|
|||
(151)
جاء فيه : « ... وانجز لوليّك ، وابن نبيك ـ الداعي إليك بإذنك ، وأمينك في خلقك ، وعينك في عبادك ، وحجّتك على خلقك ، عليه صلواتك وبركاتك ـ وعده.اللهم أيّده بنصرك ، وعجّل فرجه ، وأمكنه عن أعدائك وأعداء رسولك يا أرحم الراحمين.
قال ، قلت : أليس قد دعوت لنفسك جُعلت فداك ؟ قال عليه السّلام : قد دعوت لنور آل محمد صلّى الله عليه وآله ، وسائقهم والمنتقم بأمر الله من أعدائهم ... » (1). ومنه أيضاًً ما رواه حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، وقد دخلت عليه الليلة الحادية والعشرون من شهر رمضان المبارك. وقد روى لنا حمّاد ما فعله الإمام الصادق عليه السّلام من عبادات في تلك الليلة الشريفة ، ومنها دعاء الإمام عليه السّلام في سجوده : « لا إله إلاّ انت مقلّب القلوب والابصار ـ إلى من قال عليه السّلام ـ وأسالك بجميع ما سألتك ومالم أسألك من عظيم جلالك ما لو علمته لسألتك به ، أن تصلي على محمد وأهل بيته ، وأن تأذن لفرج من بفرجه فرج أوليائك وأصفيائك من خلقك ، وبه تبيد الظالمين وتهلكهم ، عجّل ذلك يا ربّ العالمين. قال : فلمّا رفع رأسه عليه السّلام ، قلت جعلت فداك سمعتك وأنت تدعو بفرج من بفرجه فرج أصفيا الله واوليائه ، أولست أنت هو ؟ قال : عليه السّلام : لا ، ذاك قائم آل محمد عليهم السّلام » (2). 1 ـ فلاح السائل / السيد بن طاوس : 309 / 209. 2 ـ اقبال الاعمّال / السيد ابن طاوس : 490 ـ 492 في أدعية اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان. (152)
هـ ـ الدعاء للمهدي بكل خير وتمني رؤيته عليه السّلام :
كما في دعاء العهد ، من قول الإمام الصادق عليه السّلام : « اللهم أرني الطلعة الرشيدة ، والغرّة الحميدة ، وأكحل ناظريّ بنظرة مني إليه ، وعجّل فرجه وسهّل مخرجه ، واوسع منهجه ، واسلك بي محجّته ، وانفذ أمره ، واشدد أزره ، وقوّ ظهره ، وعمّر اللهم به بلادك ، وأحيي به عادك ، فإنّك قلت وقولك الحقّ ( ظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناس ) (1). فاظهر اللهم لنا وليك ، وابن وليك ، وابن بنت نبيك المسمى باسم رسولك صلواتك عليه وآله في الدنيا والآخرة ، حتى لا يظفر بشيء من الباطل إلاّ مزّقه ، ويحقّ الحق ويحقّقه ، واجعله اللهم مفزعاً لمظلوم عبادك ، وناصراً لمن لايجد له ناصراً غيرك ، ومجدّداً لما عُطّل من أحكام كتابك ، ومشيّداً لما ورد من أعلام دينك وسنن نبيك صلّى الله عليه وآله. واجعله اللهم ممن حصّنته من بأس المعتدين. اللهم وسرّ نبيك محمد صلّى الله عليه وآله برؤيته ، ومن تبعه على دعوته ، وارحم استكانتنا بعده. اللهم اكشف هذه الغمّة عن هذه الأمة بحضوره ، وعجّل لنا ظهوره ( إنّهم يرونهُ بعيداً ، ونراهُ قريباً ) (2) برحمتك يا أرحم الراحمين » (3). 1 ـ سورة الروم : 30 / 41. 2 ـ سورة المعارج : 70 / 6 ـ 7. 3 ـ زاد المعاد / المجلسي : 223. (153)
و ـ الدعاء لنيل شرف خدمة الإمام المهدي عليه السّلام ونصرته :
