ونستفيد من هذا الكلام امرين هما:
الاول: ان الامر المتنازع عليه في السقيفة ليس
هو مجرد السلطة الاجرائية بل هو سلطة اجرائية
مقرونة بسلطة دينية وذلك لان العرب لم يكونوا
في الجاهلية يخضعون لقريش اجرائيا بل كانوا
يخضعون لها دينيا حيث يدينون بكل امر تضعه
قريش في امر الدين وبخاصة الحج وهو امر مذكور
في كل كتب السيرة،
وفي ضوء هذه السلطة تجرأ عمر في حكومته على
تحريم متعة الحج وقبول الناس ذلك منهم.
الثاني: ان المهاجرين الاربعة في السقيفة انما
غلبوا الانصار الحاضرين بأساس جاهلي كان
الاسلام قد أَماته، وهذا الاساس هو الامتياز
الديني لقريش وقد نزعه الاسلام عن قريش وكرسه
لمحمد (صلى الله عليه وآله) واهل بيته (عليهم
السلام).
وامام
شعار عمر ورفع الراية القرشية انكسر سعد بن
عبادة في هذا الاجتماع المدبر من الحزب القرشي
بإعلان اسيد بن حضير رئيس
الاوس وبشير بن سعد احد وجوه الخزرج ميلهما
إلى الحزب القرشي ومن ثم بيعتهما ومن معهما من
أتباعهما أبا بكر.
قوله: (كان والله ان اقدم فتضرب عنقي... احب
إليَّ من ان أتأمر على قوم فيهم أبو بكر).
وقد قال قبل ذلك (وليس فيكم من تقطع الأعناق
إليه مثل أبي بكر).
أقول: لست ادري هل هاتان الكلمتان من أبي حفص
كانتا على سبيل الجد أم شأنه فيهما شأنه في
كلمته لما توفي النبي (صلى الله عليه وآله)
وكشف هو والمغيرة بن شعبة الثوب عن وجه
النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: واغشياه ما
اشد غشي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم
اخذ يهدد بالقتل من قمال ان رسول الله قد مات،
واخذ يقول ان رجالا من المنافقين يزعمون ان
رسول الله توفي، وان رسول الله ما مات، ولكنه
ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن
قومه أربعين ليلة، ثم رجع بعد ان قيل مات،
والله ليرجعن رسول الله فليقطعن أيدي رجال
وأرجلهم يزعمون ان رسول الله مات، (من قال انه
مات علوت رأسه بسيفي هذا، وإنما ارتفع إلى
السماء).
قال ابن أبي الحديد (ان عمر لما علم ان رسول
الله قد مات خاف من وقوع فتنة في الإمامة
وتغلب أقوام عليها، أما من الأنصار أو من
غيرهم، فاقتضت المصلحة عنده تسكين الناس،
فاظهر ما أظهره، وأوقع تلك الشبهة في قلوبهم،
حراسة للدين والدولة، إلى ان جاء أبو بكر).
وفي ما أوردناه من رواية البخاري وشرحها كفاية
في توضيح حال السقيفة وإنها كانت بيعة خاصة
لأبي بكر في أجواء العصبية القبلية وليست مجرد
ترشيح له ثم أردفت ببيعة عامة اقترنت بالتهديد
وقوة السلاح.
الحلقة الثانية
الفصل الخامس:
الشورى السداسية برواية عمرو بن ميمون
قال البغدادي:ان استخلاف أبي بكر لعمر وكذلك
حصر عمر الشورى بالستة كان ترشيحا خاضعا
للقبول والرفض من الأمة.
اقول: قال الماوردي ان بيعة عمر لم تتوقف على
رضا الصحابة، وقد روت المصادر السنية المعتبرة
ان عمر قال لأبي طلحة الأنصاري اختر خمسين
رجلا من الأنصار فأجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى
يختاروا رجلا منهم فإن اجتمع خمسة ورضوا واحدا
وأبى واحد فاشدخ رأسه.
نص الشبهة
قال البغدادي: (ان استخلاف أبي بكر لعمر وكذلك
استخلاف عمر للستة كان ترشيحا خاضعا للقبول أو
الرفض من الأمة).
الرد على الشبهة
اقول: ان قوله هذا رأىٌ شاذ وافقه عليه بعض
السنة.
