غيبة الإمام المهدي ::: 181 ـ 195
(181)
لكثير : لقيت كعب الأحبار ؟ قال : لا ، قيل : فلم قلت : خبرناه كعبُ ... ؟ قال : بالوهم » ! (1).
    ومن جملتهم أيضاًًً السيد الحميري ، وهو من مشاهير الكيسانية قبل لقائه بالإمام الصادق عليه السّلام ، ومعرفة الحقيقة منه وقد كانت له قصائد كثيرة يذكر فيها مهدوية ابن الحنفية ، منها ما ذكره المسعودي :
يا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى حتى متى ؟ وإلى متى ؟ وكم المدى ؟ وبنا إليه من الصبابة أولق يا ابن الوصي وأنت حيّ ترزق (2)

    لقاء السيد الحميري الكيساني بالإمام الصادق عليه السّلام :
    شاءت الأقدار أن يلتقي السيد الحميري بالإمام الصادق عليه السّلام ، مما كان لهذا اللقاء أثره الفعّال في تغيير السيد الحميري عقيدته الكيسانية ورجوعه من القول بإمامة ومهدوية محمد بن الحنفية رضى الله عنه ، إلى الحق واعتقاده مذهب الإمامية ، وهو ما صرّح به ابن المعتز في طبقاًت الشعراء (3) ، والمرزباني في أخبار السيد (4) ، والشيخ الصدوق (5) ، والشيخ المفيد (6) ، والشيخ الطوسي (7)
1 ـ تهذيب الكمال 26 : 150 / 5484.
2 ـ مروج الذهب / المسعودي 3 : 88.
3 ـ طبقاًت الشعراء / ابن المعتز : 22 ـ 36.
4 ـ أخبار السيد / المرزباني : 164.
5 ـ إكمال الدين 1 : 32 ـ 35 من المقدمة.
6 ـ الفصول المختارة : 241 ، والإرشاد 2 : 206.
7 ـ أمالي الشيخ الطوسي : 627 / 1293 ، المجلس رقم / 30.


(182)
وابن شهر آشوب (1) ، والاربلي (2) ، وغيرهم ممن ترجم للسيد الحميري رضى الله عنه.
    وهكذا أصبح السيد ـ بفضل هدايته على يد الإمام الصادق عليه السّلام ـ من شعراء أهل البيت المجاهرين بولايتهم من الطبقة الأولى ، حتى وصفه علماء الشيعة بالمعظم (3) ، ولهذا قال ابن عبد ربّه الأندلسي الأموي : « ومن الروافض ، السيد الحميرى ، وكان يلقى له وسائد في مسجد الكوفة يجلس عليها ، وكان يؤمن بالرجعة » (4).

    السيد الحميري يودع كيسانيته ويتعرف على هوية الإمام المهدي عليه السّلام :
    لقد اعترف السيد الحميري بدور الإمام الصادق عليه السّلام وفضله في إزاحة شبهة الكيسانية عنه ، وهو ما حكاه لنا الشيخ الصدوق بقوله :
     « فلم يزل السيد ضالاً في أمر الغيبة يعتقدها في محمد بن الحنفية حتى لقي الصادق جعفر بن محمد عليهما السّلام ، ورأى منه علامات الإمامة ، وشاهد فيه دلالات الوصية ، فسأله عن الغيبة ، فذكر له منها حقّ ، ولكنها تقع في الثاني عشر من الأئمة عليهم السّلام ، وأخبره بموت محمد بن الحنفية ، وإن أباه
1 ـ المناقب / ابن شهر آشوب 3 : 528.
2 ـ كشف الغمّة 2 : 40.
3 ـ وصفه بهذا الوصف ابن داود الحلّي في رجالة : 59 / 193 ، وقال العلّامة في الخلاصة : 57 / 50 : « إسماعيل بن محمد الحميرى ، ثقة ، جليل القدر ، عظيم الشمن والمنزلة ، رحمه الله » .
4 ـ العقد الفريد / ابن عبد ربه الاندلسي الاموي 4 : 122.


