غيبة الإمام المهدي ::: 211 ـ 225
(211)
زيادة عبارة ( إلاّ المؤمن منهم ، وقليل ما هم ) على حديث الجهني ، خصوصاً ومن لعن بني أميه قاطبة قد صحّ من طرقنا ، فلاحظ.
    هذا وقد روى الحاكم ـ في مكان آخر ـ عن أبي سعيد الخدري ، قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إنّ أهل بيتي سيلقون من بعدي من امتي قتلاً وتشريداً ، وإنّ أشدّ قومنا لنا بغضاً : بنو أُمية ، وبنو المغيرة ، وبنو مخزوم » .
    قال الحاكم : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه » (1).
    وحين أخذ مروان به الحكم أسيراً يوم الجمل ، وخلّى سبيله أمير المؤمنين علي عليه السّلام ، فقيل له : « يبايعك يا أمير المؤمنين » ؟ فقال عليه السّلام : « أو لم يبايعتي بعد قتل عثمان ؟ لا حاجة لي في بيعته ، إنها كفّ يهودية ، لو بايعني بكفّه لغدر بسُبّته ، أمٍا إنّ له إمرةً كلعقة الكلب أنفه ، وهو أبو الأكبُش الأربعة [ يعني : الوليد ، وسليمان ، ويزيد ، وهشام ] وستلقى الأمة منه ومن وُلْدِهِ يوماً أحمر » (2).
    وقد وصف أمير المؤمنين على عليه السّلام فتنتهم بقوله عليه السّلام :
     « .. ألا وإن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أميه فانها فتنة عمياء مظلمة .. وأيم الله لتجدن بني أميه لكم أرباب سوء بعدي كالناب الضروس .. لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلاّ نافعاً لهم أو غير ضائرٍ بهم ، ولا يزال بلاؤهم عنكم حتى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلاّ كانتصار العبد من ربّه ، والصاحب من مستصحبه ، ترد عليكم فتنتهم
1 ـ مستدرك الحاكم 4 : 534 / 8500 ، والطبعة القديمة 4 : 487.
2 ـ نهج البلاغة : 109 ، رقم / 73 ، ( من كلام له عليه السّلام قاله لمروان بن الحكم بالبصرة ).


(212)
شوهاء مخشيّة ، وقطعاً جاهليّةً ، ليس فيها منار هدى ، ولا علم يُرى » (1).
    ونتيجة لهذه الأحاديث وغيرها ممالم نذكره وهو كثير جداً في مثالب بني أميه جميعاً ، صار العالمون بها ، والمطّلعون على سيرة بني أميه أول كافر بمهدوية عمر بن العزيز عند لحظة انطلاقتها من على أفواه الكذّابين والمجرمين.
    جدير بالذكر من ابن المبارك ( ت / 181 هـ ) ، وهو كما يقول المزي : « أحد الائمّة الأعلام ، وحفّاظ الإسلام » (2) يرى أن معاوية ـ على جرائمة الكبرى ، وموبقاته التي لا أول لها ولا آخر ـ أفضل من عمر بن عبدالعزيز ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأُموي المرواني (3).
    وكان هناك من : « يفسّق عمر بن عبد العزيز ، ويستهزئ به ، ويكفّره » (4).
    فيكون عمر مع هذا هو المهدي ؟!

    سابعاً ـ موقف الإمام الصادق عليه السّلام من تلك المهدوية :
    بعد اتضاح موقف القرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة من الأمويين والمروانيين ، ودولتهم ( الشجرة الملعونة ) ، وما قاله أمير المؤمنين عليه السّلام في
1 ـ نهج البلاغة : 172 خطبة رقم / 93 ( في التنبيه على فضله وعلمه عليه السّلام ، مع بيان فتنة بني أميه وانحراف دولتهم ).
2 ـ تهذيب الكمال 16 : 6 / 3520.
3 ـ راجع : الشريعة / الآجري 3 : 520 / 2012. الأثر رقم / 713.
4 ـ راجع : شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد المعتزلي 20 : 32.