قال الماوردي: (وأما انعقاد الإمامة بعهد من
قبله، فهو مما انعقد الإجماع على جوازه، ووقع
الاتفاق على صحته، لأمرين عمل المسلمون بهما
ولم يتناكروهما:
أحدهما: ان أبا بكر عهد بها إلى عمر فاثبت
المسلمون إمامته بعهده.
والثاني: ان عمر عهد بها إلى أهل الشورى فقبلت
الجماعة دخولهم فيها وخرج باقي الصحابة
منها... فان لم يكن ولدا ولا والدا جاز ان
ينفرد بعقد البيعة له وبتفويض العهد إليه وان
لم يستشر فيه أحدا من أهل الاختيار لكن
اختلفوا هل يكون ظهور الرضا منهم شرطا في
انعقاد بيعته أولا؟
فذهب بعض علماء أهل البصرة إلى ان رضا أهل
الاختيار شرط في لزومها للامة..
والصحيح ان بيعته منعقدة، وان الرضا بها غير
معتبر لان بيعة عمر لم تتوقف على رضا
الصحابة).
وقال النووي وغيره: (اجمعوا على انعقاد
الخلافة بالاستخلاف، وعلى انعقادها بأهل الحل
والعقد لإنسان حيث لا يكون هناك استخلاف
غيره).
وقصة الشورى واستخلاف عثمان صريحة في أنها
كانت بيعة من عبد الرحمن لعثمان بعد ما فوضه
الأربعة ان يكون الأمر أمره، ومن هنا قال عبد
الرحمن لعلي بايع وإلاّ ضربت عنقك.
ونحن نورد فقرات من رواية مفصلة رواها الطبري
عن عمر بن شبة بأسانيده إلى عمرو بن ميمون.
قصة الشورى:
قال عمرو بن ميمون:
(ان عمر لما طُعِنَ قيل له يا أمير المؤمنين
لو استخلفت! قال: من استخلف؟ لو كان أبو عبيدة
بن الجراح حيا استخلفته فان سألني ربي قلت:
سمعت نبيك يقول (انه أمين هذه الأمة).
ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا استخلفته فان
سألني ربي قلت سمعت نبيك يقول (ان سالما شديد
الحب لله).
فقال له رجل أدلك عليه، عبد الله بن عمر...
قال بحسب آل عمر ان يحاسب منهم رجل واحد.. ان
استخلفت فقد استخلف من هو خير مني، وان اترك
فقد ترك من هو خير مني، ولن يضيع الله دينه.
فخرجوا ثم رجعوا فقالوا يا أمير المؤمنين لو
عهدت عهدا، فقال كنت عزمت بعد مقالتي لكم ان
انظر فأولي رجلا أمركم، هو أحراكم ان يحملكم
على الحق وأشار إلى علي...
فما أريد ان أتحملها حيا وميتاً.
عليكم بهؤلاء الرهط الذين قال رسول الله (صلى
الله عليه وآله) (انهم من أهل الجنة) علي
وعثمان وعبد الرحمن وسعد وطلحة والزبير
فليختاروا رجلا. ثم دعا بهم وقال لهم إني نظرت
فوجدتكم رؤساءهم وقادتهم ولا يكون هذا الأمر
إلاّ فيكم.
وقال لأبي طلحة الأنصاري اختر خمسين رجلا من
الأنصار، فاجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى
يختاروا رجلا منهم، فان اجتمع خمسة ورضوا رجلا
وأبى واحد فاشدخ رأسه، وان اتفق أربعة فرضوا
رجلا منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما، فان رضي
ثلاثة رجلا منهم وثلاثة رجلا منهم فحكموا عبد
الله بن عمر، فأي الفريقين حكم له فليختاروا
رجلا منهم، فان لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر
فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف
واقتلوا الباقين ان رغبوا عما اجتمع عليه
الناس.
واستشار عبد الرحمن الناس فقال
له عمار بن ياسر ان أردت ان لا يختلف المسلمون
فبايع عليا، فقال المقداد بن الأسود صدق عمار
ان بايعت عليا قلنا سمعنا واطعنا.
وقال ابن أبي سرح ان أردت إلا تختلف قريش
فبايع عثمان، فقال عبد الله بن أبي ربيعة صدق
ان بايعت عثمان قلنا سمعنا واطعنا.
