الرسالة الثانية من السودان
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على
سادة الخلق محمد واهل بيته المعصومين
سماحة سيدنا المحقق العلامة السيد سامي البدري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وادفع دعواتي
الى الله مخلصا ان يجزيكم عن خدماتكم الجليلة
التي قمتم تقومون بها دفاعاً عن الحق وايضاحاً
للحقيقة واظهاراً لها بعد ارجاف المرجفين
وتحريف المبطلين فجزاكم الله بما قدمتم احسن
جزاء المجاهدين في سبيل الحق وسدد حجتكم واوضع
حجتكم انه سميع مجيب.
وبعد فأنني من المستبصرين لطريق آل محمد
(عليهم السلام) منذ سنين عديدة وكانت امور
التشيع عندنا متسقة ولا نجد من الشبهات الا
اباطيل ضعافاً واعتراضات هشة يعترضنا بها اهل
النصب والعداوة لاهل بيت العصمة والطهارة
صلوات الله وسلامه عليهم حتى جاءنا الزمان
بشبهات احمد الكاتب وكنا في السابق نعرفه من
خلال كتبه التي كانت ولازالت جيدة مثل (10-1 =
صفر) (يوميات فاطمة الزهراء(ع). وغيرها ونعرفه
كذلك من خلال بعض الاخوة السودانيين الذي
التقوه في الخرطوم وسوريا وايران وكان ممدوح
السيرة محمود النقيبة الى ان اطلع بما احبط
عمله واركسه في هوة الضلال، وكان لنا السبق في
قراءة كتابه المكتوب على الكمبيوتر (لا ندري
انه كانطبع ام لا) ثم النشرة (الشورى) والتي
قرأنا منها اكثر من عشرة اعداد، وطوال هذه
الفترة كنا نتوقع من علمائنا حراس العقيدة
بنور العلم ان يتصدوا للرد عليه وتفنيد حججه
وازاحة الشبهات التي اثارها خاصة وانه كان
يتبحج في نشرته بأنه طالب علماء النجف وقم بان
يردوا على ما جاء به من حجج دامغة وبراهين
ساطعة (على حسب قوله) ويتهكم على ان الشيخ
لطف الله الصافي الكلبايكاني والشيخ ناصر
مكارم الشيرازي حفظهم الله كوََّنوا لجنة للرد
عليه وايضاح الحق في الموضوع.
ثم انه زاد في الطنبور نغمة حين زعم انه تحدى
العلامة المحقق الحجة سيدي مرتضى العسكري
ابقاه الله للمسلمين ذخراً وكهفاً وحصنا (لا
استطيع لو ملأت الاوراق مديحاً ان أكافئ ولو
حسنة صغيرة من حسناته علىََّ وعلى المسلمين).
ان يرد على ما جاء به، وكدنا نظن لولا علمنا
اليقين والقاطع ببطلان بعض حججه من كتابه
ونشرته حول حديث الائمة الاثني عشر والنص على
امامة الامام علي عليه السلام والائمة من
ولده (عليه السلام) ولكن تبقى هناك بعض
القضايا التي لا نستطيع ان نستوثق من صحتها او
عدمها لانا لا نملك المصادر التي رجع اليها
فنرجع اليها كالغيبة للنعماني وللطوسي وعيون
اخبار الرضا (عليه السلام) والارشاد والامامة
والتبصرة من الحيرة والمقالات والفرق وغيرها.
فانتظرنا رد المتخصصين على هذه الاشكالات التي
طرحها احمد الكاتب فلم نجد احداً حتى جائني
الاخ الولي الناصح هشام الطيب (جزاء الله عنا
كل خير) بنشرة قال ان فيها رداً على احمد
الكاتب فما ان فتحتها حتى رأيت فيها علماً
جماً وتحقيقاً دقيقاً عميقا وبحثا جاداً في
اصل كل شبهة والرد عليها بما هو الحكمة وفصل
الخطاب.
وقد اتاحت لي العناية الالهية ان اقرأ
الحلقتين اللتين صدرت اولاهما في جمادى الاولى
1417 والثانية في رجب من العام نفسه وقد قرأت
الحلقتين بعناية حتى استفيد من دقائق التحقيق
ونفائس البحوث ولم اجدكم الا ملتزمين بالمنهج
العلمي والموضوعي في كل ما رددتم به على
المشتبه مع نَفَس علمي واسع وباع طويل في
التنقيب و التمحيص، ولكن استأذن سماحتكم في ان
اطرح على سيدنا سؤالاً انتظر الاجابة عليه.