(213)
فتنتهم وانحرافهم ؛ فماذا يتوقع بعد هذا إذن أن يقوله الإمام الصادق عليه السّلام في تلك الدولة الخبيثة المنحرفة من رأسها إلى أساسها ؟
    روى سفيان بن عيينة عن الإمام الصادق عليه السّلام بأن بني أميه لم يطلقوا تعليم الشرك للناس ؛ لكي إذا حملوهم عليه لم يعرفوه (1).
    وروى الحكم بن سالم ، عمّن حدّثه عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : « إنّا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله ، قلنا : صدق الله ، وقالوا : كذب الله ! قاتل أبو سفيان رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وقاتل معاوية بن أبي طالب عليه السّلام ، وقاتل يزيد بن معاوية الحسين بن على عليه السّلام ، والسفياني يقاتل القائم عليه السّلام » (2).
    واما من اغتر بماورد في سيرة عمر بن عبدالعزيز من رد المظالم وأشباهها كارجاع فدك إلى بني فاطمة عليها السّلام ووصفهم له بالعدالة !!
    فجوابه ما ذكرناه في أول رد هذه المقولة ، بأنه استلم السطلة من الشجرة الملعونة ، ومقتضى العدلّ من يتنحى عنها ولا يتقدم ـ بنص الحديث الصحيح ـ على قوم نهي من التقدم عليهم ، أو على الاقلّ أن يرجعها إليهم بعد وفاته لا أن يرجعها إلى تلك الشجرة الخبيثة التي اجتثت فما لها من قرار.
    وما قيمة رد المظالم في قبال اغتصاب الحق الأكبر ؟!
1 ـ أصول الكافي : 2 : 415 ـ 416 / 1 ، كتاب الايمان والكفر.
2 ـ معاني االأخبار / الصدوق : 346 / 1 ، باب معنى قول الصادق عليه السّلام ، إنّا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله عزّوجلّ.


(214)
سأل عبد الأعلى مولى آل سام أبا عبد الله الصادق عليه السّلام بقوله : قلت له : ( قل اللهمّ مالك الملك توتي الملك من ّتشاء وتنزع الملك ممن تشاءُ ) (1) أليس قد أتى الله عزّوجلّ بني أميه الملك ؟
    قال عليه السّلام : ليس حيث تذهب إليه ، إن الله عزّوجلّ أتانا الملك وأخذته بنو أميه ، بمنزلة الرجل يكون له الثّوب فيأخذه الآخر ، فليس هو للذي أخذه » (2).
    ومن هنا لم يتعرض إمامنا الصادق عليه السّلام إلى إبطال مهدوية عمر بن عبد العزيز بصورة مباشرة ، لعلم الأمة كلها بذلك ، وإنما نبّه الأمة على جرائم بني أميه ، ولم يستثن أحداً منهم قط ، كما هو شأن الأحاديث السابقة في مثالبهم ، مبيناً عليه السّلام ما يكفي لدحض كل دعوى زائفة بهذا الشأن سواء التي عاصرها أو التي جائت بعد حين ، وذلك عن طريق تصريحه تارة بأن المهدي عليه السّلام لم يولد بعد ، وأخرى بأنه من ذريّة الحسين عليه السّلام ، وثالثة ببيان هويته الكاملة كما لاحظنا ذلك في الفصول السابقة مما لم يبق ـ بهذا ـ مجالاً لاستمرار أية حجة للتمسك بأمثال تلك الدعاوى الباطلة ، وغيرها من دعاوى المهدوية الزائفة كما سنرى.
1 ـ سورة آل عمران : 3 / 26.
2 ـ روضة الكافي 8 : 222 / 389.