وقال عمار: أيها الناس ان الله عز وجل أكرمنا
بنبيه وأعزنا بدينه فأنى تصرفون هذا الأمر عن
أهل بيت نبيكم.
فقال رجل من بني مخزوم لقد عدوت طورك يا ابن
سمية وما أنت وتأمير قريش لأنفسها.
فقال سعد بن أبي وقاص: يا عبد الرحمن افرغ قبل
ان يفتتن الناس.
ودعا عبد الرحمن على ا فقال له عليك عهد الله
وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة
الخليفتين من بعده.
قال أرجو ان افعل واعمل بمبلغ علمي وطاقتي.
ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي، فقال نعم
فبايعه.
فقال علي: حبوته حبو دهر، ليس هذا أول يوم
تظاهرتم فيه علينا فصبر جميل والله المستعان
على ما تصفون، والله ما وليت عثمان إلاّ ليرد
الأمر إليك.
فقال عبد الرحمن يا علي لا تجعل على نفسك
سبيلا فأني قد نظرت وشاورت الناس فإذا هم لا
يعدلون بعثمان.
فقال المقداد: ما رأيت مثل ما أوتي إلى أهل
هذا البيت بعد نبيهم، إني لأعجب من قريش انهم
تركوا رجلا لا أقول ان أحداً اعلم ولا أقضى
منه بالعدل أما والله لو أجد عليه أعوانا.
فقال عبد الرحمن يا مقداد اتق الله فإني خائف
عليك الفتنة).
أقول ان هذه الرواية لا تدع شكا في ان حصر عمر
الأمر في الستة على ان يبايعوا أحدهم لم يكن
مجرد ترشيح ولو كان كذلك فما الداعي إلى الأمر
بقتل الواحد إذا خالف الخمسة والاثنين إذا
خالفا الأربعة؟
ان التأمل في الفقرات التي أوردناها تلفت نظر
القارئ إلى ان السلطة كانت بيد قريش وان
المسلمين كانوا مغلوبين على أمرهم، وان مثل
عمار بن ياسر الذي يقول فيه رسول الله (صلى
الله عليه وآله) (ان عمارا ملئ أيمانا إلى
أخمص قدميه) (من ابغض عمار ابغضه الله تعالى)
كان يقال له حين هتف باسم علي ما أنت وتأمير
قريش لأنفسها).
ومن هنا قال المقداد قوله
(أما والله لو أجد عليه أعوانا) الآنف الذكر.
علي (عليه السلام) يتظلم من قريش:
وقد نبَّه علي (عليه السلام) في أحاديثه مرارا
إلى هذه الحقيقة المرة في تغلب قريش بعد وفاة
الرسول (صلى الله عليه وآله) على الأمر كما في
قوله: (اللهم إني أستعديك على قريش ومن
أعانهم، فانهم قطعوا رحمي، وصغرّوا عظيم
منزلتي، واكفأوا إنائي، واجمعوا على منازعتي
حقا كنت أولى به من غيري، وقالوا إلا ان في
الحق ان تأخذه، وفي الحق ان تُمنعه، فاصبر
مغموما، أو مُت متأسفا، فنظرت فإذا ليس لي
رافد ولا ذاب ولا مساعد إلا أهل بيتي، فضننت
بهم عن المنية، فاغضيت على القذى، وجرعت ريقي
على الشجاوصبرت من كظم الغيظ على أمرِّ من
العلقم، وآلم للقلب من حز الشفار.
وقوله (عليه السلام): (فجزى قريشا عني الجوازي
فانهم ظلموني حقي واغتصبوني سلطان ابن امي).
وقوله: (لقد أخافتني قريش صغيرا، وانصبتني
كبيرا، حتى قبض الله رسوله فكانت الطامة
الكبرى).
وقوله في رسالته لاخيه عقيل: (فان قريشا قد
اجتمعت على حرب اخيك اجتماعها على حرب رسول
الله (صلى الله عليه وآله) قبل اليوم، وجهلوا
حقي، وجحدوا فضلي، ونصبوا لي الحرب، وجدُّوا
في اطفاء نور الله، اللهم فاجزِ قريشا عني
بفعالها، قد قطعت رحمي وظاهرت عليَّ...).
وقوله: (أما والله لقد تقمصها
فلان
وانه ليعلم ان محلي منها محل القطب من الرحا،
ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير،
فسدلت دونها ثوبا، وطويت عنها كشحا،
وطفقت ارتئي بين ان أصول بيد جذاء،
أو أصبر على طخية عمياء ...
