الشيعة:
قام الكيان الشيعي على الجواب الايجابي على
السؤال الآنف الذكر وذلك تبعا لما ورد في
القرآن والسنة الصحيحة وتبعا لحركة الائمة
الإثني عشر في الامة وما صدر عنهم من اقوال
وسيرة.
فالقرآن اثبت وجود مطهرين معصومين من أهل بيت
النبي دون غيرهم ولم يسمِّهم وسمّاهم النبي
كما ورد في الحديث النبوي المعروف بحديث
الكساء.
واثبت القرآن ان موقع الشهيد على الناس البشير
النذير الذي جعله الله تعالى للنبي (صلى الله
عليه وآله) ابتداء (يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ
إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا
وَنَذِيرًا) الأحزاب/45 مستمر في الامة بعد
النبي في اهل بيته قال تعالى (أَفَمَنْ كَانَ
عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ
شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ
مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً) هود/17وقوله
تعالى (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ
سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ
وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا
عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى
النَّاسِ) الحج/78.
ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى: (أَمْ
يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ الله
مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ
إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54)
فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ
صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا
(55)) النساء/54-55 وآل ابراهيم هنا هم البقية
الباقية من عترته المشار اليها في قوله تعالى
(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ
مِن الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا
تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّك أَنْتَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا
مُسْلِمَيْنِ لَك وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا
أُمَّةً مُسْلِمَةً لَك وَأَرِنَا
مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّك أَنْتَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا
وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو
عَلَيْهِمْ آيَاتِك وَيُعَلِّمُهُم الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّك أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)) البقرة/127-129
وآل ابراهيم هؤلاء قد أورثهم النبي (صلى الله
عليه وآله) بامر الله تعالى الكتاب وبيانه
وراثة خاصة قال تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا
الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ
عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ
وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ
بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ الله ذَلِك هُوَ
الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) فاطر/32 فالوارث للكتاب
هو السابق بالخيرات. اما المقتصد فهو المتعلم
منهم، اما الظالم لنفسه فهو التارك لهم الصادّ
عنهم. وهذه الوراثة نظير وراثة آل هارون تراث
موسى المشار اليه في قوله تعالى (وَقَالَ
لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ
يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ
مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَك آلُ
مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ
الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِك لآيَةً لَكُمْ
إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) البقرة/248.
وقد كلف الله تعالى هؤلاء الوارثين السابقين
بالخيرات بإذن الله ان يحفظوا الرسالة بعد
النبي وعرضهم على الناس ائمة هدى وفرض
الاقتداء بهم (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ
فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا
بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُوْلَئِك الَّذِينَ
هَدَى الله فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ قُلْ لا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ
إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)) الأنعام.
وقد أكد النبي (صلى الله عليه وآله) مفاهيم
هذه الايات بقوله: (إني تارك فيكم أمرين (وفي
رواية ثقلين)لن تضلوا إن اتبعتموهما(وفي رواية
ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي ابدا): كتاب
الله وعترتي أهل بيتي فلا تقدموهما فتهلكوا
ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم
أعلم منكم. ثم قال: أتعلمون أني أولى
بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم. فقال: من
كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد
من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله).
وقوله: (يا علي انت مني بمنزلة هارون من موسى
الا انه لا نبي بعدي). وقوله: (يكون لهذه
الامة اثنا عشر قيِّماً لا يضرهم من خذلهم
كلهم من قريش). وقوله: (يكون بعدي من الخلفاء
عدة أصحاب موسى) واصحاب موسى في القران اثنا
عشر كما قال تعالى (وَلَقَدْ أَخَذَ الله
مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا
مِنْهُمُ اثْنَىْ عَشَرَ
نَقِيبًا)المائدة/12-13. وقال تعالى (وَمِن
قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَىْ
عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا)الاعراف/159-160.
وقوله (صلى الله عليه وآله): (الحسن والحسين
سبطان من الاسباط).
وتحرك علي والحسن والحسين والتسعة من ذرية
الحسين (عليه السلام) في الواقع التاريخي حركة
منسجمة مع تلك النصوص مع تصريح منهم انهم
المراد بهم في تلك الايات دون غيرهم.
قال علي (عليه السلام): (أين الذين زعموا انهم
الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا ان
رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم وأدخلنا
وأخرجهم بنا يستعطى الهدى ويستجلى
العمى ان الائمة من قريش غرسوا في هذا البطن
من هاشم لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة من
غيرهم).
