غيبة الإمام المهدي ::: 256 ـ 270
(256)
    أورده ابن الجوزي في الموضوعات (1) وابن عراق في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الموضوعة (2) ، والسيوطي في اللآلىء المصنوعة في الآحاديث الموضوعة ، وقال : « موضوع ، المتهم به الغلابي » (3).
    وهذا خطأ فظيع ؛ لمن الغلابي ثقة جليل مشهور ، وهو محمد بن زكريا البصري ( ت / 298 هـ ) (4) ، والمتهم به غيره ، ويؤيّده أن الإسناد المذكور لهذا الحديث ضعيف ومنقطع (5). ولله درّ من قال في السيوطي بأنه كحاطب ليل.
    ومن أمارات وضعه ، منه مخالف لعدد سلاطين بني العباس ، لأنك لو أعددتهم ابتداءً من السفاح وانتهاءً بالمستعصم قتيل التتار لوجدتهم في العراق سبعة وثلاثين رجلاً ، وفي مصر ابتداءً من المستنصر بالله وإلى نشوء الدولة الفاطمية ستة عشر رجلاً (6) ، وبهذا يكون مجموع خلفاء بني العباس ثلاثة وستين ، وبه يستبيّن كذب واضعه ودجله ، هذا فضلاً عن وضوح كذبه بمعأرضة حديثه للصحيح من كون الخلفاء إثني عشر لا غير.
    هذا ، وقد أخرج الحاكم نحوه من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن
1 ـ الموضوعات / ابن الجوزي 1 : 345.
2 ـ تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الموضوعة / ابن عراق 2 : 11 / 22.
3 ـ اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 1 : 434 ـ 435.
4 ـ رجال النجاشي : 346 ـ 347 / 936.
5 ـ كما في البداية والنهاية / ابن كثير 6 : 246.
6 ـ كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي.


(257)
المهاجر ، عن أبيه (1).
    وحديث إسماعيل هذا واهٍ جداً ، قال الذهبي : « وإسماعيل مجمع على ضعفه ، وأبوه ليس بذاك » (2).
    وأخرج الحديث المذكور الخطيب البغدادي في تاريخه من رواية محمد ابن مخلد بن حفص (3).
    وحديثه ليس بشيء ، فقد ذكره الذهبي في ترجمة أحمد بن الحجاج بن الصلت ، قائلاً : « رواه عنه محمد بن مخلد ، فهو آفته ، والعجب أن الخطيب ذكره في تاريخه ولم يضعفه ، وكأنه سكت عنه لإنتهاك حاله » (4).
    ومنها : حديث محمد بن الوليد المقريء مولى العباسيين ، رفعه إلى عثمان بن عفان ، قال : « سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : المهدي من ولد العباس عمي » .
    وهذا الحديث أورده ابن الجوزي في العلل المتناهية (5) والألباني الوهابي في سلسلة الأحاديث الضعيفة (6) ، والسيوطي في الجامع الصغير ، وقال : « حديث ضعيف » (7) ، وهذا اشتباه منه ؛ إذ الصحيح أنه مكذوب
1 ـ مستدرك الحاكم 4 : 599 / 8568 ، والطبعة القديمة 4 : 514.
2 ـ تلخيص المستدرك / الذهبي ( مطبوع بهامش مستدرك الحاكمـ الطبعة القديمة ) 4 : 514.
3 ـ تاريخ بغداد 4 : 93 / 1742 في ترجمة محمد بن نوح بن سعيد المؤذن.
4 ـ ميزان الاعتدال 1 : 89 / 328.
5 ـ العلل المتناهية 2 : 858 / 1438.
6 ـ سلسلة الأحاديث الضعيفة 1 : 180 ـ 181 / 80.
7 ـ الجامع الصغير / السيوطي 2 : 672 / 9242.