لقد حققتم بما لا مزيد في امر كتاب سليم بن
قيس واثبات صحته من ناحية رواية غير طريق احمد
بن هلال العبرتائي ومحمد بن علي الصيرفي
الكاذبان وروايته من طريق محمد بن ابي عمير عن
عمر بن اذينة عن ابان عن سليم وطريق علي بن
ابراهيم بن هاشم والصفار وسعد بن عبد الله
الأشعري عن ابراهيم بن هاشمويعقوب بن يزيد عن
حماد بن عيسى عن عبد الله بن مسكان وابراهيم
بن عمر كلاهما عن ابان عن سليم.
وانا الى الان لا اعاني من مشكلة الصيرفي
الواقع في طريق محمد بن احمد بن الوليد عن
محمد بن علي بن ماجيلوية المنتهي الى النجاشي
في الرجال والشيخ الطوسي في الفهرست كما لا
اعاني من مشكلة العبرتائي الواقع في طريق
الكليني في الكافي عبد علي بن محمد عبد
العبرتايئي عبد الله ان ابي عمير عن عمر بن
اذينة عن ابان... الخ ولكني ارى المشكلة كلها
في ابان وان كانت الرحمة الالهية لم تنعم علي
برؤية كتاب العلامة المحقق محمد باقر
الانصاري عن كتاب سليم بن قيس والذي ذكرتم انه
قضى اثنتي عشرة سنة في التحقيق فيه والامر
الذي زاد شوقنا الى اقتنائه والاستفادة من
نتيجة بحوثه وتحقيقاته. اعود فأقول ان المشكلة
كل المشكلة عندي هي في ابان بن فيروز بن عياش
لان الطرق الى سليم تنحصر فيه فقط وهو عامي
المذهب كذاب وضاع حتى عند اهل الجرح والتعديل
من اهل السنة. امثال شعبة بن الحجاج واحمد بن
حنبل وغيرهم كما في ميزان الاعتدال لشمس الدين
الذهبي وتهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني
وكما في كتب اعلامنا الامامية مثل الخلاصة
للعلامة الحلي ورجال المجلسي هذا ما اتيح لي
الاطلاع عليه).
انا في انتظار ردكم.
منتظر احمد
جواب الرسالتين
الاستاذ احمد عثمان والاستاذ منتظر احمد
السلام عليكما وبعد:
أشكر لكما عواطفكما ومحبتكما.
سألتما ايدكما الله تعالى لماذا يتم الاطمئنان
الى كتاب سليموقد انحصرت روايته بـ ابان بن
ابي عياش الموصوف بالضعف وهل رواه بعد
استبصاره؟
جوابه: ان ابان قد استبصر على يد سليم قبيل
وفاته، ثم رواه عنه، وقد انحصرت الرواية به
لان سليم رحمه الله قد كتبه في فترة اختفائه
هاربا من الحجاج الثقفي في بيت ابان بن ابي
عياش، وهو امر طبيعي لمن يعيش حالة التشرد
والمطاردة من السلطة وفي موضوع تعاقب السلطة
عليه اشد العقوبات وبين ايدينا عشرات من ابرار
اصحاب امير المؤمنين لم تصلنا رواياتهم بسبب
ذلك امثال حجر بن عدي الذي عرف عنه انه لم يرو
عن غير علي (عليه السلام) وكانت له صحف فيها
حديث علي (عليه السلام) ومالك الاشتر وعمر و
بن الحمق وغيرهم.
قال الذهبي في ميزان الإعتدال: (قال حماد بن
زيد قال لي سلم العلوي: يا بني عليك بأبان،
فذكرت ذلك لايوب السختياني فقال: ما نزال
نعرفه بالخير منذ كان). وقال ابن حبان: (كان
ابان من العباد يسهر الليل بالقيام ويطوي
النهار بالصيام).
ومن الجدير ذكره ان اول من اسس الوقيعة بأبان
(وكان قد اتخذ البصرة موطنا له بعد هجرته من
فارس) هو شعبة البصري كان يقول: (لان اشرب من
بول حمار حتى اروي احب اليَّ من ان اقول حدثنا
ابان بن ابي عياش).
وقال البخاري في تاريخه في ترجمة أبان: (كان
شعبة سيء الراي فيه).
قال العلامة الاسترابادي (رحمهم الله) في منهج
المقال: (اني رأيت اصل تضعيفه من المخالفين من
حيث التشيع).
وقال العلامة السيد محسن الامين (رحمهم الله)
في اعيان الشيعة: (يدل على تشيعه قول احمد بن
حنبل (قيل انه كان له هوى) لتشيعه كما هو
العادة).