كما في دعاء العهد الشريف المروي عن الصادق عليه السّلام : « .. اللهم اجعلنى من أنصاره ، وأعوانه ، والذابين عنه ، والمسارعين في قضاء حوائجه ، والتابعين إلى إرادته ، والمستشهدين بين يديه .. » (1). ومن الواضح أنّ ما يعنيه التاكيد والحثّ على انتظار الغائب ، هو بقاء الإمام الغائب حياًّ في غيبته كسائر الأحياء ، وفي هذا ما يتضمّن الردّ ـ على من قال كما مرّ في فصول البحث ـ : مات ، أو هلك ، في أيّ وادٍ سلك ! رابعاًً ـ الكشف عن حال الناس في زمان الغيبة لاخذ العِظة والعبرة : حاول الإمام الصادق عليه السّلام إزاحة الستار عن الغيب ؛ لينبئ عمّا سيكون بعد أكثر من مائة عام ، وحينئذ لابد ومن يذكر عليه السّلام شيئاً يتصل بهوية الإمام المهدي عليه السّلام ؛ لارتباط الأحداث المقبلة بولادته وغيبته عليه السّلام نظير ضلال أكثر الخلق بغيبته ، وارتياب المبطلين فيها ، وتمييز أهل الضلالة في ذلك الحين لتجنّبهم ، وما سيقوم الجهلاء حينئذ لكي لا يصغى إليهم ، وتأكيد شك المعرضين وأمثالهم بولادته وغيبته ، لئلا تتأثّر الأمة بمدعياتهم ، مع بيان الوسيلة المثلى التي ينبغي مراعاتها بغية الخلاص مما سيقع فيه الكثيرون ، وهي الدعاء الذي ما عبد الله بمثله. 1 ـ عن أبي بصير ، عن الإمام الصادق ، عن آبائه عليهم السّلام ، عن 1 ـ زاد المعاد / المجلسي : 223. (154)
رسول الله صلّى الله عليه وآله : قال : « المهدي من ولدي ، اسمه اسمي وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خَلْقاً وخُلُقاً ، تكون له غيبة وحيرة حتى تضلّ الخلق عن أديانهم ، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب ، فيملأها قسطاًً وعدلاً كما ملئت ظلماًً وجوراًً » (1).
2 ـ وعن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : « سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهما السّلام يقول : إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها ، يرتاب فيها كل مبطل ... » (2). 3 ـ وعن فرات بن الأحنف ، عن الإمام الصادق عليه السّلام في حديث عن امير المؤمنين عليه السّلام جاء فيه : « ... وليبعثنّ الله رجلاًً من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا ، وليغيبنّ عنهم تمييزاً لأهل الضّلالة ، حتى يقول الجاهل : ما لله في آل محمد صلّى الله عليه وآله من حاجة » (3). 4 ـ وعن زرارة ، عن الإمام الصادق عليه السّلام قال : « لابد للغلام من غيبة ، قلت : ولِمَ ؟ قال : يخاف ـ وأومأ بيده إلى بطنه ـ وهو المنتظر ، وهو الذي 1 ـ اكمال الدين 1 : 287 م 4 باب 25 ، وإعلام الورى / الطبرسي 2 : 226 الفصل الثاني ، وينبيع المودة 3 : 396 ـ 397 / 49 باب 94. 2 ـ علل الشرائع / الشيخ الصدوق 1 : 245 ـ 246 / 8 باب 179 ، وإكمال الدين 2 : 481 ـ 482 / 11 باب 44 ، والخرائج والجرائح / القطب الراوندي 2 : 303 ، والاحتجاج / الطبرسي 2 : 955 ـ 956 ، والصراط المستقيم / البياضي 2 : 237. 3 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 140 ـ 141 / 1 باب 10. (155)
يشكّ الناس في ولادته ، فمنهم من يقول : حملٌ ، ومنهم من يقول : مات أبوه ولم يخلف ، ومنهم من يقول : ولد قبل موت أبيه بسنتين ، قال زرارة : فقلت : وما تأمرني لو أدركت ذلك الزمان ؟ قال : ادع الله بهذا الدعاء : ( اللهم عرّفني نفسك ، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرفك ، اللهم عرّفني نبيك ، فإنّك إن لم تعرّفني نبيك لم اعرفه قطّ ، اللهم عرّفني حجّتك ، فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني ) » .