(183)
ـ يعني : الإمام الباقر عليه السّلام ـ شاهد دفنه ، فرجع السيد عن مقالته واستغفر من اعتقاده ، ورجع إلى الحق عند اتضاحه له ، ودان بالإمامة.
    ثم أخرج الصدوق ـ بعد كلامه هذا ـ بسنده عن السيد الحميري قوله : كنت أقول بالغلوّ وأعتقد غيبة محمد بن عليٍّ ـ ابن الحنفيّة ـ قد ضللت في ذلك زماناً ، فمنَّ الله عليَّ بالصادق جعفر بن محمد عليهما السّلام وأنقذني به من النّار ، وهداني إلى سواء الصراط ، فسألته بعد ما صحّ عندي بالدَّلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله على وعلى جميع أهل زمانه وأنه الإمام الذي فرض الله طاعته وأوجب الاقتداء به ، فقلت له : يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السّلام في الغيبة وصية كونها فأخبرني بمن تقع ؟ فقال عليه السّلام : إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله أوَّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام وآخرهم القائم بالحق بقيّة الله في الأرض وصاحب الزّمان ، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماًًً. قال السيد : فلمّا سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمد عليهما السّلام تبت إلى الله تعالى ذكره على يديه » .

    مع قصيدة السيد الحميري التي سجل فيها اعترافه بالحق :
    قال السيد رحمه الله بعد كلامه السابق مباشرةً وبلا فصل ـ وهو من تتمة رواية الشيخ الصدوق ـ مالفظه : « وقلت قصيدتي التي أولها :


(184)
فلمّا رأيت الناس في الدِّين قد غووا تجعفرت باسم الله فيمن تجعفروا
    ـ إلى أن قال ـ إلى آخر القصيدة ، وقلت بعد ذلك قصيتدة اُخرى :
1 أيا راكباً نحو المدينة جسرة 2 إذا ما هداك الله عاينت جعفراً 3 ألا يا أمين الله وابن أمينه 4 إليك من الأمر الذي كنت مطنباً 5 وما كان قولى في ابن خولة مطنباً 6 ولكن روينا عن وصيِّ محمد 7 بمنَ وليَّ الأمر يفقد لا يُرى 8 فتقسم أموال الفقيد كمنما 9 فيمكث حيناً ثمَ يشرق شخصه 10 يسير بنصر الله من بيت ربّه 11 يسير إلى أعدائه بلوائه 12 فلمّا رُوي منَ ابن خولة غائب 13 وقلنا هو المهديُ والقائم الذي 14 فإن قلت لا فالحقُ قولك والذي 15 وأشهد ربّي من قولك حجة عذافرة يطوي بها كل سبسب فقل لوليِّ الله وابن المهذَّب أتوب إلى الرَّحمن ثمَ تأوَّبي أحارب فيه جاهداً كلَ معرب معاندة منّي لنسل المطيّب وماكان فيما قال بالمتكذِّب ستيراً كفعل الخائف المترقّب تغيّبه بين الصفيح المنصّب مضيئاً بنور العدل اشراق كوكب على سؤدد منه وأمر مسبّب فيقتلهم قتلاً كحرَّان مغضب صرفنا إليه قولنا لم نكذِب يعيش به من عدله كلُ مجدب أمرت فحتمٌ غير ما متعصّب على الناس طرًّا من مطيع ومذنب


