غيبة الإمام المهدي ::: 301 ـ 315
(301)
من هم الأئمة الاثني عشر عليهم السّلام ، فراجع.

    خامساً ـ شبهة جواز تأخير الاعتقاد بالمهدي عليه السّلام إلى زمان ظهوره !
    وتهدف هذه الشبهة إلى عذ العامّة في البقاء على الاعتقاد بمهدي مجهول يخلقه الله في آخر الزمان ، وإنهم لا مانع لديهم ـ فيما يدّعون من ترك هذا الاعتقاد ، والالتحاق بصفوف الشيعة فيما لو ظهر الإمام الحجة ابن الحسن عليه السّلام في المستقبل !! (1).
    وقبل بيان موقف الإمام الصادق عليه السّلام من هذا الشبهة أود التنبيه على خمس ملاحظات وهي :
    1 ـ إنّ معنى الإعتقاد بمهدي مجهول في آخر الزمان ، مع احتمال رفضه في المستقبل ، يعني فساد الدليل المثبت لهذا الاعتقاد وعدم صحّته.
    2 ـ إن شرط الاعتقاد بضروري من الضروريات في المنظور الإسلامي ، أن يكون متواتراً ، والمتواتر لا ينقلب إلى غير متواتر ، وقد سبق وأن بيّنا دليل القول بمهدي مجهول يخلقه الله في آخر الزمان ، وأنه ـ بزعمهم ـ حسني واسمه محمد بن عبد الله ، وهو روايتان فقط ، إحداهما مجهولة ، والأُخرى مرسلة وأما الحديث الذي أشار لهذا بلفظ ( اسمه اسمي واسم أبيه اسم
1 ـ لم أجد هذه الشبهة في كتاب ، ولكن قالها أحد رجال العامّة في كلمة له ألقاها في مهرجان الغدير المنعقد في مؤسسة السيد الخوئي في لندن ، أخبرني بهذا سماحة العلامة المحقّق آية الله السيّد علي الحسيني الميلاني ( حفظه الله ) الذي حضر المهرجان وغادره بعد تسويف طلبه في التعقيب على هذه الكلمة !

(302)
أبي ) فهو حديث موضوع كما بيّناه ، فأين هذا التواتر إذن ؟!
    3 ـ إن الاعتقاد بمهديٍّ لم يُخْلَق بعد ! إما أن يكون هو امام الزمان ، أو لا يكون ، والأول لا يعقل لخلو زماننا منه ؛ إذ لم يُخْلَق ، والثاني لا يفيد طاعته ولا نصرته ولا انتظاره.
    4 ـ إن قاعدة عدم خلو الزمان من إمام ، تعني خرافة الاعتقاد بمهدي معدوم لم يخلق ، إذ اللازم وجوده.
    5 ـ إن شرط الإيمان بالمهدي عليه السّلام أن يكون في حياته لا بعد ظهوره كما سياتي.
    ومع فرض كون المهدي هو المجهول جدلاً ، فسيكون الإيمان به فاقداً للشرط المذكور ، وهو الحياة ؛ لأنه معدوم لم يخلق بعد.
    ومع القول بأنه الحجة ابن الحسن العسكري عليه السّلام وهو الحق ، فسوف لن يقبل من جاحديه اعتقادهم بخرافة لا أصل لها ولا واقع ، كما لن يقبل منهم توبتهم عند ظهوره لو أدركوه عليه السّلام.
    وبهذا يتبيّن أن القول المذكور في مهرجان الغدير المنعقد في لندن ، لقلقة لسان ليس له معنى :
    ويدلُّ على ما ذكرناه :
    1 ـ قول الصادق عليه السّلام : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو معتقدٍ به في حياته ، يتولّى وليه ، ويتبرأ من عدوّه ، ويتولّ