(258)
لا اصل له كما صرح بهذا غير واحد.
    قال المناوي في شرح الجامع الصغير بخصوص هذا الحديث : « قال ابن الجوزي : فيه محمد بن الوليد المقريء ، قال ابن عدي : يضع الحديث ، ويصله ، ويسرق ، ويقلب الأسانيد والمتون. وقال ابن أبي معشر : كذاب » (1).
    وأورده صاحب الصواعق ، ثم نقل عن الذهبي قوله : « تفرّد به محمد ابن الوليد مولى بني هاشم ـ يعني : العباسيين ـ وكان يضع الحديث » (2).
    وقد ترجم الذهبي لهذا الكذاب قائلاً : « قال ابن عدي : كان يضع الحديث ، وقال أبو عروبة : كذاب ، فمن أباطيله .. » ثم ساق له ثلاثة أخبار كلها كذب على الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وآله ، وأشدها خرافة ثالثها. ثم قال : « قال ابو حاتم : ليس بصدوق ، وقال الدار قطني : ضعيف » (3).
    ومنها : حديث أحمد بن راشد الهلالي ، عن سعيد بن خثيم ، رفعه إلى أم الفضل ، عن النبي صلّى الله عليه وآله : « يا عباس إذا كانت سنة خمس وثلاثين ومائة ، فهي لك ولولدك منهم : السفاح ، ومنهم المنصور ، ومنهم المهدي » (4).
    ويبدو من هذا الهلالي كان غبًيا جاهلاً بالتاريخ ، ولهذا فقد خالف
1 ـ فيض القدير في شرح الجامع الصغير / عبد الرؤوف المناوي الشافعي 6 : 278 / 9242.
2 ـ الصواعق المحرقة / ابن حجر الهيثمي : 166.
3 ـ ميزان الاعتدال 4 : 59 ـ 60 /8293.
4 ـ تاريخ بغداد 1 : 84 ـ 85 ، باب من أخبار أبي جعفر المنصور.


(259)
بخبره هذا واضحات التاريخ ، حيث لم يبدا حكم بني العباس بما قاله هذا الكذّاب ، وإنّما ابتدا حكمهم في ( سنة / 132 هـ ) بلا خلاف ، ولهذا قال الذهبي في ترجمته : « أحمد بن راشد الهلالي ، عن سعيد بن خثيم بخبر باطل في ذكر بني العباس ـ ثم أورد خبره وقال ـ فهو الذي إختلقه بجهل » (1).
    ونكتفي بهذا القدر من التوضيح مع الإشارة السريعة إلى بقية ما وقفنا عليه من أحاديث المهملين والكذّابين الذين وضعوا الأحاديث في مهدوية المهدي العباسي :
    كمحمد بن زياد أبو بكر ، وسالم الأعشى ، وهما مهملان ، وحديثهما عن ابن عباس موضوع (2).
    ومحمد بن جابر بن سيار الحنفي ( ضعيف ) ، والحسن بن أحمد العطاردي ( مجهول ) ، وقد وقعا في سند حديث واحد مكذوب على أبي سعيد الخدري (3).
    وأبي ربيعة زيد بن عوف القطعي وحديثه موضوع (4).
    والضحّاك ، عن ابن عباس ، وحديثه موضوع ، لانه لم يسمع من ابن
1 ـ ميزان الاعتدال 1 : 97 / 375.
2 ـ الموضوعات / ابن الجوزي 2 : 447 ، ترتيب الموضوعات / الذهبي : 322 / 1172 ، والهلاليء ، المصنوعة 1 : 398 .
3 ـ تاريخ بغداد 9 : 399 / 5007.
4 ـ العلل المتناهية 1 : 290 / 469.