(185)
16 بمنَ وليَّ الأمر والقائم الذي 17 له غيبة لا بدّ من أن يغيبها 18 فيمكث حيناً ثمَ يظهر حينه 19 بذاك أدين الله سرّاً وجهرة تطلّع نفسي نحوه بتطرُّب فصلّى عليه الله من متغيّب فميلك من في شرقها والمغرب ولست وإن عوتبت فيه بمعتب » (1)
    الكشف عمّا في قصيدة السيد الحميري من دلالات :
    لا بأس بمتابعة قصيدته والكشف ـ باختصار ـ عمّا في أبياتها من دلالة كالآتي :
    البيت الثاني والثالث : فيهما تصريح باعتقاد السيد الحميري بأن الإمام الصادق عليه السَّلام هو ولي الله في زمانه وأمين الله على وحيه وابن أمينه.
    الرابع والخامس : فيهما تصريح بالتوبة من الاعتقاد القديم بمهدوية ابن الحنفية.
    السادس : في بيان سبب اعتقاده القديم الفاسد وهو تطبيق الروايات الواردة في المهدي وغيبته عن الوصي ويعني به أمير المؤمنين عليه السَّلام على غير موردها الحقيقي ومصداقها الواقعي.
    السابع : يدلُّ على أن الوصي عليهِ السَّلام بشأن المهدي هو غيبته ( يفقد لا يرى ) وأن سببها الخوف ( ستيراً كفعل الخائف المترقّب ) وهذا هو المؤيّد بروايات كثيرة عن الإمام الصادق عليه السَّلام كما مرّ مفصلاً في هذا
1 ـ إكمال الدين وإتمام النعمة : 1 : 32 ـ 35 من المقدّمة.

(186)
البحث.
    الثامن : يشير إلى أن المروي عن الوصي عليه السّلام صريح بتقسيم أموال الإمام المهدي عليه السّلام وهو حي « فتقسم أموال الفقيد » أي الغائب الحيّ الموجود وهو ما حصل فعلاً لإمامنا المهدي من أزلام السلطة العباسية وأذنابها في حديث طويل رواه الشيعة برمّتهم وصحّ لديهم من عدّة طرق.
    التاسع والعاشر والحادي عشر : في خصوص كون المروي عن الوصي في المهدي عليه السّلام ، هو أنه لابدَّ وأن يغيب حيناً من الدهر ، ثم يكون ظهوره في مكّة المكرّمة ، وأن الله تعالى سيمكنّه من أعدائه جميعاًً ، وهذا هو ما نقوله ونعتقده طبقاًً للمتواتر من الأخبار.
    الثاني عشر إلى الخامس عشر : في الكشف عن عقيدته السابقة بمهدوية ابن الحنفية رضى الله عنه ، وإعلان رجوعه عنها ، واعتقاده الحق بفضل الإمام الصادق عليه السّلام ، ويتضمّن الاخير اعتقاده بأن امامة الإمام الصادق عليه السّلام من الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وآله ، وأنه معصوم من الخطأ والزلل ، وإلاّ فما معنى ان يشهد الله تعالى على أن الصادق عليه السّلام حجة الله على سائر الخلق ؟ وكيف يختار الله تعالى حجته على عباده ولايكون معصوما ؟
    وما يقال بان الشعر عامّةً ليس حجة ، فهو كذلك ، ولكن الأمر مختلف هاهنا ، فالأبيات تتلى على مسامع الإمام عليه السّلام ولو كان فيها أدنى زلل لنبّه عليه الإمام الصادق عليه السّلام
    السادس عشر إلى التاسع عشر : صريحة بلا بدية غيبة ولي الأمر الإمام