(303)
الائمّة الهادية من قبله ، أولئك رفقائي ، وذوو ودّي وأكرم أُمّتي عليّ ـ وفي رواية اُخرى ـ وأكرم خلق الله عليَّ » (1).
    2 ـ وفي حديث آخر عنه عليه السلام عن رسول الله صلّى الله عليه وآله : « من انكر القائم من ولدي في زمان غيبته ، مات ميته جاهلية » (2).
    3 ـ وعن هشام بن سالم ، عن الإمام الصادق عليه السّلام ، وعن آبائه عليهم السّلام عن رسول الله صلّى الله عليه وآله في حديث في شمائل وأوصاف وسيرة المهدي عليه السّلام جاء فيه : « ومن انكره في غيبته فقد أنكرني » (3).
    4 ـ وفي الصحيح عن علي بن رئاب ، عن الإمام الصادق عليه السّلام في قول الله عزّوجلّ : ( يوم يأتي بعضُ آيات ربّكَ لا ينفعُ نفساً إيمانُها لم تكنْ آمنت من قبلُ ) (4) ، قال عليه السّلام : « والآيات : هم الأئمة ، والآية المنتظرة : القائم عليه السّلام ، فيومئذٍ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف وإن آمنت بمن تقدم من آبائه عليهم السّلام » (5).
    وإذا ما اُضيف إلى هذا أحاديث الانتظار الواردة عن الإمام الصادق عليه السّلام من قبيل قوله : « .. المنتظرين لظهوره في غيبته والمطيعين له في ظهوره أولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون »
1 ـ إكمال الدين 1 : 286 / 3 ب 25 ؛ وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 456 / 466.
2 ـ إكمال الدين 2 : 412 ـ 413 / 12 باب 39.
3 ـ إكمال الدين 2 : 411 / 6 باب 39.
4 ـ سورة الأنعام : 6 / 158.
5 ـ إكمال الدين : 18 ، و 30 من المقدّمة أخرجه من طريقين صحيحين.


(304)
وغيره من الاحاديث المتقدّمة ، علمنا من أصحاب هذه المقولة ـ وهم لم يضمنوا بقاءهم على قيد الحياة إلى زمان الظهور ـ لم يحصدوا سوى الخسران المبين.

    سادساً ـ شبهة جعفر الكذّاب عمِّ الإمام المهدي عليه السّلام :
    وخلاصتها : ما ذكره علماء الشيعة الإمامية من أن أقرب الناس إلى الإمام المهدي عليه السّلام وهو جعفر بن الإمام الهادي عليه السّلام المعروف بجعفر الكذّاب ، قد شهد أمام القضاء العباسي بأن أخاه العسكري مات بلا عقب ؛ طمعاً في أمواله.
    جدير بالذكر ، أنه لم يروِ أحد من أهل الإسلام ما قاله جعفر ، إلاّ الإمامية وحدهم فقط وجميع من تمسّك بهذه الشبهة قاطبة كان مصدرهم الوحيد إليها كتب الشيعة فقط ، لأن من ذكرها من العامّة كافّة إنّما نقلها بالاعتماد على مثل النوبختي ، أو سعد بن عبد الله القمي ، أو الشيخ المفيد ، أو الشيخ الطوسي ، وغيرهم من متقدمي علماء الإمامية الذين لولاهم لما عرف أحد ما فعله جعفر.
    وفي هذا وحده ما يكفي لدخص مقولته ، والازدراء بم تمسّك بها ، لأنّها حجّة داحضة سخيفة.
    وقد اشارت أحاديث الإمام الصادق عليه السّلام المساقة في شبهة إنكار ولادة الإمام المهدي عليه السّلام آنفاً ، إلى قول جعفر الكذّاب هذا كما في جملة : « ومنهم من يقول مات أبوه بلا خلف » .


