أن عند انغلاق الأمور وإعضال المسائل ، والبعد عن جناب الحقّ تعالى ، وانسداد أبواب الفيض ، لمّا استشفعنا بهم ، وتوسلنا بانوارهم ، فبقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم في ذلك الوقت ، تنكشف تلك الأمور الصعبة ، وهذا معاين لمن أكحل الله عين قلبه بنور الإيمان.
الثاني : كما من الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ـ ينتظرون في كل آن انكشاف السحاب عنها وظهورها ، ليكون انتفاعهم بها أكثر ، فكذلك في أيام غيبته عليه السّلام ، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره ، في كل وقت وزمان ، ولا يبأسون عنه . الثالث : إن منكر وجوده عليه السّلام مع وفور ظهور آثاره كمنكر وجود الشمس إذا غيبها السحاب عن الأبصار. الرابع : إن الشمس قد تكون غيبتها في السحاب أصلح للعباد ، من ظهورها لهم بغير حجاب ، فكذلك غيبته عليه السّلام أصلح لهم في تلك الأزمان ؛ فلذا غاب عنهم. الخامس : إن الناظر إلى الشمس لا يمكنه النظر إليها بارزة عن 1 ـ سورة الانفال : 8 / 33. |
|||
|