(260)
عباس شيئاًً ، ولعل الآفة من المجهول الذي سمعه الضحاك منه ، كما في قول ابن حبان (1).
    جدير بالذكر ، أنه وردت عن أهل البيت عليهم السّلام جملة من الأخبار الصريحة بأن المراد بالمنصور في الروايات هو الإمام الحسين عليه السّلام وبالسفاح هو امير المؤمنين على عليه السّلام ، وذلك بعد الرجعة (2).
    ومهما يكن ، فإنّ بني العباس حاولوا خداع الأمة على أكثر من صعيد من آجل تمرير أهدافهم السياسية في القضاء على خصومهم من العلويين وغيرهم ، ومن ثم تحسين صورتهم في أعين الناس الذين كانوا يرونهم عصابة إغتصبت ثمار جهود متواصلة من النضال العلوي ضد الحكم الأموي الجائر ، ومن هنا كانوا بحاجة إلى تحسين تلك الصورة التي أرادوا جلي سحنتها بكل ثمن ، وأخيراً وجدوا بغيتهم عند حفنة من الوضاعين والمتروكين فوضغوا لهم : « أُريت بني مروان يتعاورون منبري فساءني ذلك ، ورأيت بني العباس يتعاورون منبري فسرني ذلك » (3).
    والمقطع الأول من الحديث المذكور صحيح بلا إشكال ، وقد تقدم في اكذوبة مهدوية عمر بن عبد العزيز الأموي المرواني. ولكن المقطع الثاني منه : « ورأيت بني العباس ... » موضوع بلا شبهة ، والذي وضعه يزيد بن
1 ـ لسان الميزان 6 : 451 ـ 452 / 7976 في ترجمة محمد بن الفرج الأزرق.
2 ـ راجع : تفسير العياشي 2 : 326 / 24 ، وكتاب الغيبة / النعماني : 331 ـ 332 / 3 باب 26 ، ومختصر بصائر الدرجات : 38 ، و 39 ، و 49 ، و 213 ، و 214 ، والاختصاص / الشيخ المفيد : 257 ـ 258 ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 286.
3 ـ المعجم الكبير / الطبراني 2 : 96 / 1425.


(261)
ربيعة ، المتروك (1).
    هذا .. وقد رأينا كيف سخّر العباسيون جملة من الرعاع لنصرتهم بالإلتفاف على أحاديث الرايات السود التي صحّ الحديث بخروجها من المشرق في آخر الزمان لنصرة الإمام المهدي عليه السّلام وتوطيد سلطانه الشريف ، وهي أحاديث صحيحة رواها الفريقان وصحح الحاكم بعض طرقها على شرط البخاري ومسلم معاً (2) ، ولهذا حاولوا صرف الأنظار إلى ما يوحي للأمّة بمن تلك الرايا السود ، هي الرايات السود التي أقبل بها داعيتهم أبو مسلم الخراساني من خراسان لإنشاء دولتهم ، ولم يصعب عليهم إيجاد أن يضع لهم الحديث في ذلك. الأمر الذي يكشف لنا عن من اختيار العباسيين لبس السواد ـ كشعار لهم ـ لم يكن جزافاً ، وبلا هدف ، وإنّما جاء منسجماً مع وسائلهم في الوصول إلى السلطة وسبل تثبيتها ، بالغدر والقتل تارةً ، وبالكذب على الله ورسوله صلّى الله عليه وآله تارةً أخرى.
    وقد تنبه ابن كثير إلى كذبهم هذا ، فقال معقباً حديث الرايات في سنن الترمذي (3) : « وهذه الرايات السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني .. بل رايات سود أخر تأتي بصحبة المهدي » (4).

    3 ـ الشعراء :
    كما كان للشعراء دور كبير أيضاً في إفشاء مهدوية ( المهدي ) العباسي ،
1 ـ مجمع الزوائد 5 : 244 قال : « وفيه يزيد بن ربيعة ، وهو متروك » .
2 ـ مستدرك الحاكم 4 : 547 / 8532 ، والطبعة القديمة 4 : 502.
3 ـ سنن الترمذي 4 : 531 / 2269.
4 ـ النهاية في الفتن والملاحم / ابن كثير 1 : 55.