وقد سُمع هذا الحديث قبل حلول الغيبة الصغرى بنحو خمسين عاماً ، وقد جاء التصريح بهذا في ذيل الحديث من الكافي (1). وقد تحقّق هذا الحديث بعد وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السّلام ، إذ جاء في الخبر الصحيح الثابت من طرق عديدة ما فعله الحاكم العباسي ، وما تنطّع وبه جلاوزته وأعوانه. وفي الحديث تكذيب صريح لجميع تلك الاقوال حيث لم يكن المهدي عليه السّلام في ذلك الوقت ( حَمْلاً ) ، بل كان ابن خمس سنين ، كما هو الثابت من تاريخ ولادته المشرّفة. وفي هذا الحديث أيضاًً رد لمن قال بانّه ولد قبل موت أبيه بسنتين. وجواب شاف على مزاعم المتخرصين الذين أنكروا ولادته وغيبته وإمامته عليه السّلام. 1 ـ أصول الكافي / الكليني 1 : 342 / 29 باب في الغيبة. (156)
وتعريف بالمبطلين الذين ارتابوا ، فاتّبعوا الشبهات الواهية ، ويتمسكوا بعرى الدين الوثيقة.
(157)
أولاًًً ـ عُلل الغيبة :
تضمّنت الأحاديث الواردة عن الإمام الصادق في ولده الإمام المهدي عليه السّلام سؤال بعض الأصحاب عن أسباب الغيبة وعللها ، ومن خلال الإجابة على اسئلتهم يتضح من للغيبة عللا ظاهرة واُخرى لم ينكشف وجهها ، وبالرجوع إلى ما وقفنا عليه من تلك الأحاديث سواء التي سُئل فيها الإمام عن علة الغيبة ، أو التي جاءت على لسانه الشريف من غير سؤال ، وجدنا العلل الآتية : العّلة الاُولى ـ الخوف من القتل : وهذه هي العلة الظاهرة التي أيّدتها الاحاديث التاريخية بكل قوة ؛ إذ تواترت الاخبار على معنى واحد ، خلاصته معرفة السلطة العباسيّة بمن الإمام الثاني عشر عليه السّلام يمثل الخطر الأكيد على وجودهم ، ومن هنا كانوا يترقبون انتظار ولادته على حذر شديد ، الأمر الّذي يفسر لنا محاولة (158)
الإمام العسكري عليه السّلام اخفاء ولادة ولده المهدي الموعود عليه السّلام عن عامة الناس إلاّ الاقرب فالأقرب.
وقد صحّ الخبر ـ ومن طرق شتى ـ بما فعله الحاكم العباسي بعد وفاة الإمام العسكري عليه السّلام ورواه الشيعة كلهم ، ويكفي أنه وكل القوابل على نساء الإمام العسكري عليه السّلام وإمائه بعد وفاته ليفتشهن ، كل ذلك لأجل الفتك بالإمام الثاني عشر عليه السّلام وإن كان حملاً.!! فالخوف من القتل كسبب من أسباب الغيبة لا نقاش فيه أصلا من الناحية التاريخية ، ومع هذا فقد جاء الخبر عن إمامنا الصادق عليه السّلام بذلك قبل حدوثه. 1 ـ عن إبان بن عثمان وغيره ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لابد للغلام من غيبة ، فقيل له : ولِمَ يا رسول الله ؟ قال صلّى الله عليه وآله : يخاف القتل » (1). 2 ـ وعن زرارة ، عن الإمام الصادق عليه السّلام منه قال : « إن للقائم غيبة قبل أن يقوم ، قلت : ولِمَ ؟ قال : إنّه يخاف ، وأومأ بيده إلى بطنه ، يعني : ألقتل » (2). وسيأتي عن الإمام الصادق عليه السّلام ما يبين هذه العلة في الغيبة ، وذلك من خلال تأكيده على من في الإمام المهدي عليه السّلام سنة من الأنبياء السابقين. ومن جملتها : سنة من موسى خائفا يترقّب والذي حكاه القرآن الكريم على 1 ـ علل الشرائع 1 : 243 / 1 باب 179. 2 ـ اصول الكافي 1 : 338 / 9 و 1 : 340 / 18 ، و 1 : 342 / 29 ، باب في الغيبة. (159)
لسان موسى عليه السّلام أنه حين ما فرّ من قومه وغاب عنهم زماناً ، ثم عاد ـ بعد حين ـ إليهم ، خاطبهم قائلاً : ( ففررتُ منكم لمَّا خفتكمْ فوهَبَ لي ربِّي حكماً وجعلني من المرسلينَ ) (1).