وقال العلامة الشيخ موسى الزنجاني في (الجامع
في الرجال): (الاقرب عندي قبول رواياته تبعاً
لجماعة من متأخري اصحابنا المحدثين كالصفار
وابن بابويه وابن الوليد وغيرهم والرواة الذين
يروون عنه).
وقد استوعب العلامة الشيخ محمد باقر الانصاري
الحديث عن ابان في كتابه القيم (كتاب سليم بن
قيس).
هذا مضافا الى ان مضمون كتاب سليم لا ينحصر به،
وعلى فرض اصرار الخصم على اسقاط اعتباره
لمشكلة ابان او غيرها فان مضمون رواياته مما
تظافرت به روايات الشيعة والسنة.
شكر وتقدير
وقد وردتنا رسائل اخرى تحمل المودة والتقدير
من اخوة آخرين منهم (الدكتور عباس الترجمان)
الأستاذ بجامعة طهران والشاعر العراقي الكبير
الأستاذ (جواد جميل) والأستاذ السيد (ثامر
العميدي) والأستاذ (ابي آمال) من قم وطهران،
والأستاذ (هشام الطيب) من السودان، والأخ
(عباس السامرائي) من هولندا نشكرهم جميعا
على عواطفهم ومحبتهم ونسأل الله تعالى ان
يجعلنا واياهم من الذابين عن مذهب اهل
البيت (عليهم السلام) وان يرزقنا جميعاً
شفاعتهم.
سامي البدري
شبهات و ردود
الحلقة الرابعة:
الرد على شبهات أحمد الكاتب
حول ولادة ووجود الإمام المهدي (عليه السلام)
المقدمة
بين يديك قارئي الكريم الحلقة الرابعة من نشرة
شبهات وردود رددنا فيها على ما أثاره أحمد
الكاتب من شبهات حول وجود الحجة المهدي محمد
بن الحسن العسكري (عليه السلام).
وكانت بعض دعاواه المهمة في هذا الصدد قوله:
(اذا استثنينا شرذمة قليلة، فان اجماع الشيعة
في القرن الثالث والقرن الرابع كان قائماً على
عدم الايمان بوجود (محمد بن الحسن العسكري)
وقد ذكر ذلك عامة مؤرخي الشيعة كالنوبختي
والاشعري والكليني والنعماني والصدوق والمفيد
والطوسي، الذي اطلقوا على ذلك العصر اسم (عصر
الحيرة). (234-235)).
وقد بيَّنا خطأ هذا القول وعدم واقعيته
وأثبتنا في ضوء المصادر الشيعية والسنية ان
جمهور اصحاب الحسن العسكري وثقاته وهم جمهور
الشيعة آنذاك كانوا يقولون بوجود ولد للحسن
العسكري (عليه السلام) قد نص على إمامته ابوه
(عليه السلام) وانه المهدي الموعود وبالتالي
فان الرأي الشيعي العام في القرن الثالث
الهجري والرابع الهجري كان يقوم على الإيمان
بالمهدي بن الحسن العسكري (عليه السلام).
وأجبنا على اسئلته حول العقيدة بالمهدي كقوله:
ماهي المشكلة في الإيمان بولادة الامام المهدي
في المستقبل وعندما يأذن الله؟ ولماذا الإصرار
على ولادته في الماضي السحيق وبقائه على قيد
الحياة بصورة غير طبيعية؟ وغير ذلك.
لقد اقتصر ردنا في هذه الحلقة على بعض المسائل
وتركنا بعضها الآخر لعلمنا ان هناك أكثر من أخ
كريم وباحث نيقد تصدى للرد
والحمد لله ولم نجد مبررا لتكرار الجهد فيها.
وبهذه الحلقة نكون قد استوفينا ردنا على أهم
الشبهات التي أثارها أحمد الكاتب في نشرته
(الشورى) وكتابه (تطور الفكر السياسي الشيعي)
حول إمامة أهل البيت (عليهم السلام)ووجود
المهدي (عليه السلام) وأساس نظرية الحكم لدى
الشيعة.
اللهم اجعله ذخرا يوم لا ينفع مال ولا بنون
الا من أتى الله بقلب سليم انك سميع مجيب.
سامي البدري
الحوزة العلمية قم المشرفة
آخر شهر رمضان المبارك /1420 هجرية
الفصل الأول:
عقيدة جمهور الشيعة بعد وفاة الإمام الحسن
العسكري (عليه السلام)
قوله: اذا استثنينا شرذمة قليلة، ان اجماع
الشيعة في القرن الثالث والقرن الرابع كان
قائماً على عدم الايمان بوجود (محمد بن الحسن
العسكري).