(305)
    وهناك أحاديث أُخر أكثر صراحة من هذا ، وهي المتقدمة في بيان ما في المهدي من شبه بالأنبياء عليهم السّلام ، إذ مرّ فيها حديثه عليه السّلام بأن فيه شبهاً من يوسف عليهما السّلام.
    ومن مقارنة ما حصل في حياتي المُشَبَّه ( المهدي عليه السّلام ) والمشبّه به ( يوسف عليه السّلام ) يعلم وجه الشبه بين ما فعله أولاد النبي يعقوب عليه السّلام ، وهم أسباط النبيين وأقرب الخلق نسباً بنبي الله وخليله إبراهيم ، بأخيهم يوسف الصدّيق ، حين كذبوا على أبيهم في أمره ( وجاءوا أباهم عشاءً يبكونَ * قالوا يا أبانا إنّا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذّئب وما أنتَ بمؤمن لنا ولو كنّا صادقينَ * وجاءوا على قميصه بدم كذب ) (1) !
    وبين ما فعله جعفر الكذّاب ، وهو أقل شأناً وديناً من أولاًًد يعقوب عليه السّلام ، لتقرّبه لطواغيت بني العباس ، مع فسقه ولعبه بالطنبور ، وجشعه ، وحبّه للجاه والمال ، وشربه الخمور بشهادة ابن وزير الدولة أحمد بن عبيد الله بن خاقان (2) كل هذا دفعه إلى ذلك الموقف الخسيس الذي هو أشبه ما يكون بموقف أولاًًد يعقوب عليهم السّلام ، وفيه شبه عظيم أيضاً
1 ـ سورة يوسف : 12 / 16 ـ 18.
2 ـ اصول الكافي 1 : 503 / 1 باب مولد أبي محمد الحسن بن على العسكري عليه السّلام ، وإكمال الدين 1 : 40 من المقدّمة ، و 2 : 475 / 25 باب 43 ، والارشاد 2 : 321 ، والفصول العشرة في الغيبة / الشيخ المفيد 3 : 61 ـ 62 الفصل الثاني ، ( مطبوع ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد ، المجلد الخامس ) وأعلام الورى : 357.


(306)
بموقف أبي لهب عمَّ النبي صلّى الله عليه وآله ، حيث جحد نبوة ابن أخيه نبيّنا محمد صلّى الله عليه وآله ، وكذب رسالته ، وألّب عليه ، وكان ـ لعنه الله أولى من غيره بالإيمان بنبي الرحمة صلّى الله عليه وآله ، والتصديق برسالته ، وبذل الغالى والرخيص لأجل نصرته.

    سابعاً ـ شبهتم حول لفظ ( القائم ) ولفظ ( المهدي ) :
    ومفاد هذه الشبهة أن أكثر الأحاديث المستدلّ بها في تشخيص هوية المهدي عليه السّلام عند الشيعة ، ورد ذكره فيها بلفظ ( القائم ) ولا اختصاص للإمام الثاني عشر عند الشيعة بهذا اللفظ ، كما ان لفظ ( المهدي ) لا يدلّ على كون المقصود به هو الإمام الثاني عشر لوجود روايات تشير إلى وصف أئمة الشيعة بمنهم مهديون كلّهم ، وإذا كان كلا اللفظين أعمّ من اختصاصهما به فلا مجال للاستدلّال بتلك الأحاديث على مهدويته وغيبته !
    والجواب ، إنه حتى لو كان لفظ ( القائم ) و ( المهدي ) لا ينصرفان عند الاطلاق إلى الإمام الثاني عشر الحجة ابن الحسن العسكري عليهما السّلام ، فهناك الكثير من القرائن التي دلّت على هذا المعنى واقترن بها اللفظان ، كذكر الغيبتين مثلاً ، هذا فضلاً عن الأحاديث التي لا تحتاج إلى قرينة ، وهي التي شخّصت من هو القائم باسمه ونسبه الشريف كما مرّ مفصلاً في بيان الإمام الصادق عليه السّلام لهوية الإمام المهدي عليه السّلام ولا حاجة إلى إعادتها.
    والصحيح في المقام هو أن لفظ ( القائم ) قد وصف به الأئمة عليهم السّلام جميعاً ، ولكنه لا ينصرف إلى أحد من أهل البيت عليهم السّلام إلاّ بقرينة حالية أو مقالية ،


(307)
وأما عند الإطلاق فينصرف إلى الإمام الحجة ابن الحسن العسكري عليهما السّلام وكذلك الحال مع لفظ ( المهدي ).
    وبعبارة اُخرى : عندما نستقصي الأخبار نرى أن سائر الأئمة عليهم السّلام قد وصفوُا بهذا الوصف مع إضافة مثل « القائم بدين الله » و نحوه ، وأما « القائم » على الإطلاق فلم يُطلق إلاّ على الإمام الثاني عشر منهم عليهم السّلام.