فكذلك حال إمامنا المهدي ـ أرواحنا فداه ـ فيم سيخاطب به الناس بعد انتهاء أمد غيبته موضحاً لهم علّتها ؛ وقد جاء عن الإمام الصادق عليه السّلام ما هو صريح بورود هذه العلة على لسان الإمام المهدي عليه السّلام في ما سيتلوه من كتاب الله تعالى عند ظهوره الشريف. عن المفضل بن عمر ، عن ابي عبد الله عليه السّلام ، قال : « إذا قام القائم عليه السّلام تلا هذه الآية : ( ففررتُ منكم لمّا خفتكم ) » (2). العلة الثانية ـ لكي لا تكون في عنق المهدي عليه السّلام بيعة لأحد : وهي ما رواه أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السّلام وغيره ، قال : « صاحب هذا الأمر تعمى ولادته على الخلق ؛ لئلا يكون في عنقه بيعة إذا خرج » (3). ففي هذا الحديث الصريح بخفاء الولادة إشارة إلى أن المهدي عليه السّلام سوف لن يكون متعبداً بالتقيّة ، وإنّما الفرض عليه إقامة دولة الحق بالسيف ، في حين أن فرض الجهاد ، ومنابذة الاعداء والخروج بالسيف على الظالم ، والقيام بالحرب لم يكن فرض أكثر الأئمة الأطهار من آباء المهدي عليه السّلام ، 1 ـ سورة الشعراء : 26 / 21. 2 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 174 / 11 باب / 10. 3 ـ اكمال الدين 2 : 479 ـ 480 / 1 و 5 باب 44. (160)
ولهذا ورد بسندٍ صحيح عن الإمام الحجة عليه السّلام قوله ـ جواباًً على ما سأله أحمد بن إسحاق ـ : « ... وأما علة ما وقع من الغيبة ، فإنّ الله عزّوجلّ يقول : ( يا ايها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسوكم ) (1). إنّه لم يكن أحد من آبائي إلاّ وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي » (2).
وهذا يعني انتفاء أي التزام بعهد أو ميثاق أو بيعة للإمام المهدي عليه السّلام مع الحاكم المستبد ، وإلاّ رجع الأمر إلى مواجهة الطغاة ، والعودة إلى علة الخوف من القتل ، حيث لم يكن فرض الإمام المنقذ هو التقية. ويؤيده ما رواه سورة بن كليب ، عن الإمام الصادق عليه السّلام في حديث جاء فيه : « ... فإذا قام قائمنا سقطت التقية ، وجرّد السيف ، ولم يأخذ من الناس ولم يعطهم إلاّ السيف » (3). العلة الثالثة ـ السنن التاريخية : ويراد بتلك السنن أن ما جرى على الامم السابقة لابد وأن يجري على هذه الأمة أيضاًًً ، وقد حفلت كتب الصحاح الستة عند العامّة وغيرها 1 ـ سورة المائدة : 5 / 101. 2 ـ إكمال الدين 2 : 483 / 4 باب 45 ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 292 / 247 ، والخرائج والجرائح 3 : 1113 ، والاحتجاج 2 : 469 ، وإعلام الورى : 452 فصل 3 : كلهم في ذكر التوقيعات الواردة من جهته عليه السّلام. 3 ـ تأويل الآيات / الاسترآبادي 2 : 539 ـ 540 / 13 في تأويل الآية 34 من سورة فصّلت الشريفة. (161)
بأحاديث كثيرة في هذا المعنى لاحاجة لنا بها ، وأما في خصوص الإمام المهدي عليه السّلام فقد مرّ أن سنناً من الأنبياء عليهم السّلام في غيباتهم ، وهي لابد وأن تتحقق فيه عليه السّلام.
