الحلقة الأولى
الفصل التاسع:
الاستدلال على إمامة أهل البيت (عليهم السلام)
بنصوص التوراة
قوله: يلاحظ اعتماد بعض الكتاب المتأخرين على
التوراة والإنجيل لتعزيز نظرية الإمامة ونظرية
الاثني عشرية... وربما كان عبد الله بن سبأ
على فرض وجوده قد أساء إلى الشيعة والتشيع
بمقارنته المشهورة بين وصية النبي موسى (عليه
السلام) ليوشع بن نون ووصية النبي محمد (صلى
الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب حيث قدم
بهذه المقارنة مادة لاتهام الشيعة باستيراد
نظرياتهم من الإسرائيليات.
اقول: ان الاستدلال بالتوراة على مسألة إمامة
أهل البيت (عليهم السلام) لم تكن من ابتداع
المتأخرين بل هو استدلال قديم دأب علماء
الشيعة على ذكره ضمن الأدلة الأخرى على
الإمامة... وقد اخذ الشيعة الأوائل هذا المنهج
عن أئمتهم (عليهم السلام)ومنهج أهل
البيت (عليهم السلام) هو منهج القرآن نفسه حيث
كان يستدل على نبوة محمد (صلى الله عليه وآله)
بأدلة متنوعة منها وجود خبر بعثته في
التوراة.. ثم ان المؤسس للمقارنة هو رسول
الله (صلى الله عليه وآله) بقوله (يا علي أنت
مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي
بعدي) وقوله (الخلفاء بعدي اثنا عشر عدتهم
كنقباء بني إسرائيل).
نص الشبهة
كتب صاحب النشرة مقالا يستنكر فيه الاستدلال
بالتوراة على إمامة أهل البيت (عليهم السلام)
وعنون المقال بمانشيت عريض يقول فيه (المنهج
السبئي في البناء الفكري) ومما جاء في مقاله
هذا قوله:
(يلاحظ اعتماد بعض الكتاب المتأخرين على
التوراة والانجيل لتعزيز نظرية الامامة ونظرية
الاثني عشرية. وقد نقل السيد مرتضى العسكري في
كتاب: (معالم المدرستين) الجزء الاول ص 539
فقرة من سفر التكوين، الاصحاح 17، الرقم 2018
تقول: (وإسماعيل أباركه وأثمره وأكثره جدا
جدا، اثنا عشر إماما يلد واجعله أمة كبيرة)
وعلق عليها قائلا: (يتضح من هذه الفقرة ان
التكثير والمباركة إنما هما في صلب
إسماعيل (عليه السلام) مما يجعل القصد واضحا
في الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل
بيته (عليهم السلام)باعتبارهم امتدادا لنسل
إسماعيل). كما استشهد بتلك الفقرة كاتب هو:
تامر مير مصطفى في كتاب له صدر تحت عنوان:
(بشائر الاسفار بمحمد وآله الاطهار) عن دار
التوحيد بقم سنة 1414. وفسر الكاتب (الاثني
عشر رئيسا) الذين وعد الله في التوراة إسماعيل
بولادتهم منه بأن المقصود منها ليس هم أبناؤه
الاثني عشر المذكورة أسماؤهم في التوراة (سفر
التكوين 25، 13، 16) وإنما المقصود هم الائمة
الاثنا عشر من ذرية الرسول، وذلك بعد حساب
كلمة (كثيرا جدا) بحساب الجمل واثبات ان
مجموعها يعادل رقم 92 وهو مجموع كلمة (محمد)،
وقال: كما أثبتنا ان مباركة الله الاولى
لاسماعيل قد تحققت بمحمد رسول الله (صلى الله
عليه وآله) فان المباركة الثانية قد تحققت
بظهور اثني عشر إماما مباركا جعلهم الله خلفاء
لرسوله وامتدادا طبيعيا لدعوته المباركة
(المصدر ص 62). ولا نريد هنا ان نناقش
الكاتبين في مدى دلالة الفقرة الاسرائيلية على
المطلوب، أو صراحتها، وهل تشمل (الاثنا عشر)
لا تحتاج إلى كل هذا التكلف والمقارنة
والاستعانة بالمصادر الاسرائيلية، ويكفي ان
يتم بحثها وإثباتها عن طريق القرآن الكريم
والاحاديث النبوية وأحاديث أهل البيت (عليهم
السلام) إذا ثبتت فبها ونعمت، وإذا لم تثبت
بعض معانيها وتفاصليها فلا بد ان نقتصر على
الاحاديث الصحيحة. وربما كان عبد الله بن سبأ
على فرض وجوده قد أساء إلى الشيعة والتشيع
بمقارنته المشهورة بين وصية النبي موسى (عليه
السلام)ليوشع بن نون ووصية النبي محمد (صلى
الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب حيث قدم
بهذه المقارنة مادة لاتهام الشيعة باستيراد
نظرياتهم من الاسرائيليات).