أقول: هذه دعوى غير صحيحة والعكس هو الصحيح
فإن القائلين بوجود وولادة ومهدوية محمد بن
الحسن (عليه السلام) هم جمهور أصحاب الحسن
العسكري وقد نقل هذه الحقيقة الأشعري السني
(ت324) في كتابه مقالات الإسلاميين الذي انتهى
من تأليفه سنة 297 هجرية وكذلك ابن حزم (ت548)
في كتابه (الفصل في الملل والأهواء والنحل)
وكلاهما من علماء السنة المعنيين بالفرق
الإسلامية وكان الثاني ممن عُني بالردّ على
الشيعة هذا بالإضافة الى ما ذكره الشيخ ابو
سهل النوبختي والشيخ الصدوق والشيخ المفيد.
نص الشبهة
قوله: انقسم الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري
الى أربعة عشرة فرقة... ولم يقل بوجود وولادة
وإمامة ومهدوية (محمد بن الحسن) إلا فرقة
واحدة (شرذمة قليلة) من تلك الفرق الأربعة عشر
(ص234-235).
وقوله: وقد كان القول بوجود ولد (للحسن
العسكري) قولا سريا باطنيا قال به بعض اصحاب
الامام العسكري بعد وفاته. ولم يكن الامر
واضحاً وبديهيا ومجمعاً عليه بين الشيعة في
ذلك الوقت، حيث كان جو من الحيرة والغموض حول
مسألة الخلف يلف الشيعة، ويعصف بهم بشدة.
وقوله: وقد كتب عدد من العلماء المعاصرين لتلك
الفترة كتبا تناقش موضوع الحيرة وسبل الخروج
منها، ومنهم الشيخ علي بن بابويه الصدوق الذي
كتب كتابا اسماه (الامامة والتبصرة من
الحيرة). وقد امتدت هذه الحيرة الى منتصف
القرن الرابع الهجري حيث اشار الشيخ محمد بن
علي الصدوق في مقدمة كتابه (اكمال الدين) الى
حالة الحيرة التي عصفت بالشيعة وقال (وجدت
اكثر المختلفين الي من الشيعة قد حيرتهم
الغيبة، ودخلت عليهم في امر القائم الشبهة)...
وقال محمد بن ابي زينب النعماني في كتابه
(الغيبة) يصف حالة الحيرة التي عمت الشيعة في
ذلك الوقت (ان الجمهور منهم يقول في (الخلف)
اين هو؟ واين يكون واين يكون هذا؟ والى
متى يغيب؟ وكم يعيش؟ هذا وله الآن نيف وثمانون
سنة؟ فمنهم من يذهب الى انه ميت ومنهم من ينكر
ولادته ويجحد وجوده ويستهزئ بالمصدق به، ومنهم
من يستبعد المدة ويستطيل الامد) يقول (أي حيرة
اعظم من هذه الحيرة التي اخرجت من هذا الامر
الخلق الكثير والجم الغفير؟ ولم يبق ممن كان
فيه الا النزر اليسير، وذلك لشك الناس)... ان
دعاوى الاجماع والتواتر والاستفاضة التي
يدعيها البعض على احاديث وجود وولادة ومهدوية
الامام الثاني عشر (محمد بن الحسن العسكري) لم
يكن لها وجود في ذلك الزمان... من هنا يمكننا
القول، اذا استثنينا شرذمة قليلة، ان اجماع
الشيعة في القرن الثالث والقرن الرابع كان
قائماً على عدم الايمان بوجود (محمد بن الحسن
العسكري)، وقد ذكر ذلك عامة مؤرخي الشيعة
كالنوبختي والاشعري والكليني والنعماني
والصدوق والمفيد والطوسي، الذي اطلقوا على ذلك
العصر اسم (عصر الحيرة). (234-235).
الرد على الشبهة
أقول: هناك قضيتان خلط الاستاذ الكاتب في
الحديث عنهما وذكر المصادر فيهما على انهما
قضية واحدة:
الأولى: قضية تفرق أصحاب الإمام الحسن العسكري
من بعد وفاته الى أربع عشرة فرقة أحداها
الفرقة الإمامية. ومستنده في ذلك هو ما جاء في
كتاب فرق الشيعة للنوبختي والمقالات والفرق
للأشعري القمي.
الثانية: قضية الحيرة التي أصابت الشيعة بسبب
انقطاع السفارة الخاصة وبدء الغيبة الكبرى.