(215)
    أولاًً ـ منشأ هذه الشبهة وتداعياتها :
    اختلطت الأهداف الجهادية بالسياسة المحضة وراء انطلاق إشاعة مهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن المحض ، بن الحسن السبط عليه السّلام ، وذلك في اجتماع الأبواء في أواخر العصر الاموي ، و الذي ضمّ وجوه بني هاشم من الحسنيين والزيديين وبني العباس ، بهدف تنظيم صفوفهم ، والبيعة إلى واحد منهم ، ودعوة الناس إلى نصرنه ؛ للاطاحة بالحكم الأموي الذي أهلك الحرث والنسل ، وعاث في الأرض فساداً. وقد شجّعهم على ذلك الثورات العلوية السابقة المتلاحقة التي أنهكت حكم الطاغوت ، ولاح لهم في الأفق أنه بات يعدّ أيامه الأخيرة ؛ ليذهب وشيكاً في مزابل التاريخ بلا رجعة.
    وقد تمخّض اجتماع الهاشميين عن بيعتهم لمحمد بن عبد الله بن الحسن المحض ، ولقّب بالمهدي ؛ ليقوم بدور القائد الملبي لطموح الأمة في القضاء على البغي والعدوان ، وإشاعة العدلّ والمساواة وبين الناس. وقد اختاروا شعار « الرضا من آل محمد صلّى الله عليه وآله » لانطلق دعوتهم ؛ لأنه الشعار الذي


(216)
يضمن عدم استبداد أيّ من الهاشميين على حساب بني عمومتهم ، ويمثّل المساواة بين الاطراف المتنازعة على السلطة المرتقب ممن حضر اجتماع الأبواء.
    ولكن سرعان ما التفّ العباسيون بدهاء على ثمار تلك الدعوة التي أتت أكلها بقتل مروان الحمار آخر طغاة الامويين سنة ( 132 / هـ ) فاستفردوا بالسلطة ، وصاروا حربا شعواء على العلويين بأشدّ أما كان عليه حالهم أيام دولة الطلقاء.
    وهكذا تحقّقت نبوءة الإمام الصادق عليه السّلام بشأن بني الحسن في ذلك الاجتماع كما سنرى ، إلاّ من القائد المنكوب محمد بن عبد الله لم يقدر على تحمّل الصدمة ، فاخذ يعدّ العدة في الخفاء للثار من العباسيين الذين استحوذوا على السلطة ونكثوا بيعته ، وبقي هكذا إلى أن استخلف المنصور الدوانيقي بعد هلاك أخيه السفاح ( 132 ـ 136 هـ ) ، فكان همّه معرفة أمر محمد وأخيه إبراهيم ابني عبد الله بن الحسن اللذين اختفايا عنه ، ولم يقف أحد من عيونه على أثر لهما في أي مكان ، وزاد من تخوّفه ان ابن عمّهما الحسن بن زيد بن الحسن قد حرّضه على محمد قائلا : « والله ما آمن وثوبه عليك ، فإنه لا ينام عنك » ولهذا كان موسى بن عبد الله بن الحسن يقول بعد ذلك : « اللهم اطلب الحسن بن زيد بدمائنا » (1) الأمر الذي حمل المنصور على سجن أبيه عبد الله بن الحسن وأخوته وأعمّامه وبني عمومته في المدينة المنورة عند مروره بها حاجاً سنة ( 144 / هـ ) ، ثم ساقهم عند عودته من
1 ـ الكامل في الأثير / ابن الأثير 5 : 137 ـ 138 في حوادث سنة / 144 هـ.

(217)
المدينة إلى الربذة مصفّدين بالأغلال ، ومنها إلى طوامير العراق في الهاشمية عاصمة أخيه السفّاح. وهنا اضطّر القائد المنكوب إلى ارسال أخيه إبراهيم إلى البصرة ، وعجّل هو بظهوره في المدينة ليختار الموت على الحياة ، ويلحق بموكب الشهداء من بني الحسن السبط عليه السّلام.
    وبهذا كانت نهايته صريعاً على أحجار الزيت ، كما كانت نهاية أخيه إبراهيم بباخمرا ، وحينما أدركت فلول أنصارهما المنهزمة زيف تلك المهدوية ، وعلمت البقية الباقية من بني الحسن وغير هم صدق ما قاله الإمام عليه السّلام من قبل في اجتماع الأبواء وغيره.
    ترى ، فمن كان وراء إشاعة مهدوية محمد بن عبد الله الحسني التي جرّت الويلات على الحسنيين ؟ حتى حمّ لنكبتهم الإمام الصادق عليه السّلام زهاء عشرين يوماً وخيف عليه (1).
    لا شكّ من وراءها اصناف من الناس اشتركت كلها في تلك الاشاعة ، ويأتي في طليعتهم عبد الله بن الحسن ، إذ كان يشيع بين آونة واخرى من ابنه محمد هو المهدي المبشّر بظهوره في آخر الزمان ، وهو الرجل الوحيد الذي جاءت به الرواية ، وكان يحلف بالله تعالى على ذلك !
    قال ابن أخي الزهري : « تجالسنا بالمدينة أنا وعبد الله بن حسن ، فتذاكرنا المهدي ، فقال عبد الله بن حسن : المهدي من ولد الحسن بن على [ عليهما السّلام ] ، فقلت : يأبى ذلك علماء أهل بيتك. فقال عبد الله : المهدي والله
1 ـ اصول الكافي 1 : 361 / 17 ، باب ما يُفصل به بين دعوى المُحِقِّ والمُبطل في أمر الإمامة ، من كتاب الحجة.