    ثامناً ـ الشبهة الواردة حول سيرته عليه السّلام :
    وردت في أحاديث المهدي عليه السّلام عند الإمامية ما هو صريح بسيرته عليه السّلام عند ظهوره ، وأنه يأتي بعمل جديد. وقد زعم بعضهم أن معنى هذا من مهدي الشيعة سينسخ بسيرته الدين المحمدي !
    وهذه ليست شبهة في الواقع وإنما كلام فارغ هدفه التشنيع لا أكثر ولم يتخرصه سوى الوهابية فيما أعلم ، ومهما يكن الهدف فقد أجاب الإمام الصادق على هذا الافتراء قبل ولادة مؤسس الفرقة الوهّابية بعدة قرون.
    1 ـ فعن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، عن آبائه عليهم السّلام عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : « القائم من ولدي اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، وشمائله شمائلي ، وسنّته سنّتي ، يقيم الناس على ملّتي وشريعتي ويدعوهم إلى كتاب ربي عزّوجلّ .. » (1).
    2 ـ وعن أبي بصير ، عن ابي عبد الله عليه السّلام قال : « إن في صاحب هذا الأمر سنناً من الأنبياء : سنّة من موسى ، وسنّة من عيسى ، وسنّة من
1 ـ إكمال الدين 2 : 411 / 6 باب 39.

(308)
يوسف ، وسنّة من محمد صلوات الله عليهم ـ إلى أن قال ـ وأما سنة من محمد صلّى الله عليه وآله فيهتدي بهداه ويسير بسيرته » (1).
    والإطالة في هذا إطالة في الواضحات ، ويكفي ما ذكرناه في بيان الإمام الصادق عليه السّلام لسيادة الإسلام على كل الأديان في زمان ظهور المهدي عليه السّلام وعلى يده.

    تاسعاً ـ شبهات حول الغيبة :
    وخلاصة هذه الشبهات تدور حول ثلاثة أسئلة ، وهي :
    1 ـ لماذا الغيبة ؟
    2 ـ وما هو وجه الحكمة فيها ؟
    3 ـ وكيف يتحقّق انتفاع الأمة من الإمام المهدي الغائب وهي لا يمكنها أن تصل إليه ؟
    وتدور هذه الأسئلة الثلاثة على محور واحد ، وهو منافاة الغيبة ـ كما يُزعم ـ للغاية من نصب الإمام ، وعلى هذا يكون وجود الإمام وعدمه سواء !
    وأصل كل هذا مبني على أن الغاية من نصب الإمام لا تتحقّق إلاّ بمشاهدته لأخذ معالم الدين عنه !
    وقد خفي على هؤلاء بأن الثمرة من وجود الإمام لا حصر لها بأخذ المسائل عنه ، وإنّما هناك ثمرات أُخر تترتّب على وجوده الشريف.
1 ـ إكمال الدين 2 : 350 ـ 351 / 46 باب 33.

(309)
    ويمكن إدراكها من خلال علمنا بأن هناك جملة من الأمور المطلوبة منا شرعاً لذاتها إزاء الإمام المهدي عليه السّلام ، بغض النظر عن إمكانية الوصول إليه أو عدمه ، ومنها على سبيل المثال :
    السعي الدؤوب وراء معرفة هويته الشخصية ، وإلاّ فلن يتحقّق ركن الإيمان بالاعتقاد بأنه إمام الزمان الذي من لا يعرفه سوف لن يغادر الدنيا إلاّ بميتة جاهلية ، كما نطقت بذلك احاديث الرسول صلّى الله عليه وآله عند الفريقين ، واكدها الإمام الصادق عليه السّلام باحاديث شتّى كما مرّ.
    وعلى هذا يكون نفس التصديق بوجود الإمام المهدي عليه السّلام أمراً مطلوباً لذاته بغض النظر عن مشاهدته أو لا. لا فرق بين هذا وبين وجوب التصديق بوجود النبي صلّى الله عليه وآله بالنسبة للمسلمين الذين عاشوا في عصره صلّى الله عليه وآله ولم يلتقوا به ولم يشاهدوه.
    ونحن ملزمون بالتعبدّ بما جاء عن النبي صلّى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السّلام. والأحاديث السابقة وكثير مثلها ؛ كلها صريحة بوجوب هذا الاعتقاد.
    ومن ثَمَّ ورد عن النبي صلّى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السّلام ما يشير إلى عدم انحصار الفائدة من وجود الإمام بالتصرّف في الأمور ، وفيما يأتي جملة من الأحاديث الشريفة الدالّة على ذلك :
    1 ـ عن أبي ذر الغفاري رضى الله عنه ، قال : « سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ، ومثل باب حطّة يحطّ الله بها الخطايا » (1).
1 ـ أمالي الشيخ الطوسي : 733 / 1532 ( 2 ) مجلس رقم / 45.