فرأيت الصبر على هاتا احجى... حتى إذا مضى
الأول لسبيله، فأدلى بها إلى فلان بعده... فيا
عجبا بينا هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها
لآخر بعد وفاته، لَشَدَّما تشطرا ضرعيها،
فصيّرها في حوزة خشناء، يغلظ كَلْمُها...
فصبرت على طول المدة وشدة المحنة،
حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة، زعم أني
أحدهم، فيالله وللشورى متى اعترض الريب فيَّ
مع الأول منهم حتى صرت اقرن إلى هذه
النظائرولكني أسففت إذ أسفوا، وطرت إذ طاروا،
فصغا رجل
منهم لضغنه، ومال
الآخر لصهره، مع هن وهن ،
إلى ان قام ثالث
القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام
معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة
الربيع، إلى ان انتكث فتله، وأجهز عليه عمله،
وكبت به بِطنته.
فما راعني إلا وانثيال الناس كعرف الضبع
إليَّ ينثالون عليَّ من كل جانب حتى لقد وطئ
الحسنان، وشق عطفاي، مجتمعين حولي كربيضة
الغنم، فلما نهضت بالآمر نكثت طائفة
ومرقت أخرى
وقسط آخرون...
أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور
الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ
الله على العلماء ألا يقاروا على كِظَّةِ
ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غار
بها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم
دنياكم هذه ازهد عندي من عفطة عنز).
ومن الواضح ان الأنصار واغلب المهاجرين بعد ان
انفلتوا من سلطان قريش وعادت
إليهم حريتهم تهافتوا على علي (عليه السلام)
كتهافت الفراش يطلبون منه البيعة بصفته الشخص
الذي دعا الكتاب والسنة إلى بيعته أما في زمن
أبي بكر وعمر فلم تكن لهم حرية ان يبايعوا من
أرادوا وأراده الكتاب والسنة إذ بايع خمسة
أشخاص أبا بكر وهم عمر وأبو عبيدة وسالم من
المهاجرين واسيد بن حضير وبشير بن سعد ومن
تبعهما من الأنصار ممن كان حاضرا ولبّس الأمر
على طائفة من الأنصار بسبب العصبية القبلية
وأُجبِر الباقي على البيعة بشكل أو بآخر، وقد
أشار علي (عليه السلام) إلى هذه الحرية في
إحدى خطبه بقوله (ولئن رُدَّ عليكم أمركم أنكم
لسعداء).
وأشار إلى التلبيس بقوله (ما ختلتكم عن أمركم
ولا لبَّسته عليكم).
الهوامش
وفي رواية البلاذري 4: 501 قال (اكره
ان أتحملها حيا وميتا) قلت (بل تحمل
أبو حفص حيا وميتا مسئولية إبعاد
علي(عليه السلام) عن موقعه الذي وضعه
الله ورسوله فيه، اما تحمله لذلك حياً
فقد تبين حين شدَّ عن وسطه وذبَّ عن
بيعة أبي بكر وفرضها على المسلمين بكل
وسيلة ممكنة حتى لو ادى ذلك إحراق باب
فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه
وآله) كما مر تفصيله في الفصل الثالث،
واما تحمله للأمر ميتا فقد تبيَّن حين
ابتكر الشورى السداسية وعيَّن أفرادها
وفرض على علي(عليه السلام) ان يكون
أحدهم ليضمن ثلاثة أمور الأول: ان لا
يبايَع علي(عليه السلام) إذ ليس له من
أصوات الخمسة الآخرين الاصوت الزبير
في قبال عثمان الذي له اربعة اصوات
هذا مضافا الى شرط جديد في البيعة وهو
العمل بسيرة الشيخين وهو يعلم جيدا ان
عليا سوف يرفض مثل هذا الشرط. الثاني:
ان تُضمن بيعة علي لعثمان ولو كرها
قبل ان يخرجوا من البيت وهو يعلم من
تجربة السقيفة ان عليا سوف يمتنع من
البيعة ويطالب المسلمين بنصرته وانه
اذا بايع ولو كرها امنوا من تحركه
ضدهم. الثالث: ان تخلق الاندادلعلي
(عليه السلام) كالزبير الذي كان
بالامس جنديا لعلي (عليه السلام)
يدافع عنه في قصة السقيفة ثم صار بعد
قتل عثمان نِدّاً له ينافسه على الامر
ويقاتله عليه. وتذكر المصادر
التاريخية ان عمر كان على يقين من ان
الشورى السداسية ستكون لصالح عثمان.
