ثانيا:
قوله: (ولكن عامة الشيعة في ذلك الزمان كانوا
يشكون في وضع واختلاق كتاب سليم).
أقول: ليس الامر كما ذكر..
وتحقيق الامر: ان ابن الغضائري وهو معاصر
للشيخ الطوسي قال في ترجمته لـ (أبان بن أبي
عياش): (لا يلتفت إليه وينسب أصحابنا وضع كتاب
سليم بن قيس إليه)، وقال المفيد في شرحه
لاعتقادات الصدوق: (وأما ما تعلق به من حديث
سليم الذي رجع فيه إلى الكتاب المضاف إليه
برواية أبان بن أبي عياش فالمعنى فيه صحيح غير
ان الكتاب غير موثوق به).
وان اغلب المحققين من علماء الشيعة لم يعتنوا
بتضعيفات ابن الغضائري.
قال السيد الخوئي (رحمه الله) في معجم رجال
الحديث: (أما الكتاب المنسوب إلى ابن الغضائري
فهو لم يثبت ولم يتعرض له العلامة في إجازاته
وذكر طرقه إلى الكتب. بل أن وجود هذا الكتاب
في زمان النجاشي والشيخ أيضا مشكوك فيه، فإن
النجاشي لم يتعرض له مع انه قدس سره بصدد بيان
الكتب التي صنفها الامامية حتى انه يذكر مالم
يره من الكتب و ان ما سمعه من غيره أو رآه في
كتابه، فكيف لا يذكر كتاب شيخه الحسين بن عبيد
الله أو ابنه احمد! وقد تعرض قدس سره لترجمة
الحسين بن عبيد الله ولم يذ كر فيها كتاب
الرجال كما انه حكى عن احمد بن الحسين في عدة
موارد ولم يذكر انه له كتاب الرجال. نعم أن
الشيخ تعرض في مقدمة فهرسته: أن احمد بن
الحسين كان له كتابان ذكر في أحدهما المصنفات
وفي الاخر الاصول ومدحهما غير انه ذكر عن
بعضهم أن بعض ورثته أتلفهما ولم ينسخهما أحد.
والمتحصل من ذلك أن الكتاب المنسوب إلى ابن
الغضائري لم يثبت بل جزم بعضهم بأنه موضوع
وضعه بعض المخالفين ونسبه إلى ابن الغضائري بل
أن الاختلاف في النقل عن هذا الكتاب يؤيد عدم
ثبوته بل توجد في عدة موارد ترجمة شخص في نسخة
ولا توجد في نسخة أخرى إلى غير ذلك من
المؤيدات).
وقال العلامة الطهراني (رحمه الله) في الذريعة
(.. جرت سيرة الاصحاب على عدم الاعتناء
بتضعيفات كتاب الضعفاء على فرض معلومية مؤلفه
فضلا على انه مجهول المؤلف فكيف يسكن إلى
جرحه).
وقال في كتابه المشيخة أيضاً: (ذكر السيد احمد
بن طاووس.. انه وجد نسخة منسوبة إلى ابن
الغضائري من دون إسناد له إليه، فأدرج ما في
تلك النسخة أيضا ضمن ما جمعه من تلك الاصول
الاربعة أي رجال النجاشي ورجال الكشي والشيخ
وفهرست الشيخ في المواضع اللائقة بعين
ألفاظه.. وهو أقوى سبب لضعف تضعيفات ابن
الغضائري حيث أن كتابه لم يكن مسندا للناقل
عنه وهو السيد ابن طاووس الذي اخذ من كلامه
بعده تلميذه العلامة الحلي وابن داود في كتابي
الخلاصة والرجال ثم من تأخر عنه حتى اليوم.
فكل ما ينسب إلى ابن الغضائري من الاقوال لم
يصل إلينا بأسانيد معتبرة عنه، بل الناقل عنه
أولا أعلمنا بعدم الاسناد وخلص نفسه).