وقد اشار اليها بعبارات صريحة، النعماني وعلي
بن بابويه وابنه محمد بن علي بن بابويه
والطوسي والشيخ المفيد، غير أن الأستاذ الكاتب
لوى عنق هذه الكلمات زورا وبهتانا ليجعلها تصب
في القضية الأولى تضليلا للقارئ وزيادة في
التعتيم على الحقيقة، وفيما يلي خلاصة عن
لهاتين القضيتين.
القضية الأولى:
قضية دعوى تفرق أصحاب الإمام الحسن
العسكري(عليه السلام)
أقول من المفيد جدا ان نستعرض ما جاء في كتاب
(فرق الشيعة) للنوبختي وكتاب (المقالات
والفرق) للأشعري القمي.
قال النوبختي في فرق الشيعة:
(ولد الحسن بن علي (عليه السلام) في شهر ربيع
الآخر اثنتين وثلاثين ومأتين وتوفي بسر من رأى
يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الاول
سنة ستين ومأتين ودفن في داره البيت الذي دفن
فيه ابوه وهو ابن ثمان وعشرين سنة وصلى عليه
ابو عيسى بن المتوكل وكانت امامته خمس سنين
وثمانية اشهر وخمسة ايام وتوفي ولم يُرَ له
اثر ولم يعرف له ولد ظاهر فاقتسم ما ظهر من
ميراثه اخوه جعفر وامه وهي ام ولد يقال ها
عسفان ثم سماها ابو الحسن حديثاً.
فافترق اصحابه بعده اربع عشرة فرقة
فرقة منها قالت: ان (الحسن بن علي) حي لم يمت
وانما غاب وهو القائم ولا يجوز ان يموت ولا
ولد له ظاهرا لأن الارض لا تخلو من امام وقد
ثبتت امامته والرواية قائمة ان للقائم
غيبتين...
وقالت الفرقة الثانية: ان الحسن بن علي مات
وعاش بعد موته وهو القائم المهدي. لأنا روينا
ان معنى القائم هو ان يقوم من بعد الموت ويقوم
ولا ولد له ولو كان لصح موته ولا رجوع لان
الامامة كانت تثبت لخلفه...
وقالت الفرقة الثالثة: ان (الحسن بن علي) توفي
والامام بعده اخوه (جعفر) واليه اوصى الحسن
ومنه قبل الامامة وعنه صارت اليه...
وقالت الفرقة الرابعة: ان الامام بعد الحسن
(جعفر) وان الامامة صارت اليه من قبل ابيه لا
من قبل اخيه محمد ولا من قبل الحسن ولم يكن
اماماً ولا الحسن ايضا...
واما الفرقة الخامسة: فانها رجعت الى القول
بامامة (محمد بن علي) المتوفى في حياة ابيه
وزعمت ان الحسن وجعفراً ادعيا ما لم يكن
لهما...
وقالت الفرقة السادسة: ان للحسن بن علي ابناً
سماه محمداً ولد قبل وفاته بسنين وانه مستور لا
يرى...
وقالت الفرقة السابعة: بل ولد للحسن ولد بعده
بثمانية اشهر...
وقالت الفرقة الثامنة: انه لا ولد للحسن اصلاً
لأنا قد امتحنا ذلك وطلبناه بكل وجه فلم
نجده... ولكن هناك حبل قائم قد صح في سرية له
وستلد ذكراً اماما متى ما ولدت فانه لايجوز ان
يمضي الامام ولاخلف له فتبطل الامامة وتخلو
الارض من الحجة.
وقالت الفرقة التاسعة: ان الحسن بن علي قد صحت
وفاة ابيه وجده وسائر آبائه (عليهم السلام)
فكما صحت وفاته بالخبر الذي لا يكذب مثله
فكذلك صح انه لا امام بعد الحسن وذلك جائز في
العقول والتعارف كما جاز ان تنقطع النبوة...
والارض اليوم بلا حجة الا ان يشاء الله فيبعث
القائم من آل محمد (صلى الله عليه وآله) فيحي
الارض بعد موتها كما بعث محمداُ (صلى الله
عليه وآله) على حين فترة من الرسل...
وقالت الفرقة العاشرة: ان ابا جعفر محمد بن
علي الميت في حياة ابيه كان الامام بوصية من
ابيه اليه واشارته ودلالته ونصه على اسمه
وعينه. اوصى الى غلام لأبيه صغير كان في خدمته
يقال له (نفيس) وكان ثقة امينا عنده ودفع اليه
الكتب والعلوم والسلاح وما تحتاج اليه الامة
واوصاه اذا حدث بأبيه حدث الموت يؤدي ذلك كله
الى اخيه جعفر.