الرد على الشبهة
اقول ويؤاخذ على كلامه الآنف الذكر:
أولا:
ان الاستدلال بالتوراة على مسألة إمامة أهل
البيت (عليهم السلام) لم تكن من ابتداع
المتأخرين بل هو استدلال قديم دأب علماء
الشيعة على ذكره ضمن الادلة الاخرى على
الامامة وقد مر في الشبهة الاولى ان اقدم كتاب
كلامي عند الشيعة هو ياقوت الكلام لابراهيم بن
نوبخت قد ذكر ذلك كما ذكره أيضا النعماني
(ت361هـ) في كتابه الغيبة وفيما يلي نص كلامه:
قال النعماني رحمه الله (ويزيد بإذن الله
تعالى هذا الباب دلالة وبرهانا وتوكيدا تجب به
الحجة على كل مخالف.. ما ثبت في التوراة مما
يدل على الائمة الاثني عشر (عليهم السلام) ما
ذكره في السفر الاول فيها من قصة إسماعيل قوله
عز وجل (وقد أجبت دعاءك في إسماعيل وقد سمعتك
ما باركته وسأكثره جدا جدا وسيلد اثني عشر
عظيما اجعلهم أئمة كشعب عظيم) أقرأني عبد
الحليم بن الحسين السمري رحمه الله ما أملاه
عليه رجل من اليهود، ثم أورد النص العبري وهو
(وليشمعيل شمعتيخا هني برختي اوتو وهفرتي اوتو
وهربيتي اوتو بمئد مئد شنيم عاسار نسيئم يولد
ونتتيوا لغوي غادول)، ثم فسره بما ذكره في أول
كلامه.
ثم قال (رحمه الله) بعد ذلك: (فما بعد شهادة
كتاب الله عز وجل ورواية الشيعة عن نبيِّها
وأئمتها ورواية العامة من طرقها عن رجالها
وشهادة الكتب المتقدمة وأهلها بصحة أمر الائمة
الاثني عشر لمسترشد مرتاد طالب أو معاند جاحد
من حجة تجب وبرهان يظهر وحق يلزم ان في هذا
كفاية ومقنعا ومعتبرا ودليلا وبرهانا لمن هداه
الله إلى نوره).
وقد اخذ الشيعة الاوائل هذا المنهج عن
أئمتهم (عليهم السلام) حين كانوا يحاجُّون أهل
الكتاب ويدلونهم على مواضع ذكرهم مع
الرسول (صلى الله عليه وآله) في التوراة
والانجيل.
ففي حوار الجاثليق مع الرضا (عليه السلام):
قال الرضا (عليه السلام) لنسطاس الرومي: كيف
حفظك للسفر الثالث من الانجيل قال ما احفظني
له ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال أتقرأ
الانجيل قال: بلى لعمري، قال فخذ على السفر
الثالث فان كان فيه ذكر محمد وأهل بيته وأمته
فاشهدوا لي وان لم يكن ذكره فلا تشهدوا ...
ومنهج أهل البيت (عليهم السلام) هو منهج
القرآن نفسه حيث كان يستدل على نبوة محمد (صلى
الله عليه وآله) بأدلة متنوعة منها وجود خبر
بعثته في التوراة كقوله تعالى (أَوَ لَمْ
يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ
بَنِي إِسْرَائِيلَ) وقوله (يَجِدُونَهُ
مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَ
الاِنْجِيلِ) وقد اجمع علماء الاسلام على
الاستدلال بالتوراة والانجيل على نبوة
محمد (صلى الله عليه وآله) في مقام الاحتجاج
على أهل الكتاب وكتبوا بذلك عشرات الكتب.