أقول:
وعلى فرض الاعتناء بتضعيفات الغضائري والاخذ
بها عند التعارض كما ذهب إلى ذلك نفر من
علمائنا كالعلامة الحلي (رحمه الله) (ت726هـ)
والعلامة التستري (رحمه الله)(ت1416هـ) صاحب
قاموس الرجال، فان ذلك لا يضر بكتاب سليم بن
قيس لان جهة حكم ابن الغضائري على الكتاب
بالوضع معلومة وهي وجود خبرين الاول خبر وعظ
محمد بن أبي بكر أباه عند الموت (وهو خبر محقق
الكذب)والثاني خبر يفهم منه أن الائمة ثلاثة
عشر(وهو خبر اشتبه فيه راويه قطعا) ووجود هذين
الخبرين ونظائرهما ان وجدت وهي قليلة غير
كافية في الحكم على اصل الكتاب بالوضع فان
قصارى ما تدل عليه هو ان نسخة الكتاب قد لحقها
تخليط وتحريف ومن هنا أوجب الشيخ المفيد عدم
الاعتماد على كل ما ورد في الكتاب دون
تحقيقونظير ذلك كتاب مقتل الحسين (عليه
السلام) لابي مخنف فان الاصل المتداول عند
عامة الناس فيه زيادة وتحريف وهي لا توجب
الحكم على اصل الكتاب بالوضع وقد روى الطبري
في تاريخه اكثر أخباره ومن يقارن بين روايات
الطبري عن أبي مخنف وروايات النسخة المتداولة
يكتشف مواضع التحريف.
القول الحق في كتاب سليم:
قال العلامة التستري (رحمه الله): (والحق في
كتاب سليم بن قيس ان اصله كان صحيحاً قد نقل
عنه الاجلة المشايخ الثلاثة والنعماني والصفار
وغيرهم، إلا انه حدث فيه تخليط وتدليس من
المعاندين فالعدو لا يألو خبالا كما عرفت من
المفيد، لا كما قال ابن الغضائري من كون
الكتاب موضوعا لخبر وعظ محمد بن أبي بكر أباه،
فالكتاب الموضوع ان اشتمل على شىء صحيح يكون
في الاقلية كما في التفسير الذي افتروه على
العسكري (عليه السلام)، والكتاب بالعكس، بل لم
نقف فيه على كذب محقق سوى خبر الوعظ، أما خبر
عدد الائمة فقد عرفت انه سوء تعبير من بعض
الرواة، ووقوع أخبار خمسة مثله في الكافي،
وحينئذ فلا بد ان يراعى القرائن في أخباره كما
عرفت من المفيد).
قول النعماني في كتاب سليم:
أما قول ابن الغضائري /وهو من رجال القرن
الخامس الهجري/: (ينسب أصحابنا وضع كتاب سليم
بن قيس إليه أي إلى أبان بن أبي عياش فيعارضه
قول النعماني وهو من رجال القرن الرابع الهجري
(ت362هـ) (وليس بين جميع الشيعة فيمن حمل
العلم ورواه عن الائمة خلاف في كتاب سليم بن
قيس الهلالي اصله من اكبر كتب الاصول التي
رواها أهل العلم وحملة حديث أهل البيت (عليهم
السلام) وأقومها لان جميع ما اشتمل عليه هذا
الاصل إنما هو عن رسول الله (صلى الله عليه
وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام)وسلمان
والمقداد وأبي ذر ومن جرى مجراهم ممن شهد رسول
الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين
وسمع منهم وهو من الاصول التي ترجع الشيعة
إليها ويُعوَّل عليها).
ومراد النعماني من كلمة (الاصل) مراد أهل
العلم منها قال الطهراني: (الاصل من كتب
الحديث هو ما كان المكتوب فيه مسموعا لمؤلفه
من المعصوم (عليه السلام) أو عمن سمع منه لا
منقولا من مكتوب).
قول ابن النديم في كتاب سليم:
ويؤيد كلام النعماني ما ذكره ابن النديم
(ت380هـ) في كتابه الفهرست قال: (سليم بن قيس
من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان
هارباً من الحجاج لانه طلبه ليقتله فلجأ إلى
أبان بن أبي عياش فآواه فلما حضرته الوفاة قال
لابان ان لك عليَّ حقاً وقد حضرتني الوفاة يا
ابن أخي انه كان من أمر رسول الله (صلى الله
عليه وآله) كيت وكيت وأعطاه كتابا وهو كتاب
سليم بن قيس المشهور رواه عنه أبان بن أبي
عياش ولم يروه عنه غيره.. وهو أول كتاب ظهر
للشيعة.