وقال (عليه السلام) في ذكر اهل بيت النبي (صلى
الله عليه وآله): (هم موضع سره، ولجأ أمره،
وعيبة علمه، وموئل حكمه، وكهوف كتبه، وجبال
دينه بهم أقام انحناء ظهره، واذهب ارتعاد
فرائصه، لا يقاس بآل محمد (صلى الله عليه
وآله) من هذه الأمة أحد ولا يسوى بهم من جرت
نعمتهم عليه أبدا هم أساس الدين وعماد اليقين
إليهم يفئ الغالي وبهم يلحق التالي ولهم خصائص
حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة).
والكتب التي ذكرها (عليه السلام) في هذا
الكلام هي ما كتبه بيده عن النبي (صلى الله
عليه وآله).
وفي رواية الباقر (عليه السلام) قال قال
رسول (صلى الله عليه وآله) الله لعلي (عليه
السلام): اكتب ما أملي عليك قال يانبي الله
اتخاف علي النسيان؟ قال لست اخاف عليك النسيان
وقد دعوت الله ان يحفظك ولا ينسيك ولكن اكتب
لشركائك، قال قلت ومن شركائي يانبي الله؟ قال
الائمة من ولدك... .
وعن حمران بن اعين عن ابي جعفر (عليه السلام)
قال اشار الى بيت كبير وقال يا حمران ان في
هذا البيت صحيفة طولها سبعون ذراعا بخط علي
واملاء رسول الله ولو لينا الناس لحكمنا بما
انزل الله لم نعد ما في هذه الصحيفة.
وفي رواية أخرى قال والله ان عندنا لجلدي ماعز
وضأن املاها رسول الله وخط علي (بيده) وأن
عندنا لصحيفة طولها سبعون ذراعا املاها رسول
الله وخطها علي بيده وان فيها لجميع ما يحتاج
اليه حتى ارش الخدش.
وقال الامام الصادق (عليه السلام): (أترون ان
الموصي منا يوصي إلى من يريد لا والله ولكنه
عهد معهود من رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إلى رجل فرجل حتى انتهى إلى نفسه). وفي لفظ
آخر (إلى ان ينتهي إلى صاحب هذا الامر).
وقال (عليه السلام): (نحن اثنا عشر محدَّثاً).
والمحدَّث هو الذي تحدثه الملائكة بإذن الله
وليس شرطا ان يكون نبيا كما هو الحال في
مريم (عليه السلام).
وقال الباقر (عليه السلام): (يكون تسعة أئمة
من ذرية الحسين بن علي تاسعهم قائمهم).
وقال الصادق: (انا من الذين قال عنهم الله
اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده).
وأُثِرَ عن الائمة (عليهم السلام) تراث فكري
ضخم جدا، مستقل ومتميز يعكس رواية كاملة
للبيان النبوي للاسلام وتجربته الالهية
المعصومة، حمَّله عنهم شيعتهم ودوَّنوه في
كتبهم المعروفة.
وشاءت حكمة الله تعالى ان يجعل تشابها تكوينيا
بين المطهرين من آل النبي (صلى الله عليه
وآله)وبين نظرائهم من الاوصياء في الامم
السابقة.
شاءت حكمة الله تعالى ان يجعل في الحجج من بعد
محمد (صلى الله عليه وآله) في امته امرأة حجة
وهي فاطمة بنت محمد(صلى الله عليه وآله) كما
جعل بعد موسى في امته امرأة حجة وهي مريم بنت
عمران (عليه السلام).
وشاءت حكمة الله تعالى أيضاً ان يجعل من ذرية
فاطمة (عليها السلام) خاتم أوصياء محمد (صلى
الله عليه وآله) وهو الحجة بن الحسن
العسكري (عليه السلام) كما جعل من ذرية
مريم (عليها السلام) من قبلُ حجته عيسى (عليه
السلام) خاتم أصفيائه من آل عمران وبني
إسرائيل.
وشاءت حكمة الله تعالى ان يجعل المهدي من آل
محمد (صلى الله عليه وآله) نظيرا لعيسى من آل
عمران من ناحية الاختلاف في ولادته والامتحان
بغيبته، فقد اختلف بنو إسرائيل في ولادة
المسيح بعد ان كانوا ينتظرونه جميعا للنصوص
الثابتة عن أنبيائهم وفي كتبهم،
فآمنت طائفة لما ولد وأنكرت طائفة ذلك إلى
اليوم.
واختلفت أمة محمد (صلى الله عليه وآله) في
ولادة المهدي المنتظر من ولد فاطمة (عليها
السلام) بعد ان اخبر النبي (صلى الله عليه
وآله) عنه وبشَّر به
فآمنت طائفة لما ولد سنة 255 هجـ، وهي لا تزال
مؤمنة به الى اليوم وأنكرت طائفة ذلك إلى اليوم
أيضا.