(218)
من ولد الحسن بن على [ عليهما السّلام ] ، ثم من ولدي خاصة » (1).
    هذا فضلاً عن اقواله الكثيرة الأخرى في مهدوية ابنه محمد (2) ، وهكذا اغترّت العامة بكلامه ، وخدع حتى الفقهاء بها لمنزلة قائلها ، وفضله ، وشرفه ، ونسبه الكريم ؛ من أمثال الفقيه عبد الله بن جعفر بن عبدالرحمن بن المسوّر بن مخرمة الزهري ، الذي ندم على اعتقاده بمهدوية محمد هذا بعد مقتله ، حيث استدعاه جعفر بن سليمان العباسي والي المدينة وقال له : « ما حملك على الخروج مع محمد على ما أنت عليه من العلم والفقه ؟ قال : ما خرجت معه وأنا أشك في أنه المهدي ؛ لما روي لنا في أمره ، فما زلت أرى أنه هو ، حتى رأيته مقتولاً ، ولا اغتررت بأحد بعده » (3).
    ولهذا قال الذهبي في ترجمة هذا الرجل : « له فضل ، وشرف ، ومروءة ، وله هفوة. نهض مع محمد بن عبد الله بن حسن وظنّه المهدي ثم أنه ندم فيما بعد ، وقال لا غرّني أحد بعده » (5).
    وكذلك الحال مع الفقيه المدني محمد بن عجلان الذي « شبّه عليه وظن منه المهدي الذي جاءت به الرواية » (5).
1 ـ تهذيب الكمال 25 : 468 / 5338 في ترجمة محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى.
2 ـ سنشير لها لاحقاً في بيان دور الإمام الصادق عليه السّلام في إبطال تلك المهدوية ، فلاحظ.
3 ـ مقاتل الطالبيين / أبو الفرج الأصبهاني : 256.
4 ـ سير أعلام النبلاء / الذهبي 7 : 329 / 114.
5 ـ مقاتل الطالبيين : 254 ، وانظر : تاريخ الطبري 7 : 599 في حوادث سنة 145 هـ ، وتهذيب الكمال 25 : 469 / 5338.


(219)
    كما خرج مع محمد : عبد الله بن يزيد بن هرمز الفقيه المدني المشهور (1) ، وعبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم الأنصاري ، وقال الذهبي : « وكان سفيان الثوري ينقم عليه خروجه مع محمد بن عبد الله بن الحسن. وكان من فقهاء المدينة » (2) ، كما ان مالك بن أنس حين استُفتي في الخروج مع محمد بن عبد الله ، وقيل له : إن في أعناقنا بيعة لأبي جعفر ؟ فقال : « إنما بايعتم مكرهين ، وليس على مكره يمين ، فأسرع الناس إلى محمد ولزم مالك بيته » (3) ، كما كان أبو حنيفة يجاهر في أمر إبراهيم ، ويأمر بالخروج معه (4) ، وكان شعبة بن الحجاج كذلك (5) وهؤلاء الثلاثة : مالك ، وأبو حنيفة ، وشعبة لم يعتقدوا بمهدوية محمد ، وإلاّ لما اكتفوا بحدود الإفتاء كما هو ظاهر.
    ومهما يكن ، فإن اعتقاد بعض الفقهاء بمهدويته ، وخروج بعضهم معه ، وافتاء آخرين لصالح دعوته ، كل ذلك أدّى إلى شيوع القول بمهدويته بين عامة الناس من أهل المدينة ، ويكفي أن انخدع أهل بيته الحسنيّون ، قال أبو الفرج : « وكان أهل بيته يسمّونه المهدي ، ويتصورون أنه الذي جاءت
1 ـ تاريخ الطبري 7 : 599.
2 ـ سير أعلام النبلاء 7 : 21 / 4 ، في ترجمة عبد الحميد بن جعفر.
3 ـ تاريخ الطبري 7 : 560 ، والكامل في التاريخ 5 : 149 ، والبداية والنهاية / ابن كثير 10 : 84 ؛ كلهم في حوادث سنة / 145 هـ ، وعمدة الطالب : 105 ، في اخبار محمد ذي النفس الزكية.
4 ـ مرآة الجنان / اليافعي 1 : 235 في حوادث سنة / 145 هـ.
5 ـ المصابيح / أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني : 453/ 24.