ان ابن النديم حين ذكر كتاب سليم بن قيس إنما
ذكره بصفته أول كتاب واقدم كتاب عند الشيعة ثم
ذكر بعده مؤلفي الشيعة الاخرين وكتبهم ولو
كانت شبهة الوضع تلاحق الكتاب وتقترن به في
القرن الرابع الهجري كما يدعي صاحب النشرة لما
فاتت على ابن النديم وهو خبير عصره بالكتب
التي اشتهرت في زمانه.
وفي ضوء ذلك:
يتضح خطأ قول صاحب النشرة (وكان عامة الشيعة
في ذلك الزمان يشكُّون في وضع واختلاق كتاب
سليم وذلك لروايته عن طريق محمد بن علي
الصيرفي أبو سمينة الكذاب المشهور واحمد بن
هلال العبرتائي الغالي الملعون).
فانه ان كان يقصد شيعة القرن الرابع الهجري
فان كلام النعماني الانف الذكر يكذبه وان كان
يقصد الشيعة في عصر الشيخ المفيد فقد تبين
الحال من مناقشة العلامة التستري.
أما قوله (ان الواضع للكتاب هو أبو سمينة
واحمد بن هلال العبرتائي).
فهو قول جزاف..
كان شاهده الوحيد عليه دعواه ان الكتاب لم يكن
معروفا عند واحد من الشيعة في عصر الائمة وقد
تبين سقوط هذه الدعوى.
نعم كانت الشبهة تحوم على أبان بن أبي عيّاش
كما ذكر ذلك ابن الغضائري وتبناها وقدَّم
عليها شاهدين تبيَّن حالهما، وان وجودهما في
الكتاب يؤدي إلى القول بوضعهما ودسهما فيه لا
القول بوضع كل أخبار الكتاب.
ثالثا:
ما نقله صاحب النشرة من كلام ابن الغضائري من
قوله: (وكان أصحابنا يقولون ان سليماً لا
يُعرف ولا ذِكرَ له يوحي للقارىء ان سليماً لا
يعرف من الرجاليين وليس له ذكر عندهم وان ابن
الغضائري كان يقول بذلك).
ولكن واقع الحال ان ابن الغضائري ينفي ذلك
وعبارته بتمامها هي كان أصحابنا يقولون ان
سليما
لا يعرف ولا ذُكِرَ في خبر، وقد وجدت ذكره في
مواضع من غير جهة كتابه ولا رواية أبان بن أبي
عياش.
رابعا:
قوله: (ولم يصل الكتاب (كتاب سليم) إلى
الاجيال المتعاقبة بصورة موثقة ومروية).
أقول: أغنانا في الجواب على هذه الدعوى ما
كتبه العلامة الشيخ محمد باقر الانصاري الذي
صرف اثنتي عشرة سنة في تحقيق الكتاب وقد أخرجه
في ثلاثة مجلدات استوعب كل جوانب التحقيق فيه،
ومما جاء فيه قوله مختصراً:
(ان نسخة كتاب سليم كانت موجودة عند ابن أبي
عمير وحماد بن عيسى وعبد الرزاق بن همام.
وان نسخة عبد الرزاق قد وصلت إلينا بأربعة
طرق:
الاول: طريق ابن عقدة (ت333هـ).
الثاني: طريق محمد بن همام بن سهيل (ت332هـ).
الثالث: طريق الحسن بن أبي يعقوب الدينوري.
الرابع: طريق أبو طالب محمد بن صبيح بن رجاء
بدمشق سنة 334وبهذا الطريق اصبح الكتاب
متداولا حيث كانت عدة نسخ خطية منه موجودة عند
كبار علمائنا كما توجد اليوم مخطوطات منها في
مكتبات إيران والعراق والهند.
وان نسخة حماد بن عيسى وصلت إلينا عن طريق
الشيخ الطوسي والشيخ النجاشي بأسانيد متصلة.
وان نسخة ابن أبي عمير وصلت إلينا عن طريق
الشيخ الطوسي بأسانيد متصلة ووصلت إلى العلامة
الحر العاملي والعلامة المجلسي وهي المتداولة
اليوم.