(310)
    وهذا صريح بأن الدخول بولاية أهل البيت عليهم السّلام ، والتمسّك بحبلهم قد جعله الله طريقاً لرضوانه ومغفرته ، وهذا أمر عظيم أعمّ من نفع مشاهدتهم والسؤال مباشرة منهم عليهم السّلام.
    2 ـ وعن جابربن عبد الله ، وأبي موسى الأشعري ، وابن عباس ، قالوا : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأُمتي ، فإذا ذهبت النجوم ذهبت أهل السماء ، وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض » (1).
    3 ـ وعن أياس بن سلمة ، عن أبيه ، قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأُمتي » (2).
    4 ـ وعن سليمان بن مهران الأعمش ، عن الإمام الصادق ، عن أبيه محمد بن على ، عن أبيه على بن الحسين عليهم السّلام ، قال : « نحن أئمة المسلمين وحجج الله على العالمين ، وسادة المؤمنين ، وقادة الغرّ المحجّلين ، وموالي المؤمنين ، ونحن أمان أهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه ، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها ، وبنا يُنزِل الغيث ، وبنا ينشُر الرحمة ، ويخرج بركات الأرض ، ولولا ما في الأرض منا لساخت بأهلها ، ولم تخلُ الأرض منذ خَلَق الله أدمَ من حُجّة لله فيها ، ظاهر مشهور أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة الله
1 ـ أمالي الشيخ الطوسي : 379 / 812 ( 63 ) مجلس رقم / 13.
2 ـ أمالي الشيخ الطوسي : 259 / 470 ( 8 ) مجلس رقم / 10 ، والمعجم الكبير / الطبراني 7 : 22 / 6220.


(311)
فيها ، ولولا ذلك لم يُعْبَد الله.
    قال سليمان : فقلت للصادق عليه السّلام : فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور ؟
    قال عليه السّلام : كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السَّحَاب » (1).
    5 ـ وعن الإمام الباقر عليه السّلام قال : « ... ونحن الذين بنا تُنَزَّل الرحمة ، وبنا تُسْقَون الغيث ، ونحن الذين بنا يصرف الله عزّوجلّ عنكم العذاب ، فمن أبصرنا ، وعرف حقّنا ، وأخذ بأمرنا فهو منّا وإلينا » (2).
    6 ـ وقال الإمام الصادق عليه السّلام : « ... كان أمير المؤمنين عليه السّلام صلوات الله عليه باب الله الذي لا يؤتى إلاّ منه ، وسبيله الذي من سلك بغيره هلك ، وبذلك جرت الأئمة عليهم السّلام واحداً بعد واحد ، جعلهم الله أركان الأرض أن تميد بهم ، والحجة البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى » (3).
    وكل هذا يدلُّ بما لا يقبل الشكّ على أن نفس وجودهم عليهم السّلام تترتّب عليه فوائد أعظم من فائدة مشاهدتهم والوصول إليهم ؛ لمن في هذا
1 ـ أمالي الشيخ الصدوق : 252 ـ 253 / 277 ( 15 ) مجلس رقم / 34 ، وإكمال الدين 1 : 207 / 22 باب 21 ، وراجع ما تقدم في بيان الإمام الصادق عليه السّلام لكيفية الانتفاع بالحجة الغائب : ص 102 من هذا البحث.
2 ـ أمالي الشيخ الطوسي : 654 / 1354 ( 4 ) مجلس رقم / 34.
3 ـ أُصول الكافي 1 : 197 / 2 باب إن الأئمّة هم أركان الأرض ، من كتاب الحجة ، وأمالي الشيخ الطوسي : 205 ـ 206 / 352 ( 2 ) مجلس رقم 8. وإكمال الدين 1 : 205 ـ 206 / 20 باب 21 ، وبصائر الدرجات : 82 ـ 83 / 10 باب 3 ، وفرائد السمطين/الجويني الشافعي 2 : 253 ـ 254 / 523 باب 48.