ويدل على ماقلناه ، ما رواه سدير الصيرفي عن الإمام الصادق عليه السّلام ، قال : « إنّ للقائم منا غيبة يطول أمدها ، قال : فقلت له : يا ابن رسول الله ! ولم ذلك ؟ قال : لأنّ الله عزّوجلّ أبى إلاّ أن تجري فيه سنن ألأنبياء : في غيباتهم ، وأنه لابد له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم ، قال الله تعالى : ( لتركبنّ طبقا عن طبق ) (1) أي : سنن من كان قبلكم » (2). وأما عن سبب جريان تلك السنن في الإمام المهدي عليه السّلام فعلمه عند الله عزّوجلّ. العلة الرابعة ـ وهي علة خافية لم يؤذن بكشفها : ويؤيد ذلك ما رواه عبد الله بن الفضل الهاشمي ، عن الإمام الصادق عليه السّلام ، قال : « إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها ، يرتاب فيها كل مبطلٍ ، فقلت : ولم جعلت فداك ؟ قال : لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم ؟ قلت : فما وجه الحكمة في غيبته ؟ قال : وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره ، إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره ، كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر عليه السّلام من خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وإقامة الجدار لموسى عليه السّلام 1 ـ سورة الانشقاق : 84 / 19. 2 ـ علل الشرائع / الشيخ الصدوق 1 : 245 / 7 باب 179 باب علة الغيبة ، واكمال الدين 2 : 480 ـ 481 / 6 باب 44. (162)
إلى وقت افتراقهما. يا ابن الفضل ! إنّ هذا الأمر أمر من ( أمر ) الله تعالى ، وسرٌّ من سرّ الله ، وغيب من غيب الله ، ومتى علمنا أنه عزّوجلّ حكيم صدّقنا بمن أفعاله كلها حكمة ، وإن كان وجهها غير منكشف » (1).
لقد فرّق هذا الحديث بين علة الغيبة ، ووجه الحكمة في غيبة الإمام عليه السّلام أما العلة ، فقد علّمها الله تعالى لأوليائه ، غير أنه عزّوجلّ لم يؤذن لهم في كشفها ، وبهذا يتبيّن اشتباه بعضم في جعل تلك العلة الخافية علينا من أسرار الله عزّوجلّ التي لم يطلع عليها أحداً من أوليائه عليهم السّلام ! والصحيح منه سبحانه استأثر بوجه الحكمة في غيبة الإمام ، ولم يستأثر بالعلة نفسها كما هو صريح هذا الحديث الشريف. ثانياًً ـ أحاديث التمحيص والاختبار وبيان فلسفتها : أحاديث التمحيص والاختبار : تعدّ مسألة تمحيص الناس واختبارهم في زمان الإمام المهدي عليه السّلام مسألة متواترة عن الإمام الصادق عليه السّلام فحسب ، فقد رواها عنه أبان ابن تغلب ، وأبو بصير ، والربيع بن محمد المسلّي ، وزرارة ، وسدير الصيرفي ، وعبد الله بن الفضل الهاشمي ، وعبد الله بن يعفور ، وعبد الرحمن بن سيابة ، وفرات بن الأحنف ، والمفضّل بن عمر ، ومهزم بن أبي برده الأسدي ، وأخرجها محدثو الشيعة ، عن هؤلاء ، عن الإمام عليه السّلام من طرق شتى فيما 1 ـ إكمال الدين 2 : 481 ـ 482 / 11 باب 44 ، وعلل الشرائع 1 : 245 ـ 246 / 8 باب 179 باب علة الغيبة. (163)
تتبعناه وسنكتفي ببعض منها ، كالآتي :
1 ـ عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام منه قال : « مع القائم عليه السّلام من العرب شيء يسير ، فقيل له : إنّ من يصف هذا الأمر منهم لكثير ! قال : لابد للناس من أن يمحّصوا ، ويميّزوا ، ويغربلوا ، وسيخرج من الغربال خلق كثير » (1). والذي قال للإمام عليه السّلام ذلك هو عبد الله بن يعفور كما هو صريح روايات اُخرى (2). 2 ـ وعن عبدالرحمن بن سيابة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : « كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ولا علم ( يرى ) يتبرّأ بعضكم من بعض ، فعند ذلك تُميّزون وتُمحصّون وتُغربلون .. » (3). 3 ـ وعن مهزم بن أبي بردة الأسلمي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : « والله لَتُكسَّرنَّ تكسّر الزجاج وإنّ الزجاج ليعود فيعاد ، والله لَتُكسّرُنَّ تكسّر الفخار فإنّ الفخار ليتكسّر فلا يعود كما كان ، والله لَتُغَربُلنّ ، والله لتميّزن ، والله لتمحّصن ، حتى لايبقى منكم إلاّ الأقل ، وصعّر كفّه » (4). وأخرج الشيخ الطوسي عن الربيع بن محمد المسلّي ، عن الإمام 1 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 204 / 6 باب 12. 2 ـ كتاب الغيبة / النعماني 204 ـ 205 / 7 من الباب السابق. 3 ـ إكمال الدين 2 : 347 ـ 348 / 36 باب 33. 4 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 207 / 13 باب 12. (164)
الصادق عليه السّلام ؛ نحوه (1).