وان نسخة الشيخ الطوسي برواية ابن أبي عمير
وصلت إلى المحدِّث شهر آشوب جد صاحب المناقب
والفقيه محمد بن أبي احمد بن شهريار والشيخ
أبو علي الطوسي بن الشيخ الطوسي، وأما شهر
آشوب فقد انتقلت نسخته إلى محمد بن علي بن شهر
آشوب صاحب المناقب وقد اخبر بالكتاب صاحب
المناقب بالحلة قراءة عليه سنة (567هـ) وأما
ابن شهريار الخازن فقد رواه للشريف أبي الحسن
العريضي ومنه للشيخ الفقيه محمد بن الكال
المتوفى سنة 597، أما نسخة الشيخ ابي علي بن
الشيخ الطوسي فقد وصلت بواسطة الشيخ الفقيه
الحسن بن هبة الله بن رطبة السوراوي وهو قد
اخبر بالكتاب في كربلاء سنة (560هـ) وأيضا
بواسطة الشيخ الحسن بن احمد بن طحال المقدادي
ومنه إلى الرئيس أبي البقاء هبة الله بن نما
قراءة عليه بالنجف سنة 520. ثم وصلت نسخة
الشيخ الطوسي هذه إلى العلامة المجلسي صاحب
البحار وقد أوردها بتمامها في موسوعته بحار
الانوار، وكذلك وصلت إلى الشيخ الحر العاملي
صاحب وسائل الشيعة وقد وصلت نسخته بعد ذلك إلى
العلامة السماوي وعنها طبع المطبوع المتداول.
الخلاصة:
اتضح من خلال البحث بطلان دعوى صاحب النشرة من
(كون كتاب سليم بن قيس أو روايات الاثني عشر
عنه لم تكن معروفة عند أحد من الشيعة زمن
الائمة الاحد عشر) وكذلك دعواه (ان كتاب سليم
أو روايات الاثني عشر عند الشيعة من اختلاق
العبرتائي والصيرفي)وتبين لنا عدم انحصار
الرواية بهما، وان الشبهة في اختلاق كتاب سليم
إنما كانت تحوم حول أبان بن أبي عياش الراوي
الذي انحصرت به رواية كتاب سليم، واختلاف
رجاليي الشيعة في وثاقته وقد قلنا في البحث ان
هذا الاختلاف لا يضر في الرد على مقولة صاحب
النشرة والزيدية من ان احاديث الاثني عشر قد
اختلقها الشيعة في عصر الغيبة، إذ المطلوب
اثبات وجودها عند الشيعة في عصر الائمة (عليهم
السلام) وقد اثبتنا ذلك.
وان أدلة ابن الغضائري في التشكيك بأصل كتاب
سليم مردودة ومعارضة بكلام النعماني الذي نقل
لنا رأي الشيعة في زمانه، هذا مضافاً إلى انه
لو كانت شبهة الوضع تلاحق كتاب سليم لما فاتت
على ابن النديم الذي ترجم للكتاب وصاحبه.
أما دعوى صاحب النشرة من (ان كتاب سليم لم يصل
إلى الاجيال المتعاقبة بصورة موثقة ومروية فقد
أجاب عنها مفصلاً محقق كتاب سليم بن قيس كما
أشرنا إليه).
الحلقة الاولى
الفصل الثامن:
أسانيد روايات الاثني عشر عند السنة والشيعة
قوله: ان روايات حصر الأئمة باثني عشر عند
السنة والشيعة ضعيفة السند!
أقول: البحث السندي في روايات الاثني عشر
إماما عند الفريقين يكذب دعواه تلك. وان
الأحاديث الشيعية في الاثني عشر كانت معروفة
لدى الثقات من الشيعة قبل ولادة المهدي (عليه
السلام)بل منذ القرن الثاني الهجري.
نص الشبهة
(ومن هنا فقد اعترض الزيدية على الامامية
وقالوا (ان الرواية التي دلت على ان الائمة
اثنا عشر قول أحدثه الامامية قريبا وولدوا فيه
أحاديث كاذبة.