قال ابن سعد في طبقاته بترجمة سعيد بن
العاص ما خلاصته: (ان سعيد بن العاص
اتى الخليفة عمر يستزيده في الأرض
ليوسع داره فوعده الخليفة بعد صلاة
الغداة وذهب معه الى داره قال سعيد
فزادني وخط لي برجليه فقلت يا امير
المؤمنين زدني فانه نَبَتَتْ لي نابتة
من ولد واهل فقال حسبك واختبئ عندك
انه سيلي الامر من بعدي من يصل رحمك
ويقضي حاجتك قال فمكثت خلافة عمر بن
الخطاب حتى استخلف عثمان... فوصلني
واحسن وقضى حاجتي واشركني في امانته).
وسعيد بن العاص هو من اقرباء عثمان
فهو سعيد بن العاص بن سعيد بن احيحة
بن امية وعثمان هو ابن عفان بن ابي
العاص بن امية.
جاء في تاريخ اليعقوبي ج2: 163 قول
المقداد: واعجبا لقريش ودفعهم هذا
الامر عن اهل بيت نبيهم. وفي مروج
الذهب ج2:343 قال المقداد: يا عبد
الرحمن اعجب من قريش انما تطولهم على
الناس بفضل اهل هذا البيت قد اجتمعوا
على نزع سلطان رسول الله (صلى الله
عليه وآله)بعده من ايديهم، اما وايم
الله يا عبد الرحمن لو أجد على قريش
انصارا لقاتلتهم كقتالي أياهم مع
النبي عليه الصلاة والسلام يوم بدر).
(قال المسعودي وجرى بينهم من الكلام
خطب طويل قد أتينا على ذكره في كتابنا
أخبار الزمان في أخبار الشورى
والدار).
قلت قد أورد الكلام مفصلا ابن أبي
الحديد في شرح النهج (ج 9: 56) نقلا
عن سقيفة الجوهري:
قال عوانة قال إسماعيل قال الشعبي
فحدثني عبد الرحمن بن جندب عن أبيه
جندب بن عبد الله الأزدي قال كنت
جالسا بالمدينة حيث بويع عثمان فجئت
فجلست إلى المقداد بن عمرو فسمعته
يقول... اما و الله لو ان لي على قريش
أعوانا لقاتلتهم قتالي إياهم ببدر
وأحد فقال عبد الرحمن ثكلتك أمك لا
يسمعن هذا الكلام الناس فإني أخاف ان
تكون صاحب فتنة و فرقة. قال المقداد
ان من دعا إلى الحق و أهله و ولاة
الأمر لا يكون صاحب فتنة و لكن من
أقحم الناس في الباطل و آثر الهوى على
الحق فذلك صاحب الفتنة و الفرقة. قال
فتربد وجه عبد الرحمن ثم قال لو اعلم
انك إياي تعنى لكان لي و لك شأن. قال
المقداد إياي تهدد يا بن أم عبد
الرحمن ثم قام عن عبد الرحمن فانصرف.