وامتُحن أنصار عيسى بغيبته، فمنهم من قال قتل،
ومنهم من قال أنجاه الله من كيد الظالمين
واتصل بخواص تلاميذه لفترة يوجههم ثم غيَّبه
الله تعالى ليظهره آخر الزمان.
وكذلك امتُحن شيعة المهدي (عليه السلام)
بغيبته فمنهم / وهو قليل جدا وفي وقته / من
قال انه مات في الغيبة،
وقال الاغلب بحياته في غيبته الطويلة التي غاب
فيها بعد غيبته القصيرة وهم ينتظرون ظهوره
ليحقق الله تعالى به وعده الذي وعده لنبيه
الخاتم. وشاءت حكمة الله أيضا ان يجعل في آل
محمد (صلى الله عليه وآله) حجة لله في سن دون
العاشرة من عمره وهو أبو جعفر محمد
الجواد (عليه السلام) ليكون نظيرا ليحيى في آل
عمران آتاه الله الحكم صبيا.
وشاءت حكمة الله ان يجعل أوصياء محمد (صلى
الله عليه وآله) اثني عشر وان يجعل الثاني عشر
منهم المهدي يحقق الله تعالى على يده وعده
لنبيه محمد (صلى الله عليه وآله) ويرث
المؤمنون برسالته الارض كلها (وَلَقَدْ
كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ
الذِّكْرِ أَنَّ الاَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ
الصَّالِحُونَ)الانبياء / 105 وان يكون ذلك
نظيرا لاوصياء موسى الاثني عشر وما جعله على
يد الثاني عشر من أوصيائه وهو داود من تحقق
للوعد الذي وعده لموسى وبني إسرائيل من وراثة
ارض فلسطين وما حولها.
وشاءت حكمة الله ان يجعل اغلب أوصياء
محمد (صلى الله عليه وآله) من ذرية أخيه
ووزيره وأول أوصيائه علي (عليه السلام) وان
يكون ذلك نظيرا لما جعله الله تعالى من كون
اغلب أوصياء موسى (عليه السلام) بعده في ذرية
أخيه ووزيره هارون (عليه السلام) وهم (آل
هارون).
أهل السنة:
وقام الكيان السني على الاجابة السلبية على
السؤال المذكور حيث نفى أهل السنة وجود
معصومين بعد النبي لهم امتياز خاص في البيان
النظري او العملي للاسلام أو في حق الحكم.
وحاولوا رد دلالة النصوص الآنفة الذكر على
مدعى الشيعة.
ونفوا صحة الاخبار التي تفيد ان عليا والحسن
والحسين والتسعة من ذرية الحسين قد ساروا في
سيرتهم الفكرية والعملية والسياسية سيرة تنسجم
مع ما يدعيه الشيعة من فهم لتلك النصوص، ونفوا
كذلك صحة النصوص الآنفة الذكر ونظائرها
المأثورة عن الائمة (عليهم السلام) واعتبروها
وامثالها من مختلقات الشيعة.
محور الخلاف الاساس بين الشيعة واهل السنة:
وفي ضوء ذلك يتضح ان محور الخلاف الاساس بين
مدرسة التسنن والتشيع هو حول وجود صنف
الربانيين من العلماء الشهداء على الناس شهادة
تجعلهم ميزانا فكرياً وعملياً للناس يزنون به
اعمالهم في كل حقل من الحقول امتداداً لمنزلة
النبي (صلى الله عليه وآله) في ذلك.
الشيعة يعتقدون بوجود اثني عشر شخصا معصوما من
اهل بيت النبي يضاف اليهم الزهراء (عليها
السلام) لهم موقع الشهادة على الناس كشهادة
النبي وامتداد لها، ويترتب على كون الائمة
الاثني عشر لهم منزلة النبي الا فيما يخص
النبوة والازواج انهم اولى الناس بالحكم
كاولوية النبي في زمانه.
وأهل السنة ينفون وجود معصوم بعد النبي (صلى
الله عليه وآله) وما يترتب على وجوده.
والشيعة يسوقون أدلتهم من القرآن والسنة
والنبوية وما اثر عن الائمة (عليهم السلام) من
تراث وسيرة، وأهل السنة ينفون دلالة الايات
والروايات وما يؤثر من تراث خاص عن الائمة.
والمسألة مسألة علمية ومفتوحة لكل باحث وتبقى
مفتوحة حتى ظهور المهدي بن الحسن العسكري الذي
يدعيه الشيعة ويثبت هويته للعالم بوسائله التي
اعدها لذلك.
نظرية الحكم
نتناولها اولا في الفكر السني.