وإذا كان الله تعالى قد أكرم أهل البيت (عليهم
السلام) بان ذكرهم في كتبه الاولى جنباً إلى
جنب مع رسوله المكي الموعود فما وجه الغرابة
ان يستدل بذلك على إمامتهم؟
والذي ينعم النظر في عدد من نصوص البشارة
بمحمد (صلى الله عليه وآله) في الكتب السابقة
يجد فيها النبي مقرونا بأهل بيته وليس من شك
ان الفقرة (20) من الاصحاح (17) من سفر
التكوين هي
اشهر نص وأوضحه في الحديث عن النبي وأهل بيته
وعددهم، وكان يدركها علماء اليهود بوضوح
وكانوا حين ينشرح صدرهم للاسلام يختارون
الائتمام بأهل البيت (عليهم السلام) سواء في
زمانهم أو في عصر الغيبة.
قال ابن تيمية في تعليقه على حديث الاثني عشر:
(وهؤلاء المبشر بهم في حديث جابر بن سمرة وقرر
انهم يكونون مفرقين في الامة ولا تقوم الساعة
حتى يوجدوا، و (قد) غلط كثير ممن تشرف
بالاسلام من اليهود فظنوا انهم الذين تدعوا
إليهم فرقة الرافضة فاتبعوهم).
وكلامه وان كان سلبياً من ناحية تطبيق النص
على أهل البيت (عليهم السلام) ولكنه من ناحية
أخرى يؤكد ما ذكره النعماني وما ورد عن أهل
البيت (عليهم السلام) من وجود نصوص في أمر أهل
البيت (عليهم السلام) كما هو الحال في خاتم
الانبياء (صلى الله عليه وآله).
وقد فات ابن تيمية ونظراءه ان علماء اليهود
الذين أسلموا وتشيعوا لاهل البيت (عليهم
السلام) كانوا قد وجدوا أنفسهم أمام ظاهرة من
النصوص التوراتية بعضها يعضد بعضاً باتجاه أهل
البيت (عليهم السلام) دون غيرهم.
ثانيا:
قوله: (وربما كان ابن سبأ على فرض وجوده قد
أساء إلى التشيع بمقارنته بين وصية النبي موسى
ليوشع ووصية النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
لعلي)...
أقول:
ان المؤسس للمقارنة بين الوصيتين هو رسول
الله (صلى الله عليه وآله) بقوله (يا علي أنت
مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي
بعدي) وهو حديث صحيح مروي في الكتب المعتبرة
عند السنة فضلاً عن الشيعة.
و بقوله (صلى الله عليه وآله) لسلمان لما سأله
يا رسول الله لكل نبي وصي فمن وصيك فسكت عنه
ثم بعد ذلك دعاه فقال ياسلمان تعلم من وصي
موسى قال سلمان قلت نعم يوشع بن نون، قال ولم
قلت لانه كان أعلمهم، قال: (فان وصيي وموضع
سري وخير من اترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني
علي بن ابي طالب).
وبقوله (صلى الله عليه وآله): الخلفاء بعدي
اثنا عشر عدتهم كنقباء بني إسرائيل.
وكذلك قوله (صلى الله عليه وآله) في الحسن
والحسين إني سميتهما باسم شبر وشبير ولدي
هارون.
فهل يقال في حق النبي (صلى الله عليه وآله)
انه قدَّم مادة لاتهام الاسلام باستيراد
نظرياته من الاسرائيليات؟
وقبل ذلك فان القرآن الكريم هو المؤسس لهذه
المقارنة وغارس بذرتها، حين ضرب الامثال
للاخِرين بما جرى على الاولين، وقد عني عناية
خاصة بقصص بني إسرائيل للتشابه الكبير بينها
وبين نظيراتها في بني إسماعيل بعد بعثة
محمد (صلى الله عليه وآله) إلى آخر الدنيا.
وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله): كل ما
كان في الامم السالفة فإنه يكون في هذه الامة
مثله حذو النعل بالنعل والقُذَّة بالقذة
وفي رواية (لتركبن سنن من كان قبلكم حلوَها
ومرَّها).
شبهات وردود
الحلقة الثانية:
الرد على الشبهات التي أثارتها نشرة الشورى
حول النص على الإمام علي (عليه السلام)
مقدمة الطبعة الثانية
صدرت الطبعة الأولى من هذه الحلقة في رجب
الأصب سنة 1417 هـ. ق وتلقتها الأوساط العلمية
والثقافية بالرضا والقبول، وكانت قد انطوت على
اخطاء طباعية استدركتها فى هذه الطبعة مع
أضافات وإعادة صياغة بعض المطالب مع اضافة فصل
خاص رددت فيه على شبهات الدكتور الشرقاوي
المنشورة في العدد الخامس من نشرة الشورى،
أرجو ان تنال رضا القارئ الكريم.
المؤلف
شوال / 1417 هـ. ق
المقدمة
وبعد فهذه الحلقة الثانية من شبهات وردود وقد
كرستها لشبهات أثارتها نشرة الشورى حول النص
على علي (عليه السلام)، وكانت أهم هذه الشبهات
هي:
انه لو كان هناك ثمة نص على علي (عليه السلام)
لاحتج به علي (عليه السلام) نفسه!!
وانه لو كان هناك نص فان الصحابة اكبر من ان
يتصور في حقهم انهم يخالفون النبي (صلى الله
عليه وآله)!!
وانه لو كان هناك نص فلماذا بايع علي (عليه
السلام) الخلفاء الثلاثة برضاه!!
وقد عنيت هذه الحلقة بشكل خاص باحتجاج
علي (عليه السلام) بحديث الغدير، وبإبراز شاهد
لمخالفة الصحابة للنص تتفق عليه مصادر السنة
والشيعة بل ان تفاصيله في كتب السنة اكثر
بكثير مما ذكر في كتب الشيعة وهو موقف الصحابة
من حج التمتع سواء أثناء تبليغ النبي (صلى
الله عليه وآله) له أو بعد وفاة النبي (صلى
الله عليه وآله) حيث تجمع المصادر السنية فضلا
عن الشيعية ان الصحابة وبخاصة القرشيين منهم
استنكروا على النبي (صلى الله عليه وآله) أمر
متعة الحج وناقشوه عليها وأغضبوه ثم استجابوا
لأمره فيها على مضض، وانهم لما صارت السلطة
بيدهم بعد النبي (صلى الله عليه وآله) نهوا
عنها، وقد أمر بها القرآن والرسول وخضع لهم
بقية المسلمين الا علي (عليه السلام) وأصحابه.
هذا مع ان كلام الله تعالى وحديث النبي في هذا
المورد يتعلق بقضية عبادية، فيكف يكون أمرهم
حينما يتعلق الأمر بقضية الموقع الأول في
المجتمع الإسلامي بعد وفاة النبي (صلى الله
عليه وآله).
وتناولنا مضافا إلى ذلك شبهة كان من حقها ان
تبحث في الحلقة الأولى وهي قول صاحب النشرة
(ما دام في الأرض مسلمون ويحتاجون إلى دولة
وإمام فلماذا يحصر عدد الأئمة باثني عشر).
أرجو ان أكون قد وفقت في عملي هذا وان يغتفر
لي القارئ الكريم النقص الذي قد يلوح هنا
وهناك سواء في هذه الحلقة أو التي قبلها راجيا
منه ان ينبهني عليه لتلافيه في طبعة أخرى.
اللهم اجعله لي ذخرا يوم لا ينفع مال ولا بنون
إلا من أتى الله بقلب سليم انك سميع مجيب.
سامي البدري
قم / 1رجب / 1417هجـ.
الحلقة الثانية
الفصل الأول:
الأئمة الإثنا عشر حجج إلهيون
قوله: مادام في الأرض مسلمون ويحتاجون إلى
دولة وإمام فلماذا يحصر عدد الأئمة باثني عشر
أقول: الإمامة المحصورة باثني عشر بعد
الرسول (صلى الله عليه وآله) ليست هي منصب
الحكم بل هي منزلة الحجة على الخلق بالقول
والفعل والتقرير ومن لوازم هذه المنزلة حصر حق
الحكم بصاحبها في زمان حضوره اما في عصر
الغيبة فإن منصب الحكم حق للفقهاء العدول.