(220)
فيه الرواية » (1).
    وأما عن انصاره ومؤيديه الذين لا حريجة لهم في الدين ، فقد ارتكبوا جريمة وضع الحديث في مهدويته ! ولما كان محمد بن عبد الله الحسني تمتاما (2) ، فقد وضعوا الحديث في اسمه واسم أبيه وصفته ، ورفعوه إلى أبي هريرة بأنه قال : « إن المهدي اسمه محمد بن عبد الله في لسانه رتَّةٌ » (3).
    كما كان للشعراء الدور البارز في إشاعة مهدوية محمد بن عبد الله الحسني ، نظراً لدور الشعر الإعلامي البارز في ذلك الحين ، حيث اغتنموا الفرصة ، وأدلوا دلوهم ، وأشادوا بمهدويته وفي هذا الصدد قال مسلمة بن علي :
إن الذي يـروي الرواةُ لبيـِّنٌ له خاتم لم يعطه الله غيره إذا مـا ابـن عبد الله فـيهـم تجرّدا وفيه علامات من البِرِّ والهُدى (4)
    يشير بهذا البيت إلى أن في كتف محمد بن عبد الله خالاً ، وقد جاءت الرواية في صفة المهدي بأن له خالاً ، فوافقت الصفة الموصوف !!
1 ـ مقاتل الطالبيين : 207 ، والمصابيح : 427 / 9.
2 ـ تاريخ الطبري 7 : 563 ، وعمدة الطالب في منساب آل أبي طالب / ابن عنبه : 103 ، في أخبار عبد الله المحض وعقبه.
3 ـ مقاتل الطالبيين : 214.
4 ـ المصابيح : 437 / 13 ، وقد نسب أبو الفرج في المقاتل : 215 هذين البيتين إلى مسلمة بن أسلم الجهني.


(221)
    وقال شاعر آخر :
إن كان في الناس لنا مهدّي يقيم فينا سيرة النبيّ
فإنّه محمد التقيّ (1)
    والعجيب من أمر أولئك الشعراء المضلين أنهم حتّى بعد مصرع محمد ابن عبد الله بن الحسن ، وفصل رأسه عن جسده وحمله إلى العراق ، لم يتركوا القول بمهدويته ، كما نجده في قصيدة لعبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير يرثي فيها محمدا ، يقول فيها :
إلاّعلى المهدي وابني مصعب أجريت دمعك ساكبا تهتانا (2)
    ونتيجة لهذه الدعاية الواسعة في شخص محمد بن عبد الله بن الحسن ، مع قربه القريب من أهل البيت عليهم السّلام ، وتأكيد هذه الدعاية من قبل ابيه الذي كان ـ كما يقول ابن الأثير ـ : « لا يحدّث أحداً قط إلاّ قلبه عن رأيه » (3) ، نتيجة لهذا وغيره كما مرّ فقد « لهجت العوام بمحمد تسميه المهدي ، حتى كان يقال : محمد بن عبد الله المهدي عليه ثياب يمنية وقبطية » (4) ، وكان الناس إذا رأوه في أزقة المدينة صاحوا : « يا أهل المدينة ! المهدي ، المهدي » (5).
1 ـ مقاتل الطالبيين : 215.
2 ـ تاريخ الطبري 7 : 601 ـ 602 ومقاتل الطابيين : 267.
3 ـ الكامل في التاريخ 5 : 144 في حوادث سنة / 144 هـ.
4 ـ مقاتل الطالبيين : 229.
5 ـ الكامل في التاريخ 5 : 141 في حوادث سنة / 144 هـ.