(187)
القائم المهدي عليه السّلام ، وأنه لابدّ من ظهوره عليه السّلام بعد انتهاء أمد غيبته ، وحينئذٍ سيتحقّق حلم الأنبياء عليهم السّلام جميعاًً بإقامة ودولة الحق العظمى في جميع الأرض على يده الشريفة ، وفي الأخير إعلان بتمسّك السيد الحميرى بهذا الدين الحق ، وإنه لا يخشي فيه لومة لائم.
    كما أن أجواءِ القصدية وأبياتها تكشف عن أن احاديث غيبة الإمام المهدي عليه السّلام الواصلة إلينا لم تكن قط من صنع أية حركة أو طائفة ، ولا هي من صنع متكلمي الشيعة في القرنين الثالث والرابع الهجريين كما يفتري بذلك بعض المهرجين ، وإنما هي ـ في حدود أجواء القصيدة فقط ـ من اخبار أهل البيت عليهم السّلام منذ عهد أمير المؤمنين الإمام علي عليه السّلام وصولاًً إلى الإمام الصادق عليه السّلام ، فضلاً عمّا في غيرها وهو كثير.
    كما تكشف أجواء القصيدة أيضاًً عن دور الإمام الصادق عليه السّلام في التصدّي الحازم لمزاعم المهدوية كالكيسانية ، وبثه الوعي اللازم تجاه العقيدة المهدوية الصحيحة ، مع استغلال كل فرضة سانحة لغرس مبادي الدين النقية التي تقوم عليها نظرية الحكم في الاسلام كما يفهم من تقرير الإمام عليه السّلام لمفردات تللك القصيدة الرائعة التي جاءت زاخرة بفكر الإمامة ومفعمة بعقيدة النص والتعيين.
    وأما من خلو الأبيات الشعرية من التصريح بهوية الإمام المهدي عليه السّلام فلا يدلّ على عدم تحديد الهوية للسيد الحميري من قبل الإمام الصادق عليه السّلام خصوصاً وقد مرّ في كلامه المنثور ما هو صريح بهذا التحديد. وربّما قد يكون التحديد مذكوراً في رائيته المتقدمة حيث اقتصر على بعض


(188)
أبياتها ، ولو وصلت إلينا كاملة فربّما وجدنا بها أسماء أهل البيت عليهم السّلام جميعاً.
    والمهم هو أن رجوع مثل السيد الحميري عن عقيدة الكيسانية واعتناق المذهب الإمامي الاثني عشري يعبّر عن دور الإمام الصادق عليه السّلام في معالجة دعاوى المهدوية في زمانه مما كان له أكبر الأثر في هدم تلك الدعاوى الباطلة وتلاشيها واحدة بعد اخرى.

    خامساًً ـ ملاحقة الإمام الصادق عليه السّلام لحجج الكيسانية ونسفها :
    لم يتوقف الإمام الصادق عليه السّلام في إبطال دعوى الكيسانية على صعيد هذا اللقاء بالسيد الحميري ، وإنّما راح أبعد من ذلك بكثير يوم بيّن لبعض رؤؤس الكيسانية زيف عقيدتهم ، ولكنهم ركبوا رؤوسهم عناداً وصلفاً ( وَمَنْ يُضْلِلِ اللهَ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَيِبلاً ) (1). ومن أولئك : حيان السرّاج.
    عن عبدالرحمن بن الحجاج قال : « قال أبو عبد الله عليه السّلام : أتاني ابن عم لي يسألني أن آذن لحيان السرّاج ، فأذنت له ، فقال لي يا أبا عبد الله إني أريد أن أسألك عن شيء أنا به عالم إلاّ أني أحب أن أسألك عنه ، أخبرني عن عمّك محمد بن علي مات ؟ قال ، فقلت : أخبرني أبي أنه كان في ضيعة له فأتى ، فقيل له : أدرك عمك ! قال : فأتيته ـ وقد كانت أصابته غشية ـ فأفاق فقال لي : أرجع إلى ضيعتك. قال : فأبيت ، فقال لترجعن ، قال : فانصرفت ، فما بلغت الضيعة حتى أتوني ، فقالوا : ادركه ! فأتيته ،
1 ـ سورة النساء : 4 / 143.