وقام أصحاب النظرية (نظرية الاثني عشر)
باستيراد أحاديث من (أهل السنة) مروية عن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) تشير إلى عدد
الخلفاء والامراء من بعده وتذكر رقم (اثني
عشر) وأضافوا إليها أحاديث اختلقوها بعد ذلك
تشير إلى حصر الامامة في (اثني عشر إماماً)
فقط... استعار الذين قالوا بوجود المهدي محمد
بن الحسن العسكري وولادته سرا في حياة أبيه
بعض الاحاديث الضعيفة والمضطربة والمشوشة
والغامضة من السنة والتي تذكر مجىء اثني عشر
أميرا أو خليفة بعد رسول الله وهذبوها وشذبوها
وطبقوها على عدد الائمة الذين كانوا قد بلغوا
مع ابن الحسن المفترض وحسب العد الامامي: اثني
عشر واحدا فقالوا بان الائمة اثنا عشر وعرف
هؤلاء (الاثني عشر). (ولكن عملية الاستدلال
بتلك الاخبار على صحة النظرية (الاثنا عشرية)
كانت تواجه ضعف سند تلك الاخبار حيث أنها
ضعيفة عند السنة ولا يلتزم أحد منهم بمضمونها.
كما أنها اضعف عند الشيعة.
ولا توجد بينها رواية واحدة صحيحة حسب مقاييس
علم الرجال الشيعي).
الرد على الشبهة
اقول ولنا على كلامه الانف الذكر تعليقتان:
الاولى:
قوله: (أنها ضعيفة السند عند السنة ولا يلتزم
أحد بمضمونه).
أقول: ليت صاحب النشرة جاء بكلام واحد من
علماء أهل الحديث المعتبرين عند السنة يضعِّف
حديث الاثني عشر، وأنى له بذلك وقد روى الحديث
كل من البخاري ومسلم في صحيحيهما وأبو داود
والترمذي في سننهما ومن قبلهم رواه احمد بن
حنبل في مسنده بأسانيد صحيحة ورواه آخرون
أيضاً.
روى البخاري عن جابر بن سمرة قال سمعت
النبي (صلى الله عليه وآله)يقول: (يكون بعدي
اثنا عشر أميرا... كلهم من قريش).
وفي رواية لمسلم (لا يزال هذا الدين عزيزا
منيعا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش).
وفي رواية (لا تضرهم عداوة من عاداهم).
وفي رواية (يكون لهذه الامة اثنا عشر قيِّماً
لا يضرهم من خذلهم كلهم من قريش).
وفي رواية مسروق قال: (سأل رجل عبد الله بن
مسعود قال له يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول
الله كم يملك هذه الامة من خليفة فقال عبد
الله سألناه فقال: اثنا عشر عدة نقباء بني
إسرائيل).
وفي رواية أخرى (يكون بعدي من الخلفاء عدة
أصحاب موسى).
وفي رواية أخرى (كلهم تجتمع عليه الامة).
قال ابن كثير (وقد روي مثل هذا عن عبد الله بن
عمر وحذيفة وابن عباس).
أقول: وقد روى مثله الهيثمي في مجمع الزوائد
عن الطبراني في الاوسط والكبير، والبزار، عن
أبي جحيفة.
ويتبين من ذلك ان حديث الاثني عشر عند السنة
لا تنحصر روايته بالصحابي جابر بن سمرة بل
يرويه صحابة آخرون ذكرت الكتب السنية الميسرة
فعلا أربعة منهم الى جنب جابر بن سمرة.
لقد ظن علماء الحديث من أهل السنة ان المراد
بهؤلاء الاثني عشر هم الحكام الذين جاءوا بعد
الرسول واتفقوا على تسمية الاربعة الاوائل
منهم وحاروا في تكملة العدد، فمنهم من عد
معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية وعبد
الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك وسليمان
بن عبد الملك ثم يزيد بن عبد الملك ثم هشام بن
عبد الملك وبين سليمان ويزيد عمر بن عبد
العزيز والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد
الملك) وقد رجح هذا القول ابن حجر ومنهم
من قال ان هؤلاء الاثني عشر مفرقين في الامة
إلى آخر الدنيا.
وهذا التفسير بعيد عن الصحة تماماً وذلك لان
تشبيه النبي (صلى الله عليه وآله) لهؤلاء
الاثني عشر بأصحاب موسى ونقباء بني إسرائيل
يفيد انهم من سنخهم وقد أخبرنا الله تعالىعن
نقباء بني إسرائيل بقوله (وَلَقَدْ أَخَذَ
الله مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا
مِنْهُمُ اثْنَىْ عَشَرَ
نَقِيبًا)المائدة/12-13.