(222)
    ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ ، إذ كان محمد بن عبد الله نفسه يدّعي بأنه المهدي « طمعاً أن يكون هو المذكور في الأحاديث » (1) ، ويغري الناس بالدعوة إلى نفسه على أنه المهدي الموعود ، قال ابن دأب : « لم يزل محمد بن عبد الله بن الحسن مذ كان صبيّاً يتوارى ويراسل الناس بالدعوة إلى نفسه ويسمّى المهدي » (2).
    وكان يخاطب الناس وهو على المنبر بقوله : « إنكم لا تشكّون إنّي أنا المهدي ، وأنا هو » (3).
    وأما مكاتباته التي جرت بينه وبين عبد الله بن محمد المنصور العباسي ، فقد كان يبدوؤها بالبسملة ويكتب بعدها : « من عبد الله المهدي محمد بن عبد الله ، إلى عبد الله بن محمد .. » (4).
    وفي هذا إشارة ذكية إلى غدر المنصور بمحمد وتذكيره بما كان يقوله له في أواخر العصر الأموي ، حيث كان يقول أبو الدوانيق في محمد هذا : « هذا محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن مهدينا أهل البيت » (5).
    وقال عبد الله في سعيد الجهني : « بايع أبو جعفر ـ يعني المنصور ـ محمداً مرّتين ، أنا حاضر إحداهما بمكّة في المسجد الحرام ، فلما خرج أمسك له
1 ـ البداية والنهاية 10 : 84 في حوادث سنة / 145 هـ.
2 ـ مقاتل الطالبيين : 212 و 213.
3 ـ مقاتل الطالبيين : 212.
4 ـ تاريخ الطبري 7 : 567.
5 ـ مقاتل الطالبيين : 212.


(223)
بالركاب ، ثم قال : أما أنه إن أفضى إليكم الأمر نسيب لي هذا الموقف » (1).
    ويدلُّ على ذلك ، أن عثمان بن محمد بن خالد الذي خرج مع محمد قد أُتِيَ به إلى المنصور فقال له : « هيه يا عثمان ، منت الخارج عليّ مع محمد ؟ قال : بايعته أنا وأنت بمكّة ، فوفيت ببيعتي ، وغَدَرْتَ بيعتك .. فأمر به فَقُتِل » (2).
    وكل هذا يشير إلى أن للعباسيين سهما في إشاعة مهدوية الحسني التي وصلت إلى أسماع الامويين منفسهم قبل سقوط دولتهم ، فقد روى أبو الفرج أن مروان الحمار آخر طغاة الأمويين قال لعبد الله ـ وقد دخل عليه ذات يوم ـ : « ما فعل مهديكم ؟ قال : لا تقل ذاك .. فليس كما يبلغك. فقال : بلى ، ولكن يصلحه الله ويرشده » (3).
    هذا ، وأما ما ذكره النوبختي بشأن محمد هذا بقوله : « فلما توفّي أبو جعفر ـ يعني الإمام الباقر عليه السّلام ـ افترقت أصحابه فرقتين ، فرقة منها قالت بإمامة محمد بن عبد الله بن الحسن الخارج بالمدينة المقتول بها ، وزعموا أنه القائم ، وأنه الإمام المهدي ، وأنه لم يُقتل ، وقالوا : إنّه حيّ لم يمت مقيم بجبل بقال له العلمية ، وهو الجبل الذي في طريق مكة ، وهو عنده مقيم فيه حتى يخرج ؛ لأن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال ـ بزعمهم ـ القائم المهدي اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي. وكان المغيرة بن سعد قال بهذا القول لما توفّي أبو جعفر محمد
1 ـ مقاتل الطالبيين : 187 ـ 188 و : 259.
2 ـ الكامل في التاريخ 5 : 162 ، في ذكر بعض المشهورين ممن كان مع محمد بن عبد الله الحسني.
3 ـ مقاتل الطالبيين : 229.