(189)
فوجدته قد اعتقل لسانه فدعا بطست ، وجعل يكتب وصيته ، فما برحت حتى غمضته ، وغسلته ، وكفنته ، وصلّيت على ، ودفنته.
    فإن كان هذا موتاً فقد والله مات. قال : فقال لي رحمك الله شبّه على أبيك. قال ، قلت : يا سبحان الله ! منت تصدف على قلبك. قال فقال لي : وما الصدف على القلب ؟ قال ، قلت : الكذب
» (1).
    وعن بريد العجلي قال : « دخلت على ابي عبد الله عليه السّلام فقال لي : لو كنت سبقت قليلا أدركت حيان السرّاج. قال : وأشار إلى موضع في البيت ، فقال عليه السّلام : كان ههنا جالساً فذكر محمد بن الحنفية وذكر حياته وجعل يطريه ويقرظه فقلت له : ياحيان أليس تزعم ويزعمون وتروي ويروون لم يكن في بني إسرائيل شيء إلاّ وهو في هذه الأمة مثله ؟ قال : بلى. قال : فقلت : هل رأينا ورأيتم أو سمعنا وسمعتم بعالم مات على أعين الناس ، فنكح نساؤه ، وقسّمت أمواله. وهو حيٌّ لا يموت ؟ فقالم ولم يرد عليَّ شيئاًً » (2).
    وعن عبد الله بن مسكان قال : « دخل حيان السرّاج على أبي عبد الله عليه السّلام فقال له : ياحيان ! ما يقول أصحابك في محمد بن على ( بن ) الحنفيّة ؟ قال : يقولون هو حي يرزق. فقال أبو عبد الله عليه السّلام : حدّثني أبي أنه كان فيمن عاده في مرضه ، وفيمن أغمضه ، وفيمن أدخله حفرته .. وقسّم ميراثه. قال : فقال حيان : إنّما مثل محمد بن الحنفية في هذه الأمة مثل
1 ـ رجال الكشي : 314 ـ 315 / 569.
2 ـ رجال الكشي : 314 / 568.


(190)
عيسى بن مريم ، فقال : ويحك ياحيان شُبّه على أعدائه ! فقال : بلى شبّه على أعدائه فقال : تزعم أن أبا جعفر عدو محمد بن على ! لا ولكنك تصدف ياحيان .. » (1).
    وبهذا ونظائره استطاع الإمام الصادق عليه السّلام أن يبيّن للناس جميعاً تهافت مقولة الكيسانية وكذبها ، أما أدّى بالنتيجة إلى تبخر تلك المزاعم وإزالتها من صفحة الوجود بعد انقراض المتعصّبين لها ، وبصورة لم تترك معها أدنى تأثير ـ ولو طفيف ـ على خط الإمامة العريض الواضح ، كما لم تؤثّر شيئاًً على علم القواعد الشيعية بمن سيغيب من أئمة الهدى عليهم السّلام.
1 ـ رجال الكشي : 315 ـ 316 / 570.

(191)
    أولاًً ـ الآثار الموضوعة في مهدويته :
    وضع المغرمون بعمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي المرواني ( ت / 101 هـ ) ما شاء لهم من يضعوا من الأقوال على لسان عمر وابنه عبد الله ، وهي وإن كانت كلها آثاراً موقوفة لا حجة بها ، ولكن لا بأس بذكرها لتستشعر من خلالها ذلك الكذب المفضوح.
    1 ـ أخرج البيهقي عن عبد الله بن دينار ، عن عمر قال : « يا عجباً ! يزعم الناس أن الدنيا لن تنقضي حتى يلي رجل من آل عمر يعمل بمثل عمل عمر. قال : فكانوا يرونه بلال بن عبد الله بن عمر ، قال : وكان بوجهه أثر ، قال : فلم يكن هو ، وإذا هو عمر بن عبدالعزيز وأمه ابنه عاصم بن عمر بن الخطاب » (1).
    وفي هذا الأثر اللاحجة ، محمد بن على المقري الضعيف عندهم بلا خلاف ، زيادة على عدم دلالته على المهدوية.
1 ـ دلائل النبوة / البيهقي 6 : 492 باب ما جاء في إخباره صلّى الله عليه وآله بالشر الذي يكون بعد الخير الذي جاء به ، وتاريخ دمشق 45 : 155 / 5242.