وقال تعالى (وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ
يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ،
وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَىْ عَشْرَةَ
أَسْبَاطًا أُمَمًا)الاعراف/159-160.
وقد كان أول هؤلاء الاثني عشر بعد موسى هو
يوشع بن نون وكان آخرهم داود، وكان ما بينهم
النبي إشموئيل وطالوت ولم يكن نبياً بل كان
عالماً اصطفاه الله ونص عليه بواسطة نبيه
إشموئيل، وكانت تكملة الاثني عشر من آل هارون
ولم يكونوا انبياء أيضا بل كانوا علماء
اصطفاهم الله وطهرهم ونص عليهم بواسطة نبيه
موسى وقد ذُكِروا في القرآن كعنوان للنقباء
بعد موسى وقبل النبي إشموئيل ولم يدخل في
تفاصيلهم.
وهم المشار إليهم في قوله تعالى: (وَلَقَدْ
آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ فَلاَ تَكُنْ فِي
مِرْيَة مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى
لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ
أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا
صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا
يُوقِنُونَ)السجدة/23-24.
وكذلك الامر في الائمة الاثني عشر بعد
الرسول (صلى الله عليه وآله) هم أئمة هدى لا
يصلح الحكم إلا لهم في زمانهم ولا تتأثر
منزلتهم من الله ورسوله سواء أقبل الناس عليهم
أم أعرضوا عنهم.
ويؤيد ذلك قول النبي (صلى الله عليه وآله)
عنهم انهم (لا تضرهم عداوة من عاداهم) (لا
يضرهم من خذلهم) لان ولايتهم لا تستند إلى
الناس بل إلى الله تعالى، هذا بخلاف ولاية
الحاكم التي تتضرر بخذلان من يخذل لان قوته
وسلطته تستند إلى الناس.
ويؤيد ذلك أيضاً ما ورد عن علي (عليه السلام)
قوله أين الذين زعموا انهم الراسخون في العلم
دوننا كذبا وبغيا علينا ان رفعنا الله ووضعهم
وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم بنا يستعطى
الهدى ويستجلى العمى ان الائمة من قريش غرسوا
في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم ولا
تصلح الولاة من غيرهم.
فهو (عليه السلام) هنا يتحدث عن أئمة هدى بعد
الرسول (صلى الله عليه وآله) لهم منزلة الرسول
في الهداية وفي اختصاص الحكم في زمانهم بهم
وكونهم منحصرين في بني هاشم، ومما لاشك فيه
انه ليس كل بني هاشم لهم هذه الخصوصية بل هم
علي (عليه السلام) والاحد عشر من ولده من
فاطمة (عليها السلام). ومن الواضح ان
كلامه (عليه السلام) يشير إلى حديث النبي (صلى
الله عليه وآله) (الائمة من بعدي اثنا عشرفهم
إذن نظراء أئمة الهدى من بني إسرائيل الذين
جعلهم الله تعالى بعد موسى وجعلهم اثني عشرة
أسباطا أي أحفاداً (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن
بَعْض) آل عمران /32).
وفي ضوء ذلك يحمل قوله (صلى الله عليه وآله):
(كلهم تجتمع عليه الامة) أي كلهم ينبغي أن
تجتمع عليهم أمتي الى آخر الدنيا يأخذون
بقولهم وفعلهم وتقريرهم.
الثانية:
قوله: (انها عند الشيعة اضعف) وقوله (أنها
مختلقة في عصر الغيبة).
أقول: ليس الامر كما قال..
إذ الروايات التي أوردها الكليني والصدوق توجد
فيها روايات صحيحة السند واشهرها الروايات
التي تنتهي إلى سليم بن قيس وقد مضى الحديث
عنها في الفصل السابع، وقد قلنا هناك: بان
الطرق إلى كتاب سليم وروايته في الاثني عشر لم
تنحصر بالعبرتائي وابي سمينة.
ولا يضر رواية سليم اختلاف علماء الشيعة في
وثاقة أبان بن أبي عياش الراوي عن سليم لان
المطلوب في أحاديث الاثني عشر وذكر أسماء
الائمة (عليهم السلام) من أجل رد شبهة
المستشكل هو إثبات وجودها عند الشيعة قبل
الغيبة الصغرى.