وقالت الفرقة الحادية عشرة: لما سئلوا عن ذلك
وقيل لهم ما تقولون في الامام اهو جعفر ام
غيره قالوا لا ندري ما نقول في ذلك اهو من ولد
الحسن ام من اخوته فقد اشتبه علينا الامر انا
نقول ان الحسن بن علي كان اماماً وقد توفي وان
الارض لا تخلوا من حجة ونتوقف ولا نقدم على
شىء حتى يصح لنا الامر ويتبين.
وقالت الفرقة الثانية عشرة: وهم (الامامية)
ليس القول كما قال هؤلاء كلهم بل لله عز وجل
في الارض حجة من ولد الحسن بن علي وامر الله
بالغ وهو وصي لأبيه على المنهاج الاول والسنن
الماضية.
ولا تكون الامامة في اخوين بعد الحسن والحسين
(عليهما السلام).
ولا يجوز ذلك ولا تكون الا في عقب الحسن بن
علي الى ان ينقضي الخلق متصلا ذلك ما اتصلت
امور الله تعالى.
ولو كان في الارض رجلان لكان احدهما الحجة ولو
مات احدهما لكان الآخر الحجة ما دام امر الله
ونهيه قائمين في خلقه.
ولا يجوز ان تكون الامامة في عقب من لم تثبت
له امامة ولم تلزم العباد به حجة ممن مات في
حياة ابيه ولا في ولده،...
وهذا الذي ذكرناه هو المأثور عن الصادقين الذي
لا تدافع له بين هذه العصابة ولا شك فيه لصحة
مخرجه وقوة اسبابه وجودة اسناده.
ولا يجوز ان تخلو الارض من حجة ولو خلت ساعة
لساخت الارض ومن عليها ولا يجوز شىء من مقالات
هذه الفرق كلها.
فنحن مستسلمون بالماضي وامامته مقرون بوفاته
معترفون بأن له خلفاً قائماً من صلبه وان خلفه
هو الامام من بعده حتى يظهر ويعلن امره كما
ظهر وعلن امر من مضى قبله من آبائه ويأذن الله
في ذلك، اذ الأمر لله يفعل ما يشاء ويأمر بما
يريد من ظهوره وخفائه كما قال امير
المؤمنين (عليه السلام) (اللهم انك لا تخلي
الارض من حجة لك على خلقك ظاهرا معروفا او
خائفا مغمورا كيلا تبطل حجتك وبيناتك).
وبذلك أُمِرنا، وبه جاءت الاخبار الصحيحة عن
الائمة الماضين لأنه ليس للعباد ان يبحثوا عن
امور الله ويقضوا بلا علم لهم ويطلبوا آثار ما
ستر عنهم ولا يجوز ذكر اسمه ولا السؤال عن
مكانه حتى يؤمر بذلك اذ هو (عليه السلام)
مغمور خائف مستور بستر الله تعالى وليس علينا
البحث عن امره بل البحث عن ذلك وطلبه محرم لا
يحل ولا يجوز لان في اظهار ما ستر عنا وكشفه
اباحة دمه ودمائنا وفي ستر ذلك والسكوت عنه
حقنهما وصيانتهما ولا يجوز لنا ولا لأحد من
المؤمنين ان يختاروا اماما برأي واختيار وانما
يقيمه الله لنا ويختاره ويظهره اذا شاء لانه
اعلم بتدبيره في خلقه واعرف بمصلحتهم
والامام (عليه السلام) اعرف بنفسه وزمانه منا،
وقد قال ابو عبد الله الصادق (عليه السلام)
وهو ظاهر الامر معروف المكان لا ينكر نسبه ولا
تخفى ولادته وذكره شايع مشهور في الخاص والعام
من سماني باسمي فعليه لعنة الله، ولقد كان
الرجل من شيعته يتلقاه فيحيد عنه وروي عنه ان
رجلا من شيعته لقيه في الطريق فحاد عنه وترك
السلام عليه فشكره على ذلك وحمده وقال له لكن
فلاناً لقيني فسلم علي ما احسن وذمه على
ذلكواقدم عليه بالمكروه... فكيف يجوز في
زماننا هذا مع شدة الطلب وجور السلطان وقلة
رعايته لحقوق امثالهم مع ما لقي (عليه السلام)
من صالح بن وصيف وحبسه... وقد رويت اخبار
كثيرة: (ان القائم تخفى على الناس ولادته) و
(يخمل ذكره ولا يعرف) الا انه لا يقوم حتى
يظهر ويعرف انه امام ابن امام ووصي ابن وصي
يؤتم به قبل ان يقوم ومع ذلك فانه لابد من ان
يعلم امره ثقاته وثقات ابيه وان قلوا... فهذا
سبيل الامامة والمنهاج الواضح اللاحب الذي لم
تزل الشيعة الامامية الصحيحة التشيع عليه.