(192)
    ولعل أطرف ما في هذا الأثر وروده في ( باب ما جاء في إخباره صلّى الله عليه وآله بالشر الذي يكون بعد الخير الذي جاء به ) من كتاب دلائل النبوة للبيهقي !!!
    2 ـ وأخرج ابن حماد بسنده عن نافع ، عن عمر : « يكون رجل من ولدي بوجهه شين يلي ، فيملأها عدلاً. قال نافع : لا أحسبنه إلاّ عم بن عبدالعزيز » (1).
    وهذا الاثر كسابقه ، وفيه عثمان بن عبد الحميد بن لاحق مجهول ، ونافع مولى ابن عمر كذّاب مشهور. وكان يقول له مولاه : لا تكذب عليَّ كما كذب عكرمة على ابن عباس.
    3 ـ وأخرج ابن سعد في طبقاًته عن نافع أيضاًً ، عن ابن عمر قال : « كنت اسمع ابن عمر كثيراًً يقول : ليت شعري من هذا الذي من ولد عمر في وجهه علامة ، يملأ الأرض عدلاً » (2).
    وهذا الاثر كسابقه ، وفيه نافع الكذاّب أيضاًً.

    ثانياًً ـ كذبهم على الإمام الباقر عليه السّلام في دعم تلك المهدوية :
    لأجل تمرير مهدوية عمر بن عبد العزيز وإضفاء طابع القداسة عليه حاول أنصاره تشويش هذه العقيدة في نفوس المسلمين وتقريبهم نحو الخط الأموي المقيت ، ولو بالكذب الفاضح على أهل البيت عليهم السّلام في نصرة
1 ـ الملاحم والفتن / ابن حماد : 76 / 286.
2 ـ الطبقاًت الكبرى / ابن سعد 5 : 331 ، وحلية الاولياء / أبو نعيم 5 : 254 / 331 ، ودلائل النبوة / البيهقي 6 : 492.


(193)
الامويين ومهدوية عمرهم.
    ومن هنا وضعوا على لسان الإمام الباقر عليه السّلام ما أخرجه ابن سعد في الطبقاًت الكبرى ، عن مسلمة أبي سعيد في حديث رواح ، عن العرزمي ، قال : « سمعت محمد بن على يقول : النبي منا ، والمهدي من بني عبد شمس ، ولا نعلمه إلاّ عمر بن عبد العزيز.قال : وهذا في خلافة عمر بن عبدالعزيز » !! (1).
    ومثله ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه ، وأبو عمرو الداني ، عن مولى لهند بنت اسماء ، قال : « لمحمد بن علي : إن الناس يزعمون من فيكم مهدياًًً ، فقال : إن ذاك كذاك ، ولكنه من بني عبد شمس ، قال كمنه عنى عمر بن عبدالعزيز » (2).

    ثالثاًً ـ رد اكذوبتهم على الإمام الباقر عليه السّلام :
    إن ما ذكره ابن سعد ، وابن عساكر من أوضح الكذب وأسخفه ، وما أحاديث الإمام الصادق في كتابنا هذا إلاّ هي أحاديث أبيه الباقر عليهما السّلام ، نظراً لما قاله الإمام الصادق بن درّاج : « ما سمعت مني فاروه عن أبي » .
    وقوله لجملة من أصحابه : « حديثي حديث أبي .. » .
1 ـ الطبقاًت الكبرى / ابن سعد 5 : 333 ، وتاريخ دمشق 45 : 187 / 5424
2 ـ تاريخ دمشق 45 : 187 ـ 188 / 5424 ، والسنن الواردة في الفتن / أبو عمر الداني 5 : 1073 / 587 باب من قال : أن المهدي عمر بن عبد العزيز ، وقد جعل هذا الحديث المكذوب في أول الباب.