وليس من شك ان طائفة من أسانيد الكليني
والصدوق إلى أبان بن أبي عياش (ت128هـ) صحيحة
ويرويها عن أبان كل من محمد بن أبي عمير
(ت217هـ) وحماد بن عيسى (ت209هـ).
أما ابن ابي عمير فيرويها عن عمر بن أذينة
(ت168هـ).
وأما حمّاد فيرويها عن عمر بن أذينة وإبراهيم
بن عمر اليماني المعاصر لابن إذينة.
ومعنى ذلك ان أحاديث الاثني عشر التي تنتهي
إلى سليم بن قيس كانت معروفة عند ثقاة الشيعة
في القرن الثاني الهجري.
ويضاف إلى ذلك:
الحديث المعروف بحديث اللوح الذي
رواه الكليني في باب ما جاء في الاثني عشر
إماماً عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن
ابن محبوب عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه
السلام) فان سند الكليني إلى الحسن بن محبوب
السراد المتوفى سنة (224 هـ) صحيح.
ويضاف إليه أيضا الحديث الاول والثاني عند
الكليني في الباب نفسه إذ لا غبار على سندهما
في مقياس علم الرجال عند الشيعة.
يضاف إلى ذلك أيضا: الرواية رقم (20) من الباب
نفسه في الكافي رواها عن محمد بن يحيى واحمد
بن محمد عن محمد بن الحسين عن أبي طالب عن
عثمان بن عيسى عن سماعة بن مهران قال كنت أنا
وأبو بصير ومحمد بن عمران مولى أبي جعفر (عليه
السلام) في منزله بمكة فقال محمد بن عمران
سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول (نحن
اثنا عشر محدَّثاً فقال له أبو بصير سمعت من
أبي عبد الله (عليه السلام) فحلفته مرة أو
مرتين انه سمعه فقال أبو بصير لكني سمعته من
أبي جعفر (عليه السلام) ورجال السند ثقاة، ولا
يضره واقفية عثمان بن عيسى لانه رجع وتاب
عنها).
وقد رواها الشيخ الصدوق في اكمال الدين ص335
عن محمد بن علي بن ماجيلوية ومحمد بن موسى بن
المتوكل قال حدثنا محمد بن يحيى العطار عن
محمد بن الحسن الصفار عن أبي طالب عبد الله
ابن الصلت القمي عن عثمان بن عيسى عن سماعة بن
مهران ورواها أيضا عن محمد بن الحسن بن احمد
بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أبي
طالب، وفيها لفظ (مهديا) بدلاً من (محدثاً).
وأيضاً الرواية رقم (15) من الباب نفسه في
الكافي رواها عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن
ابن أبي عمير عن سعيد بن غزوان عن أبي بصير عن
أبي جعفر (عليه السلام) قال (يكون تسعة أئمة
من ذرية الحسين بن علي تاسعهم قائمهم) والسند
صحيح.
ويتلخص من ذلك:
ان الذي رواه الكليني والصدوق والطوسي
والنعماني باسانيدهما الصحيحة إلى سماعة بن
مهران وابن أبي عمير وحماد بن عيسى وعمر بن
أذينة وإبراهيم بن عمر اليماني والحسن بن
محبوب السراد و عبد الله بن الصلت القمي وأبي
هاشم داود بن القاسم الجعفري تفيد ان احاديث
الاثني عشر إماما كانت معروفة لدى الثقاة من
الشيعة قبل ولادة المهدي (عليه السلام) بل منذ
القرن الثاني الهجري.
وهي كذلك عند السنة اذ رواها أحمد بن حنبل في
مسنده وقد توفي سنة 240هـ أي قبل ولادة
المهدي (عليه السلام) بخمسة عشر عاما.
ولسنا بحاجة لابطال مقولة صاحب النشرة ومقولة
الزيدية من قبل من أنَّ أحاديث الاثني عشر عند
الامامية مختلقة في القرن الرابع الهجري إلى
اكثر من اثبات وجودها في كتبهم أو عند وجوه
رواتهم في القرن الثاني للهجرة او قبل ولادة
المهدي (عليه السلام).
|