4 ـ وعن المفضّل بن عمر ، عن الإمام الصادق عليه السّلام قال : « أما والله ليغيبنّ إمامكم سنين من دهركم ، ولتمحّصن حتى يقال : مات أو هلك ، بإي وادٍ سلك ... » (2). فلسفة التمحيص والاختبار : تكشف الأحاديث الاربعة المتقدمة وغيرها من الاحديث الأخرى الواردة في موضوعها عن التخطيط الالهي المقتضي لامتحان المسلمين واختبارهم في غيبة إمام الزمان عليه السّلام ، لمن الغيبة لا سيّما إذا كانت طويلة وزائدة على عمر الإنسان الطبيعي بعشرات المرّات ، ستورث الشكّ في النفوس الضعيفة في بقاء صاحب الغيبة حيّاً طوال تلك الفترة ، وقد يؤول هذا الشكّ إلى الطعن باستمرار وجوده الشريف ! والمراد بالتمحيص : التفية بأخذ الشيء الحيد وابعاد الشيء الردي. وبالتمييز : التفرقة بين شيئين بموجب خصائص معينة ، والمراد هنا معرفة الناس على حقيقتها بالاختبار. وبالغربلة : نخل الشيء بالغربال. وفي حديث الإمام الباقر عليه السّلام : « والله لتميّزنّ ، والله لتمحّصنّ ، والله 1 ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 340 / 289. 2 ـ كتاب الغيبة / النعماني 204 / 6 من الباب السابق. (165)
لتغربلنّ كما يغربل الزوان من القمح » (1).
والزوان : حبوب صغيرة تختلط بالحنطة وتكون على شكلها ولكنها ليست منها ، فانظر إلى دقة التمثيل وروعته ، فكما تخرج الزوان عن القمح بالغربال فكذلك يخرج ضعفاء الإيمان بقانون التمحيص ، وغربالهم ليس إلاّ الظروف الصعبة التي يمر بها الإنسان في حياته ، وما تحيط بتلك الحياة من مصالح ضيقة وشهوات ومغريات. وقول الإمام الصادق عليه السّلام : « وسيخرج من الغربال خلق كثير » ليس اعتباطاً إذن ، وإنّما هو يحكي عن حقيقة ثابتة نطق بها القرآن الكريم بذم الكثرة ومدح القلة في كثير من الآيات البينات : ( وكثير منهم فاسقون ) (2) ( وما آمن معه إلاّ قليل ) (3). وكل هذا يشير إلى أن أكثر البشر يتبعون الباطل ، وينحرفون مع الشهوات ، ويندفعون تجاه مصاليهم ، حتى ليكونوا عونا للظالمين ، ويدا لهم ، وفي مقابل هذا تبقى في نتيجة الامتحان والتمييز والتمحيص الطويل ثلة لا يضرها من ناوأها حتى يقاتل آخرها الدجال ؛ لأنهم يمثلون الحق صرفاً الذي لا باطل معه أصلاً. ونظرة واحدة إلى القرآن الكريم تكشف آن قانون التمحيص الالهي لم 1 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 205 / 8 من الباب السابق. 2 ـ سورة الحديد : 57 / 16. 3 ـ سورة هود : 11 / 40. |
|||
|