نص الشبهة
قال صاحب النشرة:
(ما دام في الأرض مسلمون ويحتاجون إلى دولة
وإمام وكان محرما عليهم اللجوء إلى الشورى
والانتخاب كما تقول النظرية الإمامية وكان
لابد أن يعين الله لهم إماما معصوما منصوصا
عليه فلماذا إذن يحصر عدد الأئمة في اثني عشر
واحدا فقط).
الرد على الشبهة
اقول:
اولا:
ان المستشكل أراد بمصطلح الإمام معنى الحكم
والرئاسة التنفيذية في المجتمع كما هو واضح من
كلامه هنا وفي موارد متعددة من النشرة.
ثانيا:
ان الإمامة التي حصرت باثني عشر من أهل
البيت (عليهم السلام) ليست هي إمامة الحكم بل
هي الإمامة الدينية التي كانت لرسول الله (صلى
الله عليه وآله) خاصة بوصفه حجة الله
تعالى بقوله وفعله وتقريره وكون
حق الحكم خاصا به في زمانه لا يجوز لغيره ان
يمارسه الاّ بإذنه.
وكذلك الأمر في أوصيائه الاثني عشر فهم حجج
الله تعالى على خلقه بعد نبيه الأكرم بقولهم
وفعلهم وتقريرهم وكون حق الحكم خاصا بهم في
زمانهم لا يجوز لغيرهم ان يمارسه ا لا بإذنهم
ومن هنا اشترطت فيهم العصمة والنص.
وفي ضوء ذلك فان إمامة أهل البيت الاثني
عشر (عليهم السلام) كما يعتقد بها الشيعة ليست
هي الإمامة التي يعتقدها الزيدية أو المعتزلة
أو السنة فهؤلاء يعتقدون بالإمامة على أنها
حكم وإجراء حدود وتولية أمراء وتطبيق أحكام
الشريعة في المجتمع حسب.
ويفترق الزيدية عن غيرهم بقولهم: ان الذي له
حق إجراء الحدود هم عليوالحسن والحسين (عليهما
السلام) ومن دعا إلى نفسه وحمل السيف من ذرية
الحسن والحسين بعدهما.
أما أهل السنة والمعتزلة فقد أنكروا ان تكون
هناك نصوص تدل على حصر حق الحكم بأهل
البيت (عليهم السلام) بالشكل الذي قال به
الزيدية فضلا عما قال به الشيعة.
وفي قبال الزيدية والمعتزلة والسنة قالت
الشيعة بإمامة أهل البيت لا بمعنى الحكم بل
بالمعنى الذي يجعل منزلتهم بمنزلة الأنبياء أي
كونهم حججا إلهيين تجب طاعتهم سواء بايعهم
الناس على الحكم أو لم يبايعوهم، لا فرق بينهم
وبين النبي (صلى الله عليه وآله) إلا في
النبوة والأزواج،
أما الحكم وإجراء الحدود فنسبته إليهم كنسبته
إلى الرسول من حيث اختصاصه به وعدم جواز تصدي
الغير له مادام حاضرا.
وهذا المعنى للإمام أي كونه حجة الله تعالى
في دينه هو المأثور عن هشام بن الحكم في
مناظراته.
قال الشامي لهشام:
(يا غلام سلني في إمامة هذا (وأشار إلى الإمام
الصادق (عليه السلام))... قال هشام للشامي يا
هذا أربك انظر لخلقه أم خلقه؟ فقال الشامي بل
ربي انظر لخلقه. قال ففعل بنظره لهم ماذا؟
قال أقام لهم حجة ودليلا، كيلا يتشتتوا، أو
يختلفوا، يتآلفهم ويقيم أودهم ويخبرهم
بفرض ربهم.
قال فمن هو؟
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله).
قال هشام فبعد رسول الله (صلى الله عليه
وآله)؟
قال الكتاب والسنة.