(312)
الوجود ضمان لبقاء العالم « فإذا ذهب أهل بيتي ، ذهب أهل الأرض » .
    ويؤكّد هذا المعنى قول الإمام الصادق عليه السّلام : « لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت » (1) ، وغيره من الأحاديث الأخرى التي تقدمت في القاعدة الرابعة من قواعد الفصل الأول من الباب الأول.
    ولهذا قرّب الإمام الصادق عليه السّلام صورة الانتفاع بالإمام الغائب عليه السّلام بمثال الشمس وهو مثال محسوس لا ينكر صحّته أحد ، وقد مرّ في حديث الأعمش ، عنه عليه السّلام.
    هذا زيادة على وجود منافع أُخر مترتبة على وجود الإمام عليه السّلام لها ارتباط مباشر بحياة الناس جميعاً ، كعدم المؤاخذة بالعقاب العاجل ، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة مبيناً أهمية الحجة وهي في زمان نزول القرآن منحصرة برسول الله صلّى الله عليه وآله ، وبعده بأهل بيته عليهم السّلام ، قال تعالى : ( وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم وما كان الله معذّبهم وهم يستغفرون ) (2) ، فجعل سبحانه وجود النبي صلّى الله عليه وآله سبباً في تأجيل عقاب المستحقّين للعقوبة ، فكذلك الحال في وجود الإمام المهدي عليه السّلام.
    وثمة شيء آخر وهو ما يُثار بين فترة وأخرى وخلاصته : إنّ الإمامية تقول بعدم الفرق بين الرسول صلّى الله عليه وآله إلاّ من جهة الوحي ؛ لأن الغرض من وجود النبي صلّى الله عليه وآله هو نفسه في وجود الإمام ، وإن النبي قد تعرّض لأجل تبليغ الأحكام إلى ما تعرّض بخلاف الإمام المهدي عند
1 ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 220 / 182.
2 ـ سورة الأنفال : 8 / 33.


(313 )
د الشيعة الذي لم يتصدَّ لكل ذلك ، وإنّما غاب منذ نعومة أظفاره ولم يزل !
    والجواب نقضاً وحلاًّ :
    أما النفض : فأن النبي صلّى الله عليه وآله قد أخفى دعوته عن عامة الناس إلاّ الأقرب فالأقرب ، ولم يجاهر بها لمدّة ثلاث سنين (1) ، وهذا لا ينكره إلاّ مكابر ، وهو في كلتا الحالتين نبي مرسل.
    وأما الحل : فأن هذا قياس مع الفارق ؛ لمن الرسول صلّى الله عليه وآله مؤسس للدين فيجب عليه التبليغ والدعوة إلى نفسه ابتدأً بخلاف الإمام ، إذ لا يجب عليه تبليغ الأحكام ولا الدعوة لنفسه ، لمن الحجة تمّت على الناس بدعوة الرسول صلّى الله عليه وآله إليه ، فالواجب على الناس إذن أن يذهبوا إلى الإمام ويتفحّصوا عن معرفته وأخذ الأحكام منه.
    ففي الصحيح ، عن هشام بن سالم قال : « سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن قول الله تعالى : ( فاسألوا أهل الذكّر إن كنتم لا
1 ـ راجع : السيرة النبوية / ابن هشام 1 : 280 ، والسيرة النبوية / ابن كثير 1 : 427 ، والسيرة الحلبية/ ابن برهان الحلبي 1 : 283 ، والسيرة النبوية / دحلان 1 : 282 ( مطبوع بهامش السيرة الحلبية ) ، وتاريخ الطبري 1 : 541 ، والكامل في التاريخ / ابن الأثير 2 : 60 ، والبداية والنهاية / ابن كثير 3 : 37 ، وتاريخ الخميس م الدياربّكري 1 : 287 تحت عنوان : ( ذكر ما وقع في السنة الثانية والثالثة من إخفاء الدعوة ).
    وراجع أيضاً : سائر كتب التفسير في تفسيرها لسورة الحِجْر الآية 94 من قوله تعالى : ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عنِ المشركين ) ، وكذلك الآية 214 من سورة الشعراء ، من قوله تعالى : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ).