وقالت الفرقة الثالثة عشرة: مثل مقالة الفطحية
الفقهاء منهم واهل الورع والعبادة مثل (عبد
الله بن بكير بن اعين) ونظرائه فزعموا ان
(الحسن بن علي) توفي وانه كان الامام بعد ابيه
وان (جعفر بن علي) الامام بعده... فهؤلاء
(الفطحية الخلص) الذي يجيزون الامامة في اخوين
اذا لم يكن للاكبر منهما خلف ولدا).
وقال الأشعري القمي في (المقالات والفرق):
(ولد الحسن بن علي في شهر ربيع الآخر سنة
اثنتين وثلثين ومائتين، وتوفي بسر من رأى يوم
الجعمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الآخر
سنة ستين ومائتين، ودفن في داره في البيت الذي
دفن فيه ابوه، وهو ابن ثمان و عشرين سنة، وصلى
عليه ابو عيسى بن المتوكل، وكانت امامته خمس
سنين وثمانية اشهر وخمسة ايام، وتوفي ولم ير
له خلف ولم يعرف له ولد ظاهر، فاقتسم ما ظهر
من ميراثه اخوه جعفر وامه وهي ام ولد كان يقال
لها عسفان ثم سماها ابوه (حديثا)، فافترق
اصحابه من بعده خمس عشرة فرقة.
ففرقة منها وهي المعروفة بالامامية قالت: لله
في ارضه بعد مضي الحسن بن علي حجة على عباده
وخليفة في بلاده، قائم بامره من ولد الحسن بن
علي بن محمد بن علي الرضا، آمرٌ ناه مبلغ عن
آبائه مودَع عن اسلافه ما استودعوه من علوم
الله وكتبه واحكامه وفرائضه وسننه، عالم بما
يحتاج اليه الخلق من امر دينهم ومصالح دنياهم
خلف لأبيه، ووصي له، قائم بالأمر بعده، هاد
للامة مهدي على المنهاج الاول والسنن الماضية
من الائمة الجارية، فيمن مضى منهم القائمة
فيمن بقى منهم، الى ان تقوم الساعة من وتيرة
الاعقاب، ونظام الولادة، ولا ينتقل ولا يزول
عن حالها، ولا يكون الامامة ولا يعود في اخوين
بعد الحسن والحسين، ولا يجوز ذلك ولا يكون الا
في عقب الحسن بن علي بن محمد الى فناء الخلق
وانقطاع امر الله ونهيه ورفعه التكليف عن
عباده، متصل ذلك ما اتصلت امور الله، ولو كان
في الارض رجلان كان احدهما الحجة، ولو مات
احدهما لكان الباقي منهما الحجة، ما اتصل امر
الله ودام نهيه في عباده، وما كان تكليفه
قائماً في خلقه.
ولا يجوز ان تكون الامامة في عقب من يموت في
حياة ابيه، ولا في وصىّ له من اخ ولا غيره،
اذا لم تثبت للميت في حياه ابيه في نفسه
امامة ولم يلزم العباد به حجة...
وذلك ان المأثور عن الائمة الصادقين مما لا
دفع بين هذه العصابة من الشيعة الامامية، ولا
شك فيه عندهم ولا ارتياب، ولم يزل اجماعهم
عليه لصحة مخرج الاخبار المروية فيه وقوة
اسبابها، وجودة اسانيدها وثقة ناقليها.
ان الامامة لا تعود في اخوين إلى قيام الساعة
بعد حسن وحسين.
ولا يكون ذلك ولا يجوز ان تخلو الارض من حجة
من عقب الامام الماضي قبله ولو خلت ساعة لساخت
الارض ومن عليها.
فنحن متمسكون بامامة الحسن بن علي، مقرون
بوفاته موقنون مؤمنون بأن له خلفا من صلبه،
متدينون بذلك، وانه الامام من بعد ابيه الحسن
بن علي، وانه في هذه الحالة مستتر خائف مغمور
مأمور بذلك، حتى يأذن الله عز وجل له فيظهر
ويعلن امره، كظهور من مضى قبله من آبائه اذ
الامر لله تبارك وتعالى يفعل ما يشاء ويأمر
بما يريد من ظهور وخفاء ونطق وصموت... هذا مع
القول المشهور من امير المؤمنين (ان الله
لا يخلى الارض من حجة له على خلقه ظاهراً
معروفا او خافيا مغموراً لكي لا يبطل حجته
وبيناته).