قال جندب بن عبد الله فاتبعته و قلت
له يا عبد الله أنا من أعوانك، فقال
رحمك الله ان هذا الأمر لا يغني فيه
الرجلان و لا الثلاثة، قال فدخلت من
فوري ذلك على علي (عليه السلام) فلما
جلست إليه قلت يا أبا الحسن و الله ما
أصاب قومك بصرف هذا الأمر عنك فقال
صبر جميل و الله المستعان. فقلت و
الله انك لصبور قال فان لم اصبر فما
ذا اصنع، قلت إني جلست إلى المقداد بن
عمرو آنفا و عبد الرحمن بن عوف فقالا
كذا و كذا ثم قام المقداد فاتبعته
فقلت له كذا فقال لي كذا فقال
علي (عليه السلام) لقد صدق المقداد،
فماذا اصنع؟ فقلت تقوم فى الناس
فتدعوهم إلى نفسك وبخبرهم انك أولى
بالنبي (صلى الله عليه وآله)، وتسألهم
النصر على هؤلاء المتظاهرين عليك فإذا
أجابك عشرة من مائة شددت بهم على
الباقين، فان دانوا لك فذاك وإلا
قاتلتهم وكنت أولى بالعذر قتلت أو
بقيت، وكنت أعلى عند الله حجة،
فقال (عليه السلام): اترجو يا جندب ان
يبا يعني من كل عشرة واحد؟ قلت ارجو
ذلك، قال لكني لا ارجو ذلك، لا والله
ولا من المائة واحد وسأخبرك ان الناس
ينظرون إلى قريش فيقولون هم قوم محمد
وقبيله واما قريش بينها تقول ان آل
محمد يرون لهم على الناس بنبوته فضلا
ويرون انهم اولياء هذا الأمر دون قريش
ودون غيرهم من الناس وهم ان وَلَوْه
لم يخرج السلطان منهم إلى أحد أبدا و
متى كان في غيرهم تداولته قريش بينها
لا و الله لا يدفع الناس إلينا هذا
الأمر طائعين أبدا. فقلت جعلت فداك يا
بن عم رسول الله لقد صدعت قلبي بهذا
القول ا فلا ارجع إلى المصر فأوذن
الناس بمقالتك و أدعو الناس إليك فقال
يا جندب ليس هذا زمان ذاك. قال
فانصرفت إلى العراق فكنت اذكر فضل علي
على الناس فلا اعدم رجلا يقول لي ما
اكره واحسن ما اسمعه قول من يقول دع
عنك هذا وخذ فيما ينفعك فأقول ان هذا
مما ينفعني و ينفعك فيقوم عني و
يدعني.
و زاد أبو بكر احمد بن عبد العزيز
الجوهري حتى رُفع ذلك من قولي إلى
الوليد بن عقبه أيام وَلِيَنا فبعث
إليَّ فحبسني حتى كُلِّم فيَّ فخلى
سبيلي.
الخطبة: 3. وهذه الخطبة هي المعروفة
با الشقشقية وقد ذكروا في سبب تسميتها
بذلك انه (عليه السلام) لما بلغ كلامه
إلى الموضع الانف الذكر قام اليه رجل
من أهل السواد فناوله كتابا فاقبل
ينظر فيه فلما فرغ من قراءته قال له
ابن عباس (رضي الله عنه) يا امير
المؤمنين لو اطردت مقالتك من حيث
افضيت فقال هيهات يابن عباس تلك شقشقة
هدرت ثم قرت.
قال ابن عباس فوالله ما اسفت على كلام
قط كأسفي على هذا الكلام الا يكون
امير المؤمنين بلغ منه حيث اراد.
قال ابن ابي الحديد حدثني شيخي ابو
الخير مصدق بن شبيب الواسطي في سنة
ثلاث وستمائة، قال: قرأت على الشيخ
ابي محمد عبد الله بن احمد المعروف
يابن الخشاب هذه الخطبة، فلما انتهيت
الى هذا الموضع، قال لي: لو سمعت ابن
عباس يقول هذا لقلت له: وهل بقي في
نفس ابن عمك امر لم يبلغه في هذه
الخطبة لتتأسف الا يكون بلغ كلامه ما
اراد والله مارجع عن الاولين ولاعن
الاخرين، ولا بقي في نفسه احد لم
يذكره الا رسول الله (صلى الله عليه
وآله).
قال مصدق: وكان ابن الخشاب صاحب دعابة
وهزل. قال: فقلت له: اتقول انها
منحولة! فقال: لا والله، واني لأعلم
انها كلامه، كما اعلم انك مصدق. قال:
فقلت له: ان كثيرا من الناس يقولون
انها من كلام الرضي رحمه الله تعالى
فقال انى للرضي ولغير الرضي هذا النفس
وهذا الاسلوب! قد وقفنا على رسائل
الرضي، وعرفنا طريقته وفنه في الكلام
المنثور، وما يقع مع هذا الكلام في خل
ولا خمر. ثم قال: والله لقد وقفت على
هذه الخطبة في كتب صُنِّفَت قبل ان
يخلق الرضي بمائتي سنة، ولقد وجدتها
مسطورة بخطوط اعرفها، واعرف خطوط من
هو من العلماء واهل الادب قبل ان يخلق
النقيب ابو احمد والد الرضي.
|