نظرية الحكم في الفكر السني: ويهمنا من بحث
نظرية الحكم هنا ثلاثة امور بشكل مختصر وهي:
الامر الاول: الشخص المؤهل لاقامة الحكم
الاسلامي
الذي نحرزه وان لم يحضرنا موضعه في كتاب معين
هو ان الفكر السني يميز في هذا الامر بين
فترتين:
الفترة الاولى فترة وجود النبي: والشخص
المستحق للحكم هو النبي وحده لمكان نبوته
ورسالته ويحرم تقدم أي شخص على النبي في هذا
الموقع وفي غيره لكونهاولى بكل مسلم من نفسه
ورسالته قال تعالى: (النَّبِىُّ أَوْلَى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ
وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) الأحزاب/6.
وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىْ الله
وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله
سَمِيعٌ عَلِيمٌ) الحجرات/1. وغيرها وفي
الواقع فإن هذه المسالة من البديهيات.
الفترة الثانية فترة ما بعد النبي (صلى الله
عليه وآله): ويرى مفكرو اهل السنة ان المؤهل
للحكم هو العالم بالكتاب والسنة وان الصحابة
كلهم مؤهلون على تفاضل بينهم في العلم
والكفاءة. وفي جيل ما بعد الصحابة يشترط
الكثير من الفقهاء في الحاكم ان يكون فقيها.
قال الشريف الجرجاني في شرحه على مواقف عضد
الدين: (الجمهور على ان الامامة ومستحقها من
هو مجتهد في الاصول والفروع).
الامر الثاني: الطريقة التي توصل الشخص المؤهل
الى موقع الحكم ومصدر سلطة الحاكم
يرى فقهاء اهل السنة ان الطريقة المشروعة التي
توصل الانسان الى الحكم وتمنحه السلطة هي
البيعة، والاساس في ذلك سنة النبي (صلى الله
عليه وآله) مع ملاحظة ان النبي ينص القرآن على
ولايته، وهناك من الفقهاء من اعطى مشروعية لما
يسمى بالامر الواقع او الغلبة، ففي حالة
اختلاف الناس وكثرة المتصدين وكون كل متصدي له
جماعة بايعته على القتال يكون الحكم شرعا لمن
غلب كما في حالة مروان وابنه عبد الملك
وغيرهما.
ولا خلاف عند مؤرخي الاسلام ان البيعة التي
تمت في عهد الرسول وقامت دولة الرسول على
أثرها كانت قد تمت من قبل سبعين شخصا وامرأتين
ممثلين عن اهل المدينة وهي بيعة العقبة
الثانية المشهورة، وأكد هذا التمثيل استقبال
غالبية اهل المدينة للنبي عندما قدم الى
المدينة.
ثم اختلف فقهاء السنة بعد ذلك هل تنعقد
الحكومة ببيعة الواحد و الاثنين والخمسة وبعهد
الحاكم السابق؟
قال الماوردي (ت: 450 هـ) في الاحكام
السلطانية
وأبو يعلى (ت: 458 هـ) في الاحكام السلطانية :
تنعقد الامامة باختيار أهل الحلّ والعقد،
وبعهد الامام من قبل.
فأمّا انعقادها باختيار أهل الحلّ والعقد، فقد
اختلف العلماء في عدد مَن تنعقد به الامامة
منهم على مذاهب شتّى:
فقالت طائفة: لا تنعقد إلاّ بجمهور أهل العقد
والحلّ من كلّ بلد ليكون الرضا به عامّاً
والتسليم لامامته إجماعاً، وهذا مذهب مدفوع
ببيعة أبي بكر (رضي الله عنه) على الخلافة
باختيار من حضرها ولم ينتظر ببيعته قدوم غائب
عنها.
وقالت طائفة اُخرى: اقلّ من تنعقد به منهم
الامامة خمسة يجتمعون على عقدها أو يعقدها
أحدهم برضا الاربعة استدلالاً بأمرين أحدهما:
أنّ بيعة أبي بكر (رضي الله عنه) انعقدت بخمسة
اجتمعوا عليها ثمّ تابعهم الناس فيها، وهم عمر
بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجرّاح، واُسيد بن
حضير، وبشير بن سعد، وسالم مولى أبي حذيفة
(رضي الله عنه). والثاني: أنّ عمر (رضي الله
عنه) جعل الشورى في ستّة ليعقد لاحدهم برضا
الخمسة. وهذا قول أكثر الفقهاء والمتكلّمين من
أهل البصرة.
وقال آخرون من أهل الكوفة: تنعقد بثلاثة
يتولاّها أحدهم برضا الاثنين ليكونوا حاكماً
وشاهدين كما يصحّ عقد النكاح بولىّ وشاهدين.
وقالت طائفة اُخرى: تنعقد بواحد، لانّ العباس
قال لعلي رضوان الله عليهما: اُمدد يدك
اُبايعك، فيقول الناس عمّ رسول الله (صلى الله
عليه وآله) بايع ابن عمّه، فلا يختلف عليك
اثنان، ولا نّه حكم وحكم واحد نافذ).
