غيبة الإمام المهدي ::: 316 ـ 318
(316)
خير قيام ، فبين أولاًً زيف تلك الدعاوى ، وقام بتمهيد المفهوم الصحيح للغيبة والغائب ؛ إذ وجد عليه السّلام من معنى غياب الإمام المهدي عليه السّلام عن السّاحة فجاة ـ ما لم يتم التّمهيد له وبشكل مكثّف ـ يعني تشتّت القاعدة أو تشر ذمها. فكان لابد من ترويض القاعدة على قبول الغيبة عند حدوثها. وهو ما قام به الإمام الصادق عليه السّلام وأوضحه بجلاء. وقد تبيّن هذا في البحث بنوع من التفصيل.
    ومن ثَمَّ ، فإن الإخبار عن الشيء قبل حدوثه كان ظاهرةً معروفة في عهود أهل البيت عليهم السّلام كافة ، ولم تكن ظاهرة جديدة في إخبارات الإمام الصادق عليه السّلام ، الأمر الذي تطلَّب منّا التعرض على إبطال ما قد يُدّعى من أن نسبة إخبار أولياء الله عزّوجلّ بالشيء قبل حدوثه إلى علم الغيب المنفي عن غير الله تعالى ، بمخالفة تلك النسبة لما هو عند جميع المسلمين ، زيادة على ما فيها من إنكار لشيء مادي ملموس ، وهو الكتب المؤلّفة في الغيبة قبل حصولها بزمان كثير. فضلاً عن كثرة شهادات المتقدمين من أعلام الإمامية ـ في الغيبة الصغرى أو بعدها ـ على وجود تلك الأخبار في الكتب المؤلّفة قبل زمان الغيبة بعشرات السنين ، زيادةً على نقل بعضهم من هذه الكتب ، وتسميتها ، وتسمية مؤلفيها صراحة ، وهو ما سجله البحث موثّقاً.
    كما برهن البحث على أن الإمام الصادق عليه السّلام لم يقتصر في التّمهيد لمفهوم الغيبة بما لا يمكن معه معرفة من هو الغائب بالتحديد ؛ كما قد يُدّعى من أحاديث الغيبة عند الإمام الصادق عليه السّلام قد اتّصفت بالإجمال ولم تشخص غائباً معيّناً !! وإنّما تناول عليه السّلام في عرض مكوّنات الوحدة


(317)
الموضوعية للغيبة مسائل شتى ، حتى صار معها الإجمال الوارد في بعض احاديثه عليه السّلام مختزناً للتفصيل ، وعاد في غنىً عما يوضّحه أنّ الخارج ؛ لوضوح عدم انطباق أيٍّ من تلك المكونات التي وُصِفت بالإجمال ـ كحديث الغيبتين وغيره ـ على شخص آخر غير الإمام الثاني عشر عليه السّلام.
    هذا فضلاً عمّا قام به الإمام الصادق عليه السّلام من دفع مضنّة الاختلاف في الإجمال في دلالته على شخص ، معين ، فثّبت أولاًً أصل القضية المهدية ، ثم بيّن حكم من انكر هذا الأصل ، واكد وقوع الغيبة بالامام الثاني عشر من اهل البيت عليهم السّلام ، وأمر بعدم إنكارها ، ونهى عن الانحراف في زمانها ، ولزوم التصديق بها ، ووجوب الثبات على الولاية في زمن الغيبة ، مع التصريح بوجود غيبتين للإمام المهدي عليه السّلام : قصيرة وطويلة ، والكشف عن حال الناس فيهما ووجوب الانتظار ، وتبيين من هو الغائب جملة وتفصيلا ، بالانطلاق من كونه من ذريّة رسول الله صلّى الله عليه وآله ، من ولد على وفاطمة عليهما السّلام ، ومنه التاسع من ولد الإمام الحسين عليهم السّلام ، وهو ثاني عشر الأئمّة عليهم السّلام ، ومن وُلْدِه ، من ذريّة ابنه موسى بن جعفر عليهما السّلام ، مع تأكيد كونه الخامس من ولد السابع ، والتصريح بخفاء ولادته ، وشك الناس فيها ، وألإشارة إلى ماسيجرى عليه من أقرب المقربين إليه ، وتشبيه ذلك بما جرى ليوسف الصدّيق عليه السّلام على يد أخوته ، ثم بيان هويّته الكاملة بكل دقة وتفصيل بذِكر اسمه الصريح ، وكنيته ، واسم أبيه ، وبين حسبه الزكي ، ونسبه الشريف.
    ولم تَفْتُ الإمام الصادق عليه السّلام الإجابة المحكمة على ما سيُثار ـ في


(318)
مستقبل الأيام ـ حول العقيدة المهدوية من شبهات وأوها ؛ ليعبِّر عليه السّلام بهذا عن حرصه البالغ على وصول هذه الحقيقة المهدوية إلى أجيال الأمة صافية ناصعة ، لتطلّ عليهم كالشمس في إشراقتها ، منذ أن وقف التاريخ على أعتاب قدسها ليشهد سنا نورها ، وإلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
    وهكذا استوعبت غيبة الإمام المهدي عند جَدّه الإمام الصادق عليهما السّلام الإجابة الشافية على جميع ما يحيط بها من تساؤلات ؛ إذ لم يدع عليه السّلام ملحظاً كليّاً أو جزئيّاً في قضيّة الغيبة والغائب إلاّ وقد تعرّض لبيانه بكل دقة وتفصيل ، ولم يذر عليه السّلام نقطة استفهام واحدة حول هذا الموضوع بلا جواب محكم. الأمر الذي قام عليه البحث وبرهن عليه في فصوله السابقة.
غيبة الإمام المهدي ::: فهرس