(262)
وقد كان نصيبهم في هذا كبيراًً ، حيث تقرّبوا إلى العباسيين بمدائح مكذوبة ، ونعتوهم بصفات لا توجد فيهم ، طمعا في ما حازوه من أموال الأمة. من امثال : مروان بن أبي حفصة ، وسِلْم الخاسر وغيرهما من الشعراء.
    فمن قول مروان بن أبي حفصة :
مهدي أمته الذي أمست به للذلّ آمنةً وللإعدام (1)
    وقال سلم الخاسر :
له شيمةٌ عند بذل العطا ومهدي أمّتنا والذي ء لا يعرف الناس مقدارها حماها وأدرك أوتارها
فامر له ( المهدي ) بخمسمائة ألف درهم ! (2).
    ومدح سِلْم ـ ذات يوم ـ بعض العلويين : فبلّغ ذلك المهدي العباسي فتوعده وهمّ به ، فاعتذر له بقصيدة يقول فيها :
إني أتتني على المهدي معتبةٌ تكاد من خوفها الأحشاء تضطرب (3)
    ومن سخافة شعر سِلْم الخاسر ، إنه وصف محمد بن عبد الله المنصور العباسي بالمهدوية ، وهو يراه جثّةً هامدة !! فقال يرثيه :
وباكية على المهدي عبرى كأن بها ـ وما جُنّتْ ـ جنونا (4)

1 ـ تاريخ الخلفاء / السيوطي 220.
2 ـ الأغاني / أبو الفرج الأصبهاني 19 : 279 في ترجمة سلم الخاسر.
3 ـ الأغاني 19 : 275.
4 ـ تاريخ الخلفاء 220.


(263)
    وقال ابو العتاهية في جارية المهدي العباسي ( عتبة ) وكان يحبّها :
نفسي بشيءٍ الدنيا معلّقةٌ إنّي لآيس منها ثم يطمعني الله والقائم المهدي يكفيها فيها احتقارك للدنيا وما فيها (1)
    وسيأتي في شخصية المهدي العباسي ما يدلُّ على انغماسه في ملذات الدنيا وزخارفها بلا زهدٍ في شيءٍ منها.
    وقال أحد شعراء البلاط مهنئاً المهدي العباسي بولاية العهد :
يا ابن الخليفة أن أُمة أحمد ولتملأن الأرض عدلاً كالذي ختى تمنّى لو ترى أمواتها فعلى أبيك اليوم بهجة ملكها تاقت إليك بطاعة أهواؤها كانت تحدّث أمة علماؤها من عدل حكمك م ترى أحياؤها وغدا عليك إزارها ورداؤها (2)
    وهذه الأبيات تكشف بكل وضوح عن دور المنصور في إشاعة تلك المهدوية الباطلة على الناس كذباً ودجلاً وجرأةً على الله تعالى ورسوله الكريم صلّى الله عليه وآله.

    ثانياًً ـ شخصية المهدي العباسي في الميزان :
    كان ( المهدي العباسي ) يحب الغناء ويستخفّه الطرب ! ولا غرو في ذلك بعد نشأته في بيت الغناء والطرب ، فأخوه إبراهيم كان من أشهر المغنين في
1 ـ مروج الذهب / المسعودي 3 : 326 ـ 327.
2 ـ تاريخ الخلفاء / السيوطي : 222 في حديثه عن المهدي العباسي.


(264)
زمانه ، وأخته عُلَيّة ـ وما أدراك ما عُلَيّة ؟ مطربة مغنية ، شغفت بخادمها ـ رشأ ـ حبّا !! (1).
    وفي هذا يقول أبو الفراس الحمداني :
منكم « عُلَيّةُ » أم منهم ؟ وكان لكم شيخ المغين « ابراهيمُ » أم لهم (2)
    ومن أطرف ما يصوّر لنا قيمة شخصية المهدي العباسي ، ما ذكره السيوطي في ترجمته ، قال ـ بعدما أورد له حديثاً في البسملة ـ : « قال الذهبي : هذا إسناد متصل ، لكن ما علمت أحدا احتجّ بالمهدي ولا بأبيه ـ المنصور ـ في الأحكام » (3). وليت شعري ! ما تلك الإزدواجية وذلك النفاق في تسميته بعد كل هذا إذن بخليفة المسلمين ، وأمير المؤمنين ، والمهدي ؟
    ( أفَمن يَهدِى إلى الحَقِّ أحَقِّ أَن يُتَّبع أَم مَن لا يَهديِ إلاّ أن يُهدَى فما لكُم كيفَ تَحكُمُونَ ) (4).
    ولإهمال هذا المهدي المزيف شؤون الرعية ، وانغماسه في لهوه وملذاته ؛ تدخلت النساء في شؤون دولته ، لا سيما زوجته الخيزران الذي استفحل أمرها في عهده وبقيت هكذا حتى استولت على زمام الأمور في
1 ـ راجع : أشعار أولاد الخلفاء وأخبارهم من كتاب الأوراق / أبو بكر محمد بن يحيى الصولي : 62.
2 ـ ديوان أبي فراس الحمداني : 304. قصيدة رقم / 303 البيت رقم / 54.
3 ـ تاريخ الخلفاء : 224.
4 ـ سورة يونس : 10 / 35.