وبذلك جاءت الاخبار الصحيحة المشهورة عن
الائمة (عليهم السلام)، وليس على العباد ان
يبحثوا عن امور الله ويقفوا اثر مالا علم لهم
به ويطلبوا اظهار ما ستره الله عليهم وغيبه
عنهم... ولا البحث عن اسمه وموضعه، ولا السؤال
عن امره ومكانه حتى يؤمروا بذلك اذ هو (عليه
السلام) غائب خائف مغمور مستور بستر الله...
بل البحث عن امره وطلب مكانه والسؤال عن حاله
وامره محرم لا يحل ولا يسع لان في طلب ذلك
واظهار ما ستره الله عنا و كشفه واعلان امره
والتنويه باسمه معصية لله، والعون على سفك دمه
(عليه السلام) ودماء شيعته وانتهاك حرمته،
اعاذ الله من ذلك كل مؤمن ومؤمنة برحمته وفي
ستر امره والسكوت عن ذكره... ولا يجوز لنا ولا
لا حد من الخلق ان يختار اماماً برأيه...
وانما اختيار الحجج والائمة الى الله عز وجل
واقامتهم اليه فهو يقيمهم ويختارهم ويخفيهم
واذا شاء اقامتهم فيظهرهم ويعلن امرهم اذا
اراد، ويستره اذا شاء فلا يبديه، لانه تبارك
وتعالى اعلم بتدبيره في خلقه واعرف بمصلحتهم
والامام اعلم بامور نفسه وزمانه وحوادث امور
الله منا، وقد قال ابو عبد الله جعفر بن محمد
وهو ظاهر الامر معروف المكان مشهور الولادة
والذكر لاينكر نسبه شائع اسمه وذكره امره في
الخاص والعام من سماني باسمي فعليه لعنة الله،
وقد كان الرجل من اوليائه وشيعته يلقاه في
الطريق فيحيد عنه ولا يسلم عليه تقية، فإذا
لقيه ابو عبد الله شكره على فعله وصوب له ما
كان منه، وحمده عليه وذم من تعرف اليه وسلم
عليه، واقدم عليه بالمكروه من الكلام... هذا
كله لشدة التستر من الاعداء ولوجوب فرض
استعمال التقية فكيف يجوز في زماننا هذا ترك
استعمال ذلك مع شدة الطلب وضيق الامر وجور
السلطان عليهم، وقلة رعايته لحقوق امثالهم ومع
ما لقى في الماضي ابو الحسن من المتوكل وشدته
عليه وما حل بابي محمد وهذه ا لعصابة من صالح
بن وصيف لعنه الله وحبسه اياه، وامره بقتله
وحبسه له ولاهل بيته، وطلب الشيعة وما نالهم
منه من الاذى والتعنت، تسمية من لم يظهر له
خبر ولم يعرف له اسم مشهور وخفيت ولادته.
وقد رويت الاخبار الكثيرة الصحيحة (ان القائم
تخفى على الناس ولادته) و (يخمل ذكره) و (لا
يعرف اسمه) و (لا يعلم مكانه) (حتى يظهر)
ويؤتم به قبل قيامه. ولا بد مع هذا الذي
ذكرناه ووصفنا استتاره وخفاء من ان يعلم امره
وثقاته وثقاة ابيه وان قلوا... فهذه سبيل
الامامة وهذا المنهاج الواضح، والغرض الواجب
اللازم الذي لم يزل عليه الاجماع من الشيعة
الامامية المهتدية رحمة الله عليها، وعلى ذلك
كان اجماعنا الى يوم مضى الحسن بن علي رضوان
الله عليه.
وقالت الفرقة الثانية: ان الحسن بن علي حي لم
يمت، وانما غاب وهو القائم. ولا يجوز ان يموت
الامام ولا ولد له، ولا خلف معروف ظاهر والارض
لا تخلو من امام ولا حجة لله، ولا يلزم الخلق
الا امامة من ثبتت له الوصية والحسن بن علي
فقد ثبتت وصيته بالامامة واشار ابوه اليه
بالامامة ولا يحوز ان تخلو الارض ساعة من حجة
وامام على الخلق فهذه غيبة له وسيظهر حتى يعرف
ظهوره ثم يغيبه غيبة اخرى وهو القائم.
|