(194)
    وقوله لابي بصير حين قال له : الحديث أسمعه أنك أرويه عن أبيك ، أو أسمعه من أبيك ، أرويه عنك ؟ قال عليه السّلام : « سواء إلاّ أنك ترويه عن أبي أحبّ إلىّ » (1).
    على من مذهب الإمام الباقر عليه السّلام في الإمام المهدي عليه السّلام كنار على علم ، وإليك صورة واضحة عمّا نطقت به أحاديثه الشريفة في المهدي عليه السّلام ، من قبيل :
    إن الله تعالى أخذ الميثاق للإمام المهدي عليه السّلام من الأنبياء عليهم السّلام كلهم (2) ، وفيه شبه من بعضهم كغيبة موسى عن قومه ، وطول عمر نوح ، ومحنة يوسف عليهم السّلام (2).
    وقد أغبطه موسى لمّا رآه مكتوباً في أسفاره (4) ، ليس من بني أميه ولا من آل مروان الملعونين قاطبة (5) ، وإنما من آل محمد صلّى الله عليه وآله (6) ، اسمه اسم
1 ـ راجع هذه الأقوال في اصول الكافي 1 : 51 ـ 53 / 4 و 14 باب رواية الكتب والحديث ، وفضل الكتابة ، والتمسك بالكتب ، من كتاب فضل العلم.
2 ـ بصائر الدرجات : 70 / 2 باب 2.
3 ـ الإمامة والتبصرة من الحيرة / الصدوق الأول : 93 / 84 باب 23 ، وإثبات الوصية : 226 ، وإكمال الدين 1 : 152 / 16 باب 6 ، و 1 : 326 / 6 باب 32 ، و 1 : 329 / 12 با 32 ، وكتاب الغيبة / النعماني : 163 ـ 164 / 3 و 5 ، باب 10 ، و : 228 / 8 باب 13 ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 103.
4 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 240 / 34 باب 13.
5 ـ كامل الزيارات / ابن قولويه القمي : 196 / 7 باب 71.
6 ـ إثبات الوصية / المسعودي : 226 ، وكتاب الغيبة / النعماني : 234 / 22 باب 13 ، و : 240 / 34 باب 13 ، والإرشاد 2 : 371 و 386.


(195)
نبي (1) بل سميي (2) من أهل البيت (3) ، وإنه لمهدينا (4) ، وقائمنا (5) ، ومعنى المهدي (6) ، والقائم (7).
    من ولد أمي الزهراء البتول عليها السّلام (8) ، ومن صلب جدي الحسين عليه السّلام (9) ، أصغرنا سناً وأخملنا شخصاً (10) ، وابن امة (11).
1 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 178 ـ 179 / 22 ـ 24 باب 10 ، ودلائل الإمامة : 261.
2 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 231 / 14 باب 13.
3 ـ الأصول الستة عشر : 63 ، وروضة الكافي 8 : 324 / 597 ، ورجال الكشي : 217 / 390 ، وتفسير فرات الكوفي : 44 ، وكتاب الغيبة / النعماني : 238 ـ 239 / 30 باب 13 ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 282.
4 ـ سنن الدار قطني 2 : 65 / 10 ، والتذكرة في أحوال الموتى والآخرة / القرطبي 2 : 703 ، وبصائر الدرجات : 24 / 17 باب 11 ، وإكمال الدين 2 : 653 / 18 باب 57.
5 ـ أصول الكافي 1 : 231 / 1 باب ما عند الآئمة من آيات الأنبياء عليهم السّلام من كتاب الحجة ، وعلل الشرائع : 161 / 3 باب 129 ، وكتاب الغيبة / النعماني : 283 / 1 باب 15 ، و : 320 / 1 باب 22 ، ودلائل الإمامة : 241 ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 283.
6 ـ دلائل الإمامة : 249 ، والخرائج والجرائح 2 : ؛ 862 / 78 باب 20.
7 ـ علل الشرائع : 160 / 1 باب 129 ، ودلائل الإمامة : 239.
8 ـ عقد الدرر / المقدسي الشافعي : 110 باب 4 فصل 3 ، وروضة الكافي 8 : 178 / 255 ، والإرشاد 2 : 370 ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 114 و 265 ، وكشف الغمة / الإربلي 3 : 248 ، والخرائج والجرائح 3 : 1157باب 20.
9 ـ ألاصول الستة عشر : 79 ، والإرشاد 2 : 347.
10 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 184 / 35 باب 10 ، ودلائل الإمامة : 258.
11 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 163 / 3 باب 10.
غيبة الإمام المهدي ::: فهرس