(314)
تعلمونَ
) (1) ، منهم ؟ قال عليه السّلام : نحن ، قال ، قلت : علينا أن نسألكم ؟ قال : نعم ، قال ، قلت : عليكم أن تجيبونا ؟ قال : ذلك إلينا » (2).
    وفي الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، مثله (3).
    وأما لو تخلّت الناس عن هذا الواجب ، وبقي الإمام وحده ، يخاف عدوه ، ويخشى فتكه ، فما المانع من تدخّل الله عزّوجلّ في غيبة ، باعتبارها السبب الأصلح الذي يحفظ الهدف الأسمى من وجوده ؟
    وبهذا نكون قد فرغنا من الإجابة ـ على آخر الشبهات المثارة حول العقيدة المهدوية الحقّة ، وبها تمّ البحث ، وقد وافق الفراغ منه يوم السبت الخامس والعشرين من شهر شوال 1424 هـ ، ذكرى شهادة الإمام الصادق عليه السّلام.
والحمدلله أولاًً وآخراً
وصلّى الله على نبينا محمد أشرف الأنبياء والمرسلين
وعلى آله الغرّ الهداة الأطهار الميامين

1 ـ سورة النحل : 16 / 43 ، وسورة الأنبياء : 21 / 7.
2 ـ بصائر الدرجات : 59 / 4 باب 19.
3 ـ بصائر الدرجات : 59 / 7 باب 19.


(315)
    اكتسبت غيبة الإمام المهدي عليه السّلام أهمية خاصة باعتبارها واحدة من أُمّهات المسائل الكبرى في تاريخ الفكر الشيعي ؛ لارتباطها العضوي بعقيدة النصّ والتعيين من جهة ، واتّصالها الوثيق بحياتنا المعاصرة من جهة أُخرى ، فضلاً عمّا تركته من مسائل تعبّدية محضة تقوم على أساس فكرة الانتظار ، مما انعكس هذا بطبيعته على سلوك المنتظر وتصرّفه ، واطّراد هذا على مجمل علاقاته بالفرد والمجتمع والدولة.
    ولثراء مفهوم الغيبة بحيث طفح على لسان الشريعة بشكل واضح ، حتى كُتبت مصنّفات كثيرة في الغيبة قبل أوانها. صار استجلاء عمقها ، وبيان أصالتها ومفروضاً في بحث كهذا ، الأمر الذي أدّى إلى رصد المنهج الذي استخدمه الإمام الصادق عليه السّلام في موضوع الغيبة قبل حدوثها على أرض الواقع ، وما سبق ذلك من محاولة إعادة تشكيل وعي الأمة من جديد ، وتعبئة أكبر ما يمكن من طاقات أفرادها للنهوض بمهمّة التغيير الكبرى ، على أثر ما حصل في ظل الدولتين ( الأمويّة ، والعباسيّة ) من انحراف خطير ، كان من جملته بروز دعاوى المهدوية الباطلة التي أدركها الإمام الصادق عليه السّلام وعاصر بعضها.
    ومن هنا قام الإمام الصادق عليه السّلام بمسؤليته ـ كإمام مفترض الطاعة ـ
غيبة الإمام المهدي ::: فهرس