(265)
عهد ابنه الهادي العباسي ( 169 ـ 170 هـ ) (1) ، وإذا ما أضيف إلى هذا مجونه وفسقه كما مرّ في شخصيته ، فكيف يسمّى بخليفة الله في أرضه ؟!
    والعجيب من ( المهدي العباسي ) إنّه لم تمنعه ( مهدويته ) ولا ( خلافته ) من الفسق والفجور وشرب الخمور علناً بلا حجاب عن ندمائه (2).
    وهو القائل في نديمه عمر بن بزيع :
ربّ تمم لي نعيمي إنّما لذّة عيشي وجِوارٍ عطراتٍ بأبي حفصٍ نديمي في غِنَاءٍ وكُرُومِ وسَمَاعٍ ونَعِيمِ (3)
    هذا فضلاً عن تقريبه لأمثال مولى آل مروان اليهودي مروان بن أبي حفصة الشاعر ، وغيره من شعراء البلاط الماجنين. وما كان يطربه من شعرهم الماجن إلاّ ما ينشده مولى آل مروان ، لا سيما قصيدته الهائية في النيل من آل محمد صلّى الله عليه وآله ، ولد الزهراء البتول عليها السّلام ؛ ليهبه ( المهدي ) بعد ذلك ثمن كفره ، فيعطيه على كل بيت منها ألف درهم ، وكانت مائة بيت ! (4).
1 ـ تاريخ الطبري 3 : 466
2 ـ ذكر السيوطي من مجون هذا الرجل وفسقه أنه كان لا يحتجب عن ندمائه ( في الشراب ) خلافا لأبيه المنصور الذي كان يحتجب عنهم فأشير عليه من يحتجب فقال : « إنّما اللذة مع مشاهدتهم » !! راجع : تاريخ الخلفاء : 216 في ترجمة المنصور العباسي و : 222 في ترجمة المهدي العباسي.
3 ـ تاريخ الخلفاء : 222.
4 ـ تاريخ بغداد 13 : 146 / 7127 في ترجمة مروان بن أبي حفصة الشاعر


(266)
    ومروان هذا هو الذي أنشد هارون بعد هلاك ( المهدي العباسي ) قصيدته التي يقول فيها :
منى يكـــون وليس ذاك بكــائنٍ لبــني البــنات وراثــة الأعــمامِ
    ليقبض ـ بعد هذا ـ ثمن جرأته على الله ورسوله صلّى الله عليه وآله من ( الخليفة ) مائة ألف درهم ؛ ثم لم يلبث أن زاده اللارشيد ـ بغضاً للحق وأهله ـ عشرة الآف أخرى !! (1).
    أليس هذا من جملة البلاء المقصود في الصحيح عن الإمام الصادق عليه السّلام : « إن الله عزّوجلّ أعفى نبيّكم صلّى الله عليه وآله أن يلقى من أمّته ما لقيت الأنبياء من أممها ، وجعل ذلك علينا » ؟ (2).
    بلى والله إنه لمن البلاء الذي صبّ على أهل البيت عليهم السّلام صبّا ، وأعظم منه ادّعاء الخلافة نهباً وغصباً ، والمهدوية كذباً ونصباً.
    ترى ! فكيف واجه الإمام الصادق عليه السّلام هذا الادّعاء الكاذب والأفك المبين ؟