قال هشام فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة في
رفع الاختلاف عنا؟.
قال فسكت الشامي.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام) للشامي ما لك
لا تتكلم؟
قال الشامي ان قلت لم نختلف كذبت، وان قلت ان
الكتاب والسنة يرفعان عنا الاختلاف أبطلت،
لأنهما يحتملان الوجوه، وان قلت قد اختلفنا
وكل واحد منا يدعي الحق فلم ينفعنا إذن الكتاب
والسنة، إلاّ انَّ لي عليه الحجة.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام) سله تجده
مليا.
فقال الشامي يا هذا من انظر للخلق أربهم أو
أنفسهم؟
فقال هشام ربهم انظر لهم منهم لأنفسهم.
فقال الشامي فهل أقام لهم من يجمع لهم كلمتهم
ويقيم أودهم ويخبرهم بحقهم من باطلهم؟
قال هشام في وقت رسول الله (صلى الله عليه
وآله) أو الساعة؟
قال الشامي في وقت رسول الله رسول الله (صلى
الله عليه وآله) والساعة من؟
فقال هشام هذا القاعد الذي تشد إليه الرحال
ويخبرنا بأخبار السماء والأرض وراثة عن أب عن
جد.
قال الشامي فكيف لي ان اعلم ذلك قال هشام سله
عما بدا لك.
قال الشامي قطعت عذري فعليَّ السؤال.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام) يا شامي
أخبرك كيف كان سفرك، وكيف كان طريقك، كان كذا
وكذا.
فاقبل الشامي يقول صدقت، أسلمت لله الساعة.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام) بل آمنت
بالله الساعة، ان الإسلام قبل الإيمان وعليه
يتوارثون ويتناكحون والإيمان عليه يثابون.
فقال الشامي صدقت فأنا الساعة اشهد ان لا اله
إلا الله وان محمداً رسول الله (صلى الله عليه
وآله)وانك وصيُّ الأوصياء).
وهذا المعنى للإمامة الذي ناظر من أجله هشام
طفحت به أحاديث الأئمة (عليهم السلام).
روى الكليني عن داود الرقي عن العبد
الصالح (عليه السلام) قال: (ان الحجة لا تقوم
لله على خلقه إلا بإمام حتى يعرف).
وروى أيضا عن عبد الله بن سليمان العامري عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ما زالت
الأرض إلا ولله فيها الحجة يعرف الحلال
والحرام ويدعو الناس إلى سبيل الله).
وروى أيضا عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد
الله (عليه السلام) قال: (سمعته يقول ان الأرض
لا تخلو إلا وفيها إمام كي ما ان زاد المؤمنون
شيئا ردَّهم وان نقصوا شيئا أتمَّه لهم).
وروى أيضا عن بشير العطار قال سمعت أبا عبد
الله (عليه السلام) يقول: (نحن قوم فرض الله
طاعتنا
وانتم تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته).
وروى الكليني أيضا عن صفوان بن يحيى قال قلت
للرضا (عليه السلام) قد كنا نسألك قبل ان يهب
الله لك أبا جعفر (عليه السلام) فكنت تقول يهب
الله لي غلاما، فقد وهبه الله لك فاقر عيوننا،
فلا أرانا إليه يومك، فان كان كون فإلى من؟
فأشار بيده إلى أبي جعفر (عليه السلام) وهو
قائم بين يديه.
فقلت جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين؟
فقال: (وما يضره من ذلك فقد قام عيسى (عليه
السلام) بالحجة وهو ابن ثلاث سنين)
وفي نسخة إرشاد المفيد وأعلام الورى (ابن اقل
من ثلاث سنين).
والإمامة بهذا المعنى عرضها القرآن الكريم
للأنبياء السابقين قال تعالى (وَ إِذِ
ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات
فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ
لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَتِي
قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي
الظَّالِمِينَ)البقرة / 124.
وقال تعالى (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً
يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا
إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَإِقَامَ
الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا
لَنَا عَابِدِينَ)الأنبياء / 73.
فالإمام في كلا الآيتين هو الهادي إلى دين
الله والحجة على خلقه بقوله وفعله وتقريره.
|