(وأمّا انعقاد الامامة بعهد من قبله، فهو ممّا
انعقد الاجماع على جوازه ووقع الاتّفاق على
صحّته لامرين عمل المسلمون بهما ولم
يتناكروهما، أحدهما: أنّ أبا بكر (رضي الله
عنه) عهد بها إلى عمر (رضي الله عنه) فأثبت
المسلمون إمامته بعهده. والثاني: أنّ عمر (رضي
الله عنه) عهد بها إلى أهل الشورى... لانّ
بيعة عمر (رضي الله عنه) لم تتوقّف على رضا
الصحابة، ولانّ الامام أحقّ بها).
وقال إمام الحرمين الجويني (ت: 478 هـ) في باب
الاختيار وصفته وذكر ما ينعقد به الامامة من
كتاب الارشاد: (إعلموا أ نّه لا يشترط في عقد
الامامة الاجماع، بل تنعقد الامامة وإن لم
تجمع الاُمّة على عقدها. والدليل عليه أنّ
الامامة لمّا عقدت لابي بكر ابتدر لامضاء
أحكام المسلمين، ولم يتأنّ لانتشار الاخبار
إلى من نأى من الصحابة في الاقطار، ولم ينكر
عليه منكر، ولم يحمله على التريّث حامل. فإذا
لم يشترط الاجماع في عقد الامامة، لم يثبت عدد
معدود، ولا حدّ محدود، فالوجه الحكم بأنّ
الامامة تنعقد بعقد واحد من أهل الحلّ
والعقد).
وقال الامام ابن العربي (ت: 543 هـ): (لا يلزم
في عقد البيعة للامام أن تكون من جميع الانام،
بل يكفي لعقد ذلك اثنان أو واحد).
وقال الشيخ الفقيه الامام العلاّمة المحدّث
القرطبي (ت: 671 هـ) في المسألة الثامنة في
تفسير (إنِّي جاعِلٌ في الارْضِ خَلِيفة)
البقرة / 30، من تفسير سورة البقرة: (فإن
عقدها واحد من أهل الحلّ والعقد فذلك ثابت،
ويلزم الغير فعله، خلافاً لبعض الناس حيث قال:
لا تنعقد إلاّ بجماعة من أهل الحلّ والعقد.
ودليلنا أنّ عمر (رضي الله عنه) عقد البيعة لابي بكر ولم ينكر أحد من الصحابة ذلك، فوجب
ألاّ يفتقر إلى عدد يعقدونه كسائر العقود).
وقال الامام أبو المعالي: (من انعقدت له
الامامة بعقد واحد فقد لزمت، ولا يجوز خلعه من
غير حدث وتغيّر أمر، قالوهذا مجمع عليه).
وقال في المسألة الخامسة عشرة من تفسير الاية:
(إذا انعقدت الامامة باتّفاق أهل الحلّ والعقد
أو بواحد على ما تقدّم وجب على الناس كافّة
مبايعته).
وقال عضد الدين الايجي (ت: 756 هـ) في
المواقف: المقصد الثالث في ما تثبت به
الامامة، ما ملخّصه: أ نّها تثبت بالنصّ من
الرسول، ومن الامام السابق بالاجماع، وتثبت
ببيعة أهل الحلّ والعقد خلافاً للشيعة. دليلنا
ثبوت إمامة أبي بكر (رضي الله عنه) بالبيعة.
وقال: إذا ثبت حصول الامامة بالاختيار
والبيعة، فاعلم أنّ ذلك لا يفتقر إلى الاجماع،
إذ لم يقم عليه دليل من العقل أو السمع، بل
الواحد والاثنان من أهل الحلّ والعقد كاف،
لعلمنا أنّ الصحابة مع صلابتهم في الدين
اكتفوا بذلك كعقد عمر لابي بكروعقد عبد الرحمن
بن عوف لعثمان، ولم يشترطوا اجتماع مَن في
المدينة فضلاً عن إجماع الاُمّة. هذا ولم ينكر
عليهم أحد، وعليه انطوت الاعصار إلى وقتنا
هذا.
ونقل أبو يعلى الفرّاء الحنبلي في الاحكام
السلطانية
قول بعضهم: إنّها تثبت بالقهر والغلبة، ولا
تفتقر إلى العقد... ومن غلب عليهم بالسيف حتّى
صار خليفة وسمّي أمير المؤمنين، فلا يحلّ لاحد
يؤمن بالله واليوم الاخر أن يبيت ولا يراه
إماماً برّاً كان أو فاجراً، فهو أمير
المؤمنين... وقال في الامام يخرج عليه من يطلب
الملك فيكون مع هذا قوم ومع هذا قوم: (تكون
الجمعة مع من غلب) واحتجّ بأنّ ابن عمر صلّى
بأهل المدينة في زمن الحرّة وقال: (نحن مع من
غلب).