    ثالثاًً ـ موقف الإمام الصادق عليه السّلام من المهدوية العباسية :
    إنّ أغلب الخطوط العامّة في منهج الإمام الصادق عليه السّلام في رد دعاوى المهدوية السابقة على ظهور إكذوبه مهدوية بن العباس ، صالحة للردِّ على تلك الأكذوبة ، كما من توضيحه عليه السّلام لمعالم المهدوية الحقّة ، إبتداء أو جواباً على سؤال ؛ يعتبر ردّا محكما على سائر الدعاوى المهدية الباطلة في التاريخ
1 ـ تاريخ بغداد 13 : 145 / 7127.
2 ـ روضة الكافي 8 : 209 / 352 ، ورجاله ثقات كلهم.


(267)
لا سيّما تلك التي عاصرها الإمام الصادق عليه السّلام ومنها مهدوية المهدي العباسي. ممّا يعني هذا .. من معرفة موقفه عليه السّلام من هذه المسألة يتطلب معرفة موقفه أن سابقاتها والوقوف على منهجه في توضيح هوية الإمام المهدي عليه السّلام وهو ما سبق تفصيله.
    على أن محمد بن عبد الله المنصور يكنى : أبا عبد الله ، وعلى هذا ، فهويته الشخصية مطابقة لهوية ( المهدي الحسني ) من جهة : الاسم ، والكنية ، واسم الأب ، واللقب ( المهدي ). وتختلف معها في النسب ، واسم الأمّ ؛ إذ ذاك ( حسني ) ، وهذا ( عباس ). وأمّ ذاك ( هند ) ، وأمّ هذا ( أمّ موسى بنت منصور الحميرية ) (1).
    وقد مر عن الإمام الصادق عليه السّلام منا يبيّن الفرق الكبير بين هوية الإمام المهدي عليه السّلام وبين تلك الهويات الزائفة.
     ولعل الشيء الذي لا بدّ من ذكره هنا ليعبّر لنا عن موقف الإمام الصادق عليه السَّلام من مهدوية العباسي بصورة مباشرة هو رأية في بني العباس وسلطتهم ، وخير ما يوضح لنا ذلك أحاديثه الشريفة ، وهي على أصنافٍ كثيرة ، نشير إلى بعضها اختصاراً ، وهي :

    1 ـ الأمر بالتقية من بني العباس :
    ويدلُّ عليه أحاديث التقيّة الواردة عن الإمام الصادق عليه السّلام وهي كثيرة ، وتظهر صلتها المباشرة بما نحن فيه إذا علمنا بتصريح الإمام الصادق عليه السّلام ـ كما تقدم في فصول البحث ـ بارتفاع التقيّة في زمان ظهور
1 ـ مروج الذهب 3 : 319 ، وتاريخ الخلفاء : 218.

(268)
الإمام المهدي عليه السّلام ، ومعنى هذا : أن الأمر بالتقيّة في زمانه دليل على إشعار الناس بزيف مهدوية المهدي العباسي وكذب مروّجيها له.

    2 ـ الأمر بكتمان أمر أهل البيت عليهم السّلام عن العباسيين :
    ويدلُّ عليه أحاديث الإمام الصادق عليه السّلام في الكتمان ، وهي كثيرة أيضاً ، وصلتها بموضوعنا أوضح من أن تحتاج إلى بيان ؛ لأن معنى تلك الأحاديث : هو أن تصان أسرار آل محمد صلّى الله عليه وآله ولا تذاع على مسامع السلطة العباسية وجواسيسها واتباعها وأنصارها ؛ خشيةً على الآل عليهم السّلام من القتل أو السجن أو النفي وغير ذلك من وسائل الإرهاب والبطش والتنكيل ؛ ولهذا كان إمامنا الصادق عليه السّلام يحذّر أصحابه من خطر إذاعة أسرارهم ، ويقول لهم : « من أذاع علينا شيئاًً من أمرنا فهو كمن قتلنا عمداً ولم يقتلنا خطأً » (1).
    وكان عليه السّلام يأمرهم بمواساة أهل البيت عليهم السّلام في ظلّ تلك السياسة الظالمة الرعناء ويحثهم على كتم الأسرار ، بقوله عليه السّلام : « نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمّه لنا عبادة ، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله » (2).