(224)
ابن على عليهم السّلام ، وأظهر المقالة بذلك ، فبرئت منه الشيعة أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السّلام ، ورفضوه » (1).
    فهو غريب جداً ، فضلاً عمّا فيه من خلط وتهافت ؛ لأن القول بمهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن لم يُعْرَف إلاّ في زمان مروان الحمار آخر ملوك الأمويين ( ت / 132 هـ ) ولم يشتهر إلاّ في أواخر إمامة الإمام الصادق عليه السّلام ، أي قبل خروج محمد ، وقتله سنة ( 145 / هـ ) بمدّة قصيرة ، نتيجة لما قدّمناه من موقف الفقهاء والشعراء ودور الإعلام الحسني في إشاعة مهدويته بين الناس ، في حين يدلّ كلام النوبختي على حصول هذه المقالة بعد وفاة الإمام الباقر عليه السّلام سنة ( 114 / هـ ) مباشرة ، ومحمد بن عبد الله لم يُعْرَف بما ذُكِر في ذلك الوقت ، ثم لا معنى لأن ينفي المغيرة قتله وادعاء غيبته وإمامته في حياته ، إذ لم يدع أحد اغتياله مثلاً في فترة اختفائه عن المنصور حتى ينفي المغيرة ذلك.
    فكيف باظهارها بعد وفاة الإمام الباقر عليه السّلام إذن ؟
    ولأجل تصحيح تلك المقالة وقبولها ، لابدّ من افتراض صدورها بعد قتل محمد بن عبد الله الحسني ، أو على الأقل في زمان اختفائه وخوفه من المنصور.
    ولكن إذا ما علمنا من صاحبها ـ وهو المغيرة ـ قد قتل بسبب شعوذته وسحره وكفره سنة ( 119 / هـ ) ، في زمان هشام بن عبدالملك (2) ، ومحمد بن
1 ـ فرق الشيعة / النوبختي : 74 ـ 75.
2 ـ تاريخ الطبري 7 : 129 ، في حوادث سنة / 119 هـ.


(225)
عبد الله في ريعان شبابه ! اتّضح ما في الكلام المذكور من خلط وتهافت.
    والصحيح هو براءة سائر القواعد الشعبية الشيعية القائلة بإمامة الصادق عليه السّلام من القول بمهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى ، أيّاً كان مرّوجها وقائلها ؛ أخذاً بما لديهم من أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وأهل بيته الأطهار عليهم السّلام ، وتمسكاً بما كان يقوله الإمام الصادق عليه السّلام للحسنيين وأنصارهم ، وما كان يحذّرهم به ، وينهاهم لا عن دعوى المهدوية فحسب ، بل عن الخروج على المنصور وهو في أوج قوة دولته ، استبقاءً على مهجهم ، لأنهم عضده وبنو عمومته. ومن هنا كان عليه السّلام غزير الدمعة عليهم في حياتهم وبعد نكبتهم ؛ إذ كان يعلم بما لم يحيطوا به خبرا. وهو ما اعترف به سائر المؤرخين وصرّح به ابن خلدون وغيره فيما تقدم ، من أن الإمام الصادق عليه السّلام كان يحذّر بني عمومته بأشياء تقع لهم في المستقبل ، وكانت تقع على طبق ما أخبر.

    ثانياًً ـ موقف الإمام الصادق عليه السّلام من مهدوية الحسني :
    إنّ ما يعنينا هنا هو موقف الإمام الصادق عليه السّلام من تلقيب محمد بن عبد الله بن الحسن بالمهدي ، وإشاعة ذلك بنحو أدّى إلى الالتفاف على إيمان الأمة بما بشّر به النبي صلّى الله عليه وآله بالمهدي الموعود المنتظر عليه السّلام ، وأما عن ثورتهم فلا يعنينا أمرها في بحثنا هذا بقدر ما يعنينا التركيز على موقف الإمام الصادق عليه السّلام المؤيّد والمساند لكل الانتفاضات العلوية ضد الحكم الجائر المتمثّل بالسلطتين الأموية والعباسية ، ولكنه في ذا الوقت كان عليه السّلام حريصًا على أن تتهيّأ الأجواء المناسبة لنجاح هذه الانتفاضة أو تلك ؛
غيبة الإمام المهدي ::: فهرس