الامر الثالث: الموقف من الحاكم إذا خالف
الشريعة
يوجد اتجاهان فقهيان لدى أهل السنة في هذه
المسالة احدهما يحرم الخروج على الحاكم الظالم
والثاني تؤيد الخروج.
قال النووي في شرحه بباب لزوم طاعة الاُمراء
في غير معصية: (وقال جماهير أهل السنّة من
الفقهاء والمحدّثين والمتكلّمين: لا ينعزل
بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق، ولا يخلع ولا
يجوز الخروج عليه بذلك، بل يجب وعظه وتخويفه
للاحاديث الواردة في ذلك). وقال: (وأمّا
الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين
وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الاحاديث
بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السنّة أ نّه لا
ينعزل السلطان بالفسق).
وقال القاضي أبو بكر محمد بن الطيّب الباقلاني
(ت: 403 هـ) في كتاب التمهيد
في باب ذكر ما يوجب خلع الامام وسقوط فرض
طاعته ما ملخّصه: (قال الجمهور من أهل الاثبات
وأصحاب الحديث: لا ينخلع الامام بفسقه وظلمه
بغصب الاموال، وضرب الابشار، وتناول النفوس
المحرّمة، وتضييع الحقوق، وتعطيل الحدود، ولا
يجب الخروج عليه، بل يجب وعظه وتخويفه وترك
طاعته في شىء ممّا يدعو إليه من معاصي الله.
واحتجّوا في ذلك بأخبار كثيرة متظافرة عن
النبىّ (صلى الله عليه وآله) وعن الصحابة في
وجوب طاعة الائمة وإن جاروا واستأثروا
بالاموال، وأنّه قال (عليه السلام): اسمعوا
وأطيعوا ولو لعبد أجدع، ولو لعبد حبشي، وصلّوا
وراء كلّ برّ وفاجر. وروي أ نّه قال: أطِعْهم
وإن أكلوا مالك، وضربوا ظهرك).
وهناك من تحدث من الفقهاء عن عزل الحاكم لفسقه
وجوره كالشافعي والغزالي في احياء علوم الدين.
قال عضد الدين الايجي: (للامة خلع الامام
وعزله بسبب) المواقف ج 8 /353 وقال الشارح:
مثل ان يوجد منه ما يوجب اختلال احوال
المسلمين وانتكاس امور الدين كما لهم نصبه
واقامته لإنتظامها وإعلائها.
وقال ابن حزم: فهو الامام الواجب طاعته ما
قادنا بكتاب الله وينة رسوله (صلى الله عليه
وآله) فإن زاغ عن شئ منهما منع من ذلك وأقيم
عليه الحد والحق فإن لم يؤمن أذاه الا بخلعه
خلع وولي غيره.
نظرية الحكم في الفكر الشيعي:
الامر الاول: الشخص المؤهل لاقامة الحكم
الاسلامي
يميز الفكر الشيعي من هذه الناحية بين ثلاث
فترات:
الفترة الاولى: هي فترة النبي (صلى الله عليه
وآله) ويلتقي الفكر السني مع الفكر الشيعي من
ناحية كون الشخص الوحيد المؤهل والمستحق للحكم
هو النبي وحرمة تقدم غيره عليه في هذه الناحية
وفي غيرها للنص القرآني (النَّبِىُّ أَوْلَى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ
أَنْفُسِهِمْ)الأحزاب/6.
الفترة الثانية: وهي فترة الائمة الاثني عشر
وهذه الفترة هي موضع الخلاف بين الشيعة وأهل
السنة حيث يرى الشيعة ان هؤلاء الائمة الاثني
عشر لهم امتياز في الحكم كامتياز النبي
لانتقال ولايته اليهم (من كنت مولاه فعلي
مولاه) فكل واحد منهم في زمانه هو المؤهل
الوحيد وحرمة تقدم شخص آخر عليه.
الفترة الثالثة: وهي فترة غيبة الامام الثاني
عشر المهدي بن الحسن العسكري (عليهما
السلام)ولا يختلف الشيعة في كون الشخص المؤهل
لتنفيذ الاحكام هو الفقيه العادل. وانما
اختلفوا في سعة صلاحياته وضيقها كما سيأتي.
قال الشيخ المفيد (ت413) في المقنعة: اما
اقامة الحدود فهو إلى سلطان الاسلام المنصوب
من قبل الله تعالى، وهم ائمة الهدى من آل
محمد (عليهم السلام)، ومن نصبوه لذلك من
الامراء والحكام، وقد فوضوا النظر فيه إلى
فقهاء شيعتهم مع الامكان. فمن تمكن من إقامتها
على ولده وعبده، ولم يخف من سلطان الجور
إضرارا به على ذلك، فليقمها. ومن خاف من
الظالمين اعتراضا عليه في إقامتها، أو خاف
ضررا بذلك على نفسه، أو على الدين، فقد سقط
عنه فرضها.
وكذلك إن استطاع إقامة الحدود على من يليه من
قومه، وأمن بوائق الظالمين في ذلك، فقد لزمه
إقامة الحدود عليهم، فليقطع سارقهم، ويجلد
زانيهم، ويقتل قاتلهم. وهذا فرض متعين على من
نصبه المتغلب لذلك على ظاهر خلافته له أو
الامارة من قبله على قوم من رعيته، فيلزمه
إقامة الحدود، وتنفيذ الاحكام، والامر
بالمعروف، والنهي عن المنكر، وجهاد الكفار ومن
يستحق ذلك من الفجار، ويجب على إخوانه من
المؤمنين معونته على ذلك إذا استعان بهم ما لم
يتجاوز حدا من حدود الايمان، أو يكون مطيعا في
معصية الله تعالى من نصبه من سلطان الضلال.
فإن كان على وفاق للظالمين في شئ يخالف الله
تعالى به لم يجز لاحد من المؤمنين معونته فيه،
وجاز لهم معونته بما يكون به مطيعا لله تعالى
من إقامة وإنفاذ حكم على حسب ما تقتضيه
الشريعة دون ما خالفها من أحكام أهل الضلال.
وللفقهاء من شيعة الائمة (عليهم السلام) أن
يجمعوا بإخوانهم في الصلوات الخمس وصلوات
الاعياد، الاستسقاء، والكسوف، والخسوف، إذا
تمكنوا من ذلك، وأمنوا فيه من معرة أهل
الفساد. ولهم أن يقضوا بينهم بالحق، ويصلحوا
بين المختلفين في الدعاوى عند عدم البينات،
ويفعلوا جميع ما جعل الى القضاة في الاسلام لان
الائمة عليهم السلام قد فوضوا إليهم ذلك عند
تمكنهم منه بما ثبت عنهم فيه من الاخبار، وصح
به النقل عند أهل المعرفة به من الآثار.
الامر الثاني: الطريقة التي توصل الشخص المؤهل
الى موقع الحكم ومصدر سلطة الحاكم
لا يختلف الشيعة حول سلطة النبي والائمة
الاثني عشر في الحكم ان مصدرها النص من الله
على نبيه في القرآن او النص من نبيه على
علي (عليه السلام) ومادور البيعة الا دور
النصرة والتمكين.
قال السيد كاظم الحائري: ان المعصوم (عليهم
السلام) على رغم ان له ولاية الامر والحكومة
بتشريع من قبل الله تعالى لم يكن من المقرر
الهيا ان يرضخهم لما له من حق الحكومة
بالاكراه الاعجازي، كما انه لا تجبر الامة على
الاحكام الاخرى كالصلاة والصوم بالجبر
الاعجازي والا لبطل الثواب والجزاء، لان الناس
يصبحون مسيرين عن غير اختيار. بل كان من
المقرر ان يصل المعصوم الى السلطة بالطرق
الاعتيادية ومن الواضح الوصول الى السلطة
بالطريق الاعتيادي وبغير الاعجاز ينحصر في
وجود ناصرين له من البشر، فكان اخذ البيعة
منهم لاجل التأكد من وجود ثلة كافية من الامة
تعهدوا بنصر المعصوم والعمل معه في جهاده
وسائر اموره الحكومية ولولاهم لعجز المعصوم
حسب القوة البشرية ومن دون الاعجاز عن تحقيق
السلطة والحكومة خارجا.
ويختلف فقهاء الشيعة في تشخيص مصدر سلطة
الفقيه وفي حدودها سعة وضيقا.
فمنهم من حصرها في نطاق الامور الحسبية
وهناك من وسعها لتشمل ما كان المعصوم يمارسه
من ولاية في المجتمع وهؤلاء ينظرون الى البيعة
على ان دورها ايضا دور تأكيدي لا غير.
وهناك من الفقهاء من يرى ان الفقيه ليست له
ولاية الا بعد بيعة جمهور الامة حيث ان منشأ
ولايته هو البيعة والنصوص جاءت لتفيد ان غير
الفقيه ليس مؤهلا لهذا الموقع.
الامر الثالث: الموقف من الحاكم اذا خالف
احكام الشريعة
ان الموقف الشيعي من هذا المسألة ينبغي ان
يعالج في فترتين وهما:
الفترة الاولى: فترة وجود الامام المعصوم
ظاهرا في المجتمع: والثابت من سيرة الائمة (عليهم
السلام) والمعروف من اقولهم انهم يرون القيام
ضد الحاكم الجائر في حالة توفر الناصر الكافي
مع عدم وجود تعهد بعدم القيام من قبل الامام
ومع ذلك الحاكم، وأوضح مثال هو موقف الامام
الحسين (عليه السلام) من معاوية حيث توفرت كل
مبررات القيام بوجهه وبخاصة بعد قتل حجر
واصحابه (رض) ومع ذلك لم يقم واوصى شيعته
بالسكوت الى ما بعد وفاة معاوية ثم رأيناه
يقبل بيعة وجوه اصحاب ابيه على نصرته ضد
الامويين بعد موت معاوية ليطيح بالنظام الذي
اسسه وشيده.
وحين لا تتوفر شروط القيام من وجود الناصر
وغيره يكون السكوت والتقية وعدم اظهار الخلاف
السياسي هو الموقف كما سكت بقية الائمة من
ذرية الحسين (عليه السلام). وكلام علي (عليه
السلام) في خطبته المعروفة بالشقشقية يوضح
الموقف تماما قال (عليه السلام): (والذي فلق
الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام
الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء
أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم
لالقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس
أولها).
الفترة الثانية: فترة الغيبة والمعروف بين
فقهاء عصر الغيبة اتجاهان فقهيان الاتجاه
الاول: وهو عين الاتجاه الذي عرضناه آنفا من
سيرة الائمة (عليهم السلام). الاتجاه الثاني:
ويلتزم التقية الى ظهور المهدي (عليه السلام)
ودليله بعض الروايات من قبيل رواية الكليني في
الكافي بسند صحيح عن الامام الصادق (عليه
السلام): (كل راية ترفع أو تخرج قبل قيام
القائم فهي راية ضلال) وغيرها.
مصطلح الامام في الفكر الشيعي الاثني عشري
ورد لفظ الامام في التراث الفكري الشيعي على
ثلاثة معاني:
المعنى الاول:
وهو معنى خاص ويراد به من له منزلة النبي (صلى
الله عليه وآله) الا النبوة والازواج التي
اشرنا اليها أي انه حجة في قوله وفعله وتقريره
حيا وميتا، وأول أئمة بهذا المعنى هو
النبي (صلى الله عليه وآله)، وعقيدة الشيعة ان
هذا المعنى للامامة استمر بعد النبي في إثني
عشر شخصاً من أهل بيته بوصية من النبي وبأمر
من الله تعالى.
ولهذا المعنى من الامامة ياتي شرط العصمة
والنص وحصرها في علي والحسن والحسين ثم
في تسعة من ذرية الحسين كما حصرت الامامة بعد
إبراهيم في ذريته اسماعيل ثم اسحاق ثم يعقوب ثم
حصرت في ذريته قال الله تعالى: (وَإِذْ
ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات
فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُك
لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي
قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)
البقرة/124. وقالى الله تعالى: (وَوَهَبْنَا
لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً
وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ *
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ
بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ
الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَةِ الصَّلاةِ
وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا
عَابِدِينَ) الانبياء/72-73. إنَّ إسماعيل
وإسحاق ويعقوبوالاسباط كانوا أئمة هدى يهدون
الناس الى سنة إبراهيم بأمر الله تعالى.
روى أبو عمرو الزبيري عن أبى عبد الله (عليه
السلام) قوله: (ان مما استحقت به الإمامة
التطهير والطهارة من الذنوب والمعاصي الموبقة
التي توجب النار، ثم العلم المكنون بجميع ما
تحتاج إليه الأمة حلالها وحرامها والعلم
بكتابها خاصة وعامه والمحكم والمتشابه ودقائق
علمه وغرائب تأويله وناسخه ومنسوخة.
(قال ابو عمرو) قلت: وما الحجة بأن الإمام لا
يكون إلا عالما بهذه الأشياء التي ذكرت؟.
قال (الامام الصادق) (عليه السلام): قول الله
فيمن أذن لهم بالحكومة وجعلهم أهلها
(انا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها
النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربانيون)
فهذه الأئمة دون الأنبياء الذين يربون الناس
بعلمهم.
وأما (الأحبار) فهم العلماء دون الربانيين. ثم
اخبرنا فقال: (بما استحفظوا من كتاب الله
وكانوا عليه شهداء) ولم يقل بما حملوا منه.
والشاهد قوله (عليه السلام) فهذه الائمة دون
الانبياء فقد استعملت هنا بمعنى الحجة والهادي
المجعول من الله تعالى لاشتراط صفة الطهارة
والعلم المصون من الاشتباه.
وروى محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر (عليه
السلام) يقول كل من دان الله بعبادة يجهد فيها
نفسه ولا امام له من الله فسعيه غير مقبول....
|