    3 ـ الأمر بالابتعاد عن العباسيين وقضاتهم في المرافعات ووصفهم بالطاغوت :
    ويدلّ عليه الأحاديث الصريحة الآمِرة بعدم الرجوع إلى العباسين ولا إلى أحد من ولاتهم أو قضاتهم بشيءٍ من المرافعات القضائية.
1 ـ أصول الكافي 2 : 275 / 9 باب الإذاعة ، من كتاب الإيمان والكفر.
2 ـ أمالي الشيخ المفيد : 338 / 3 المجلس رقم / 40 ، وأمالي الشيخ الطوسي : 115 / 178 المجلس رقم / 4.


(269)
    فقد جاء في مقبلوله عمر بن حنظلة ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث ، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة ، أيحلّ ذلك ؟ قال عليه السّلام : من تحاكم إليهم في حقٍّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فإنّما يأخذ سحتاً ، وإن كان حقاً ثابتاً له ، لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله أن يكفر به ، قال الله تعالى : ( يريدونَ أن يتحاكموا إلى الطّاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ) (1).
    قلت فكيف يصنعان ؟ قال : « ينظرون إلى من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً .. الحديث » (2).
    أو ليس في سلب الشرعية عن أيّة مرافعة إلى العباسيين أو إلى قصاتهم ؛ لأنها مرافعة بين يدي الطاغوت ، ما يدلّ على فساد تلك الدولة ، ووضوح موقف الإمام الصادق عليه السّلام من مهدوية أخى مطربها إبراهيم ومغنيتها عُليّة ؟

    4 ـ أحاديثه عليه السّلام الواردة في ذمّ بني العباس صراحةً :
    كحديثه عليه السّلام في وصفهم بأنهم أولاد نثيلة لا يستحقّون من الملك فتيلاً (3).
1 ـ سورة النساء : 4 / 60.
2 ـ أصول الكافي 1 : 67 ـ 68 / 10 باب اختلاف الحديث ، من كتاب فضل العلم.
3 ـ روضة الكافي 8 : 216 ـ 217 / 372 ، ونثيلة : أَمةُ لأمّ الزبير وأبي طالب ،


(270)
    وحديث أبي بصير ، قال : « سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : اتّقوا الله وعليكم بالطاعة لأئمتكم .. فإنّكم في سلطان من قال الله تعالى : ( وإن كانَ مكرهم لتزولَ منهُ الجبالُ ) (1) ، يعني بذلك : ولد العباس » (2).
    وحديث جميل بن درّاج قال : « سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : ( وإن كان مكرهم لتزولَ منه الجبالُ ) وإن كان مكر لد العباس بالقائم لتزول منه قلوب الرجال » (3).
    وسئل عليه السّلام في قوله تعالى : ( فلمّا نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) (4) قال عليه السّلام : « أخذ بني أميه بغتةً ، ويؤخذ بني العباس جهرةً » (5).
    وجرى ـ ذات يوم ـ في مجلس الإمام الصادق عليه السّلام ذِكْرُ دور بني العباس ، كدار صالح ، ودار عيسى بن على ، فقال رجل ممّن حضر :
وعبد الله بن المطلّب. وهي أمّ العباسيين. ولم يعتقها أحد من هؤلاء الثلاثة ، مما يعني هذا : أن العباسيين عبيد لأولاد الثلاثة ، فكيف يكون المهدي منهم ؟! بل كيف تصحّ خلافة العبيد ؟!
1 ـ سورة ابراهيم : 14 / 46.
2 ـ أمالي الشيخ الطوسي : 667 / 1398 ( 5 ) المجلس رقم / 36.
3 ـ تفسير العياشي 2 : 420 / 48 في تفسير سورة إبراهيم.
4 ـ سورة الأنعام : 6 / 44.
5 ـ تفسير العياشي 2 : 98 / 24 في تفسير سورة الأنعام.
غيبة الإمام